رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأميرة السفيرة.. هل تقود الدبلوماسية السعودية قريبًا؟


لأننى عشت فى المملكة العربية السعودية ستة أعوام خلال حقبة التسعينيات، لذلك يمكننى القول إن أكثر الحالمين لم يكن يتخيل أن يأتى اليوم الذى تعين فيه السعودية سفيرة لها فى الخارج، لكن الحلم المستحيل تحقق بصورة تفوق الخيال، بعدما صدر الأمر الملكى بتعيين اﻷﻣﻴﺮة رﻳﻤـﺎ ﺑنت ﺑﻨﺪر ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﺳﻔﻴﺮة لبلادها ﻟـﺪى اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘحـﺪة ﺑﻤﺮﺗﺒﺔ وزﻳﺮ.
لهذا كانت ردود الفعل على هذه الخطوة قوية، فقد رأيتها- ومعى كثيرون- تأكيدًا على أن تجربة الإصلاح التى يخوضها ولى العهد الشاب حقيقة وليست مجرد شعارات، فيما رأى آخرون أنها بمثابة خطوة جديدة لإنصاف المرأة السعودية التى عانت كثيرًا من التهميش لعدة عقود، لكن الصدمة كانت من نصيب المحافظين الذين يعتقدون أن أسر النساء فى البيوت تطبيق للشريعة، ناسين أو متناسين أن النساء فى عصور الإسلام الأولى كانت تتاجر ولها ذمة مالية، وكانت تحارب فى ميادين المعارك.
قوة الخطوة أن دخول المرأة السعودية إلى عالم الدبلوماسية، جاء من بوابة واشنطن وهى محطة مهمة فى مسيرة أى سفير عربى، بل يمكن القول إن الكثير من السفراء يعتبرون أن سفارة بلادهم فى واشنطن هى البوابة التى يمكن أن تمررهم إلى غرفة وزير الخارجية ليجلسوا على مقعده ويتولوا قيادة العمل الدبلوماسى، وقد كان عادل الجبير أول وزير خارجية من خارج الأسرة المالكة، قد أثبت براعته وجدارته بالحقيبة الوزارية بعد النجاحات التى حققها كسفير فى واشنطن.
وما أسعد الكثيرين أن اختيار أول سفيرة سعودية فى العاصمة الأمريكية، لم يكن لمجرد أنها امرأة تحمل لقب أميرة، بل لأنها تحمل أيضًا فى رأسها طموحات كبيرة لنهضة المرأة فى بلادها، من خلال الأفكار والممارسة، كما أنها ابنة دبلوماسى وسياسى مخضرم هو الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز.
السفيرة الأميرة تبلغ من العمر ٤٤ سنة، وﺟﺪﻫـﺎ ﻟﻮاﻟﺪﺗﻬﺎ ﻫﻮ اﻟﻤﻠﻚ ﻓﻴﺼﻞ، وﺟﺪﻫﺎ ﻟﻮاﻟﺪﻫﺎ ﻫﻮ ولى اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺮاﺣﻞ اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳـﺰ، أو«ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺨﻴﺮ»، كما كان يلقب لسنوات طويلة، وبسبب عمل والدها سفيرًا فى واشنطن لمدة ٢٣ سنة، فقد نشأت فى الأجواء الدبلوماسية، وﺗﺨﺮﺟﺖ فى ﺟﺎﻣﻌــــﺔ ﺟــــﻮرج واﺷــــﻨﻄﻦ، حيث درست اﻟﻤﺘﺎﺣﻒ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻵﺛﺎر.
وبالإضافة إلى ﺣﻀﻮرﻫﺎ اﻟﻤﻜﺜﻒ والمؤثر فى وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم المحلية والأجنبية، فقد ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﺗﺼﺎل ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﺒـﺎدرات واﻟﻤﻬﺎم، حيث شغلت منصب وﻛﻴﻞ رﺋﻴﺲ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺮﻳﺎﺿﺔ ﻟﻠﻘسـﻢ اﻟﻨﺴﺎئى، وﺳﻌﺖ ﻋﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺨﻄـﻮات ﻟﺠﻌﻞ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﺳــــﻠﻮك وﻋﺎدات اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وشجعت على ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻤﺮأة ﺼﻨﻮف اﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، وﻋﻨﺪما صدر القرار باﻟﺴﻤﺎح ﻟﻠﻨﺴﺎء ﺑﺤﻀﻮر ﻣﺒﺎراة لكرة القدم فى ٢٠١٨، غردت فى صفحتها على موقع «تويتر» قائلة: «ﺟﺎء اﻟﻴﻮم الذى أدﺧﻠﺘﻢ اﻟﺴﻌﺎدة فى ﻗﻠﺐ ﻛﻞ ﻋﺎﺋﻠﺔ واﻣﺮأة ﺳﻌﻮدﻳﺔ، حضور اﻟﻤﺒﺎراة اﻷوﻟـــﻰ يعتبر ﻟﺤﻈﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ فى المملكة».
وﻗﺪ ﺗﻮﻟﺖ اﻷﻣﻴﺮة السفيرة اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ، ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻨﺼﺐ اﻟﻤﺪﻳﺮة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻔﺮع ﺷـــﺮﻛﺔ كبرى ﻓﻲ اﻟﺮﻳـﺎض، وأصبحت ﻋﻀﻮًا مؤسسًا فى مؤسسة «زﻫﺮة ﻟﻠﺘﻮﻋﻴﺔ ﺑﺴﺮﻃﺎن الثدى» وﻣﻘﺮﻫﺎ اﻟﺮﻳﺎض، وفى ﻣﺎﻳﻮ ٢٠١٢ ﻗﺎدت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺴﻌﻮدﻳﺎت إﻟﻰ ﻣﻌﺴﻜﺮ أقيم فى ﻗﺎﻋﺪة ﺟﺒﻞ إﻓﺮﺳـــﺖ، فى ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺮﻓﻊ اﻟﻮعى ﺑﺴـﺮﻃﺎن اﻟﺜﺪى.
ولذلك لم يكن غريبًا أن يتم اﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻨﺘﺪى داﻓﻮس الاقتصادى، ﻟﺘﻨﻀﻢ إﻟﻰ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ «القيادات اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺸﺎﺑﺔ فى اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ»، ويعرف عن الأميرة السفيرة ﻣﻮﻗﻔﻬـــﺎ اﻟﺪاﻋﻢ ﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻤﺮأة، إذ ﻋﺒﺮت ﺻﺮاﺣﺔ ﻋﻦ رﻓﻀﻬﺎ ﻮﻻﻳـــﺔ اﻟﺮﺟﻞ، وأﻋﻠﻨﺖ ﺗﺄﻳﻴﺪﻫﺎ قضايا ﻣﺜﻞ ﺣﻀﻮر اﻟﻨﺴﺎء المباريات اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ، وﻗﻴﺎدة اﻟﻤﺮأة السيارة. إنه اختيار تاريخى على أسس ذكية وموضوعية، ولذلك فالكثيرون يتوقعون الكثير من النجاحات من الأميرة السفيرة، ولا يستبعدون أن تجلس على مقعد وزير الخارجية، لتؤكد مرة أخرى أن قطار الإصلاح قد انطلق إلى عالم المستقبل بكل ثقة وثبات، وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء فى «الشقيقة» القريبة من قلوبنا جميعًا وهى المملكة العربية السعودية.