رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقاطع من سيرة أمى

جريدة الدستور

فى الصغر كنت أردد بفرح خلف معلمى:
«فى بيتنا طيور كالبط والحمام»
«تعيش فى سرور وتأكل الطعام»
وأظل أرددها حينما أعود إلى البيت
وانا أنظف عشة الطيور
مع أمى!
بالأمس- وبعد ثلاثين عامًا-
قرأتها فى كتاب قديم
شعرت بحزن، فلم تعد لدينا عشة للطيور!
فقد ماتت أمى!!

فى زيارتى الأخيرة
لقبر أبى سألنى:
- كيف حال أخوتك؟
قلتُ: نفتقدك
قال: كلما افتقدتمونى
قبِّلوا رأسَ أُمِّكم!

بعد أن مات أبى
لم يترك لنا ما نتنازع عليه
فتنازعنا على حب
أمى!!

صباح العيد
أيقظت أولادى وقَبَّلْتُهم
وعُدْتُ إلى سريرى
دَقَّتْ أمى علىَّ البابَ
تظاهرتُ بالنومِ
كى توقظنى
وتقبلنى!!

كانت تصر أن تغلق زرَّ قميصى الأعلى
أتذمر
تقول لى: البرد يا حبيبى
أقول لها:
أنا لا أشعر بالبرد
تُصرُّ، أرضخ لها
بالأمس ارتديت ملابسى
وأغلقت زرَّ قميصى الأعلى
ورغم ذلك كنت أشعر ببرد قارس
ألقيت نظرة
على صورتها المعلقة
وبكيت!!

أمى
نخلةٌ وحيدةٌ
كيف تقاومُ الرياحَ
الآتيةَ
مِن الجهاتِ الأربع؟

الرجفة التى أصابتنى وأمى تصافحنى
لم تكن خوفًا
ولا هى من تأثير البرد
إنه قلبى
يرقص فرحًا على إيقاع الموسيقى
المنبعثة من
أصابعها!!

يترك الصباح على شرفاتنا
عصافيره
لتغنى لنا ألحان الحياة
وأنا أترك على شرفتك
عصفورًا وحيدًا
ليغنى لك لحن المحبة..
على شرفة أمى تركت
قلبى!!

كلما سمعت صوتك
ازددت يقينًا
أن الموسيقى كلها
مقام من مقامات
صوتك!!

تسألنى أمى:
- البشر أفضل أم الملائكة؟
أجيبها:
- أنتِ!!

أنظر فى عينى أمى
يتسع العالم
رويدًا رويدًا
كلما اتسعت
ضحكتهما!!