رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محطة مصر وكرب ما بعد الصدمة


اليوم أجد نفسى مضطرا للكتابة عن Post-traumatic stress disorder والمقصود به اضطراب كرب ما بعد الصدمة، لانى أعتقد أنه سوف ينتشر بقوة هذه الأيام.بسبب حادث القطار الأليم في محطة مصر.
السوشيال ميديا أعطتني أيضا انطباعا بأن هناك حالة من اللامبالاة وحالة من عدم المسئولية تسمي تأثير المتفرج أو لامبالاة المتفرج هي ظاهرة نفسية اجتماعية تشير إلى امتناع الشخص عن تقديم أي مساعدة للضحية إذا كان هناك حاضرين آخرين. احتمال المساعدة يرتبط عكسيًا مع عدد المتفرجين. أي أنه كلما زاد عدد المتفرجين، كلما نقصت نسبة أن يُقدم أحدهم المساعدة. هناك عدة عوامل لتفسير ظاهرة لامبالاة المتفرج ومنها: الغموض، تماسك الجماعة، انتشار المسوؤلية
تم عرض الكثير من الفيديوهات للضحايا، ومنهم فيديو مؤلم يصور هروب الضحايا ولحظات وفاة، ما جعلنى أتساءل عن وقع وتأثير هذه المشاهد على أهل الضحايا وأطفالهم وعن المشاهدين أنفسهم الذين يتابعون الأحداث، وكيفية التعامل مع هذه المشاهد لأن بعضها يؤدى إلى تعود المواطن العادى على العنف. كما تشير العديد من الدراسات فى مجال علم النفس والطب النفسى.



من المهم أن نشير هنا إلى أن عبارة «اضطراب أو ضغوط ما بعد الصدمة» لم تكن موجودة فى قاموس الطب النفسى قبل العام ١٩٨٠ غير أنها بدأت تدريجيًا فى الظهور عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث اكتشف علماء النفس بعض الأعراض النفسية على الجنود فى ميادين الحرب، ثم تم تعميم الأمر على ما يحدث عقب الكوارث كالزلازل والفيضانات والصدمات الكبيرة فى الحياة والتى تشمل مجموعات كبيرة من الناس.

وبنظرة أكثر عمقًا لهذا المصطلح نقول إن تعريف الصدمة النفسية - Trauma: هى حدث خارجى فجائى وغير متوقع يتسم بالحدة ويفجر الكيان الإنسانى ويهدد حياته بحيث لا تستطيع وسائل الدفاع المختلفة أن تسعف الإنسان للتكيف مع الحدث الصادم.

ويرى مايكنبوم أن الصدمة تشير إلى حوادث شديدة أو عنيفة تعد قوية ومؤذية ومهددة للحياة، بحيث تحتاج هذه الحوادث إلى مجهود غير عادى لمواجهتها والتغلب عليه.

أما فيما يتعلق بالحدث الصدمى - Traumatic Event: فالأحداث الصدمية أحداث خطيرة ومربكة ومفاجئة، تتسم بقوتها الشديدة أو المتطرفة، وتسبب الخوف والقلق والانسحاب والتجنب. والأحداث الصدمية كذلك ذات شدة مرتفعة وغير متوقعة وغير متكررة وتختلف فى دوامها من حادة إلى مزمنة.

ويمكن أن تكون الخبرات الصادمة ناتجة عن كوارث طبييعية مثل الأعاصير والبراكين والزلازل والحرائق والعواصف الثلجية.. أو عن أعمال من صنع البشر مثل الحوادث وسقوط المبانى والحروب والإرهاب والتعذيب، والاغتصاب، أو حتى مشاهدة الآخرين وهم يعذبون الأطفال......... إلخ.

إن معظم الأشخاص الذين يتعرضون لاضطرابات ما بعد الصدمة يشعرون بالخوف على حياتهم ويرون أشياء مخيفة ويشعرون بالعجز واضطراب عاطفى شديد إلا أنه من الملاحظ أن هناك بعض الأشخاص الذين لا يطورون أحداث ما بعد الصدمة رغم تعرضهم لها، وهذا يعتمد على عدة عوامل، من أهمها شدة ومدة الحدث الصادم، والتقييم المعرفى له وأهميته للفرد، ومدى القرب من الحدث، وكيفية رد الفعل للحدث، وكمية وكيفية الدعم الذى تلقاه الشخص بعد الحدث، وذكاء الفرد ومهاراته واعتقاداته ووضعه الاجتماعى والاقتصادى والدينى، ومدى تعرضه لخبرات صادمة سابقة أو أمراض.

أما بالنسبة لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، فتختلف استجابات الأشخاص له فمنهم من تظهر عليه أعراض الصدمة بعد عدة أسابيع أو أيام ومنهم من تظهر عليهم بعد أشهر ومنهم من تظهر عليهم بعد سنوات ومنهم من لا تظهر عليهم الأعراض كما سبق القول.

وأحيانا ما تظهر الأعراض بطريقة فجائية ومنهم من تظهر عليهم بطريقة تدريجية أو قد تظهر الأعراض وتختفى على مر الزمن.

وعلى العموم إذا استمرت الأعراض مدة أربعة أسابيع مسببة شدها أو قلقا يؤثر على عملك أو حياتك فلا بد أنك تعانى من اضطراب كرب ما بعد الصدمة ويجب عليك البحث عن العلاج، وأهم تلك الأعراض استعادة الحدث الصادم ويكون ذلك عن طريق الاستعادة المتكررة والمؤلمة للحدث الصادم، والكوابيس الليلية المزعجة التى تدور حول الحدث الصادم، وشعور مفاجئ كما لو أن الحدث الصادم يحدث مرة ثانية وهو ما يسمى بـ flash backs، أيضا الشعور بالضيق والألم عند تذكر الحدث الصادم، إلى جانب ردة فعل فسيولوجية عند تذكر الحدث الصادم مثل دقات القلب السريعة، التنفس بسرعة، تصلب بعض العضلات، تصبب العرق، والدوخة والغثيان. وهذه الأعراض قد تظهر فى أى وقت كما يمكن أن تظهر عند تذكر أى شيء يرتبط بالحادث الأصلى مثل كلمة أو صورة أو مقالة أو رائحة، على سبيل المثال إن سماع طلق نارى فى الهواء قد يذكر بالحرب التى خضتها، أو رؤية تقرير عن الحوادث قد يرجعك إلى الحادث الذى نجوت منه، لذا يجب تجنب أى شيء يذكر بالحدث لما يسبب الحدث من ألم نفسى. ويكون ذلك عن طريق البعد عن الأفكار والمشاعر المذكرة بالحدث الصادم، وتجنب الأنشطة والأماكن التى تذكر به، وعدم الاهتمام بالفعاليات اليومية، والشعور بالابتعاد عن الآخرين والغربة، وعدم تذكر جوانب مهمة من الصدمة، والنظرة التشاؤمية للمستقبل.

أيضا الإحساس بالخدر وهذه طريقة أخرى لتجنب الأفكار المزعجة الناتجة عن الصدمة، وفيها يجد الشخص صعوبة فى التعبير عن مشاعره. ويكون ذلك عن طريق عدم إظهار مشاعر إيجابية تجاه الأشخاص الآخرين، والابتعاد عن العلاقات الاجتماعية، وإظهار عدم الاهتمام بأعمال كان يحبها ويهتم بها، ونسيان الحديث عن أجزاء مهمة من الصدمة أو عدم القدرة عن الحديث عنها وهذا ما يسمى بالنسيان النفسى. والحقيقة إن كثيرًا من الباحثين يجمعون بين التجنب والخدر على اعتبار أنهما عملية واحدة تهدف إلى حماية الإنسان من الألم النفسى الذى تسببه الصدمة. أيضا هناك زيادة الإثارة، وتعنى إن تعرضك للصدمة قد يجعلك تشعر على الدوام أنك فى خطر مما يقلل فرص الاسترخاء والتمتع بالحياة ويظهر ذلك فى الشعور المفاجئ بالغضب والتوتر، وصعوبة النوم والاستغراق به، وصعوبة التركيز، وعدم الشعور بالأمن والإحساس الدائم بأنك فى خطر أو مهدد، وزيادة الاستجابة للمنبهات الخارجية.

إلى جانب أعراض تتلخص فى أن نجاة شخص من حادث قتل فيه آخرون قد يولد عنده إحساسًا بالذنب من أنه عاش فى حين أن الآخرين ماتوا كما قد يولد عنده لوم الذات أو تأنيب الضمير من أنه لم يفعل شيئا لإنقاذ الآخرين، هذا بالإضافة إلى مشاعر الخجل واليأس والصراع، ومشاكل فى المعدة وألم فى الرأس ومشاكل فى العمل والعلاقات الاجتماعية واللجوء إلى المخدرات أو العنف.



عند الأطفال

حين نسمع كلمة طفل فإن ذلك يذكرنا بكل معانى البراءة والمرح واللعب والتلقائية والحاجة للرعاية والحماية والأمان فى حضن الأم والأب فى بيئة تخلو من الأخطار، وحيث إن الطفل ليس لديه القدرات المعرفية الكافية لكى يستوعب الخبرات الصادمة ويعطيها معنى مفهوما لذا يصبح هضم هذه الخبرات صعبًا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن عدم قدرة الطفل عن التعبير اللفظى عن معاناته يحدث اضطرابات كثيرة فى حياته، وغالبًا ما تكون استجابة الأطفال مختلفة للصدمة أو الحوادث المؤلمة حيث يشعر الأطفال بالخوف والقلق من أنهم سوف يفارقون ذويهم، والتبول الليلى ومص الإبهام، وصعوبة النوم والكوابيس المزعجة، ويسيطر على تفكيرهم وسلوكهم ذكريات ما حدث، وضعف التركيز، ويصبح الطفل متوترًا وكثير الحركة ولا يطيع الأوامر، ويعانى من أعراض جسمية مثل الصداع وألم المعدة دون سبب عضوى واضح، وسرعة الانفعال والعدوانية، وقد لا نجد عملية استعادة الحدث بالشكل المألوف لدى الكبار وإنما نجد عملية تمثيل الحدث أثناء اللعب، أو نجد أحلامًا مفزعة لا يستطيع الطفل تذكر محتواها.



العلاج

لعلاج الصدمات النفسية يوجد العديد من الأساليب المختلفة. وقد وضعت العديد من هذه الإجراءات العلاجية على وجه التحديد استنادا إلى نتائج البحوث المختلفة بشأن آثار الصدمة. إذا كان الشخص المعنى غالبا ما تطغى عليه ذكريات معايشة الصدمة النفسية وينجم عن ذلك أحاسيس وعواطف عنيفة، يمكن أن يكون مفيدًا مساعدته على كيفية التعامل مع الذكريات الاقتحامية بدلا من معالجة الصدمة نفسها مباشرة. فى هذا النهج يتم تجنب مواجهة مباشرة مع تجربة الصدمة. أما إذا كان الشخص المعنى تطغى عليه ذكريات الحادث بشكل أقل، قد يكون التصدى المباشر لتجربة الصدمة مفيدا. قبل استخدام التقنيات العلاجية للصدمة النفسية، غالبًا ما يكون التوصل إلى الاستقرار ضروريًا أولا. بعد معالجة الصدمة، غالبا ما يكون إعادة تقييم وتوجيه ظروف حياة المرء ضروريا وذلك مع تقديم الدعم النفسى. (من قبيل تغيير طبيعة العمل أو مكان السكن... إلخ).

تم تطوير أساليب علاجية مختلفة تستهدف خصيصًا معالجة الصدمة النفسية. إذ تم تطوير العلاج السلوكى المعرفى Cognitive behavioral therapy لعلاج آثار الصدمة.

نذكر هنا بشكل خاص علاج المواجهة Exposure therapy، الذى طور خصيصًا لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة بشكل فعال. حيث يجب على الشخص المتضرر أن يعتاد على ظروف مماثلة لظروف حادثة الصدمة وهو محمى منها.

كما تم تطوير طريقة علاج حساسية حركة العين وإعادة المعالجة Eye Movement Desensitization and Reprocessing خصيصًا لمعالجة الصدمات ويمكن أيضا أن تطبق مع الإجراءات العلاجية الأخرى. هنا، يتم جلب الشخص عن طريق التحدث إلى وضعية حادثة الصدمة فى ظل ظروف محمية. من خلال التغيير السريع للاتجاه النظر أو من خلال شكل آخر من أشكال تنشيط نصفى الدماغ المتناوب أثناء عملية التذكر للتوصل إلى تكامل ما عايشه من صدمة.