رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر التاريخ في عقول الأبناء


من غير المدركين لتاريخ بلد عظيم إسمه مصر يحن إلى عصر الرقيق الذين يعرضون للبيع في سوق النخاسة، وليته تأمل من التقوا على أرض مصر، فى القمة العربية الأوربية بشرم الشيخ، وهم يعرفون جيدا تاريخها ليس فقط ما يعود منه الى ألفي عام، بل إلى قرابة العشرة آلاف عام.

تاريخ هذا البلد لا يعرفه غير أبنائها البررة، تاريخ متجذر لنحو عشرة آلاف عام تسبق تاريخنا الحديث الذي تجاوز الألفي عام، حيث عرف المصريون الثقافة والفنون وصناعة الزجاج، وقدْر المرأة المصرية التي تولت حكم مصر مثل كليوباترا التي ماتت عام ٣٠ قبل مولد السيد المسيح.

أطفال العالم الغربي يدرسون تاريخ مصر القديمة ويحلمون بزيارة هذا البلد. يشهدون بتاريخها. وأبناؤها الذين يراهم غير المثقفين إنهم سلع يمكن بيعها في سوق النخاسة. أما أبناء وبنات بلدان لها تاريخ أشبه بتاريخ مصر مثل بلاد اليونان والرومان الذين لهم تاريخ، فيعرفون جيدا قيمة مصر التي لفظت سوق النخاسة، (إلا من عقول البلهاء غير المدركين لتاريخ هذا البلد العظيم)، أمثال هذه الشعوب التي أدركت ماضيها مثل بلاد اليونان وبلاد الرومان فهم أقرب إلي تاريخ مصر، ويشير المؤرخون أن الحكم على تاريخ البلدان يقوم على سجل تاريخها والذي تشهد عنه مقابرها والعظام المحنطة، وعلى قمة هذه الدول تأتي مصر محط أنظار العالم ليس لرؤية سوق نخاسة تباع فيه الأطفال والنساء والرجال كما يتخيل غير العارفين.

إن التاريخ يعيد نفسه، وها هو يجتمع على ارض مصر اليوم وغدا ملوك ورؤساء العديد من بلدان العالم بلغاتهم العربية والألمانية والإنجليزية والفرنسية، وعلى أرض شرم الشيخ يجتمع ملوك ورؤساء يعرفون قيمة مصر التي لا يعرفها البعض من غير الملمين أو الناكرين لمصر، ولا تزال عقولهم في أسواق النخاسة التي لفظها العالم وتخجل الدول التي مارست هذه الأسواق في عصر غير عصورنا، وحكمتهم ظروف لا مكان لها في تاريخنا حتى تخجل شعوب بعض هذه البلدان من هذا التاريخ اللاإنساني.

إن الفهماء العارفين لتاريخ مصر يأتون لزيارة بعضا من مقابر أقدمينا لأنهم يدركون أن عظمة الأمم تعرف من مقابر الأقدمين، وعلوم التحنيط التي لا تزال غامضة لم تفك بعد أسرارها، والتي حفظت الرفاة لآلاف السنين لأنهم عرفوا قيمة البشر أنهم لا يفنون، بل يقومون من الموت في القيامة الاخيرة، وكان هذا العلم قبل الأديان التي عرفها العالم بعد قدماء المصريين، فكان المصري سابق بمعرفته بقيامة الموتى قبل الديانات الحديثة. لقد عرف المصري القديم قيمة يد الإنسان، فهي التي تزرع وهي التي تحصد ما زرعت، واليد هي التي تبني وتعيد بناء ما تهدم، وعرف اليدين اللتين ترفع للصلاة والشكر، كما علم باليدين أنها ترتكب الاعمال الخيرية والأفعال الشريرة كالسرقة والقتل.

ولقد أدرك المصري القديم قيمة التدين وممارسة العبادة، فكان الأسبق في الشكر للخالق، فكان المصري أسبق في فهم الخير والشر، فهو كإنسان لم يوجد صدفة دون خالق كما ظن آخرون أن الإنسان وجد بالصدفة، ولهذا كان المصري القديم أول من نادى بخلود الروح بعد مفارقته للجسد، وأن الموت ليس هو النهاية، فبعد الموت توجد قيامة، وأن الاجساد هي التي تفنى أما الأرواح فتبقى.

ونادى المصري القديم بوجود خالق " أتوم" هو خالق المسكونة وكل من عليها وان الموت ليس النهاية، بل الروح تبقى خالدة بعد مفارقة الجسد، وأن هناك حياة أفضل لانها حياة أبدية لا تعرف الموت.

والمصري هو أول من عرف الورق ما ندعوه البردي، وأول من بنى المعابد لأنه يعرف التعبد للخالق قبل ظهور كل الديانات، ويمكننا ان نرى ذلك في أبو سمبل والهرم. والمصري القديم هو أول من إبتكر أدوات الزرع والحصاد، وكذلك بناء السفن، والعجلة التي استخدمها الهكسوس. والمصري هو أول من عرف التطبيب والجراحة، واخترع أدوات جراحية ما زال بعضها يستخدم حتى أيامنا، وأول من صنع الزجاج، وأول من صنع الباروكة وفرشاة الشعر، وفي عام ١٦٠٠ قبل الميلاد صنع الساعة المائية.

وعرف المصري القديم طاقة الكهرباء في دندرا حيث وجد على حائط المعبد ما يشبه المصباح الكهربي مزود بمصدر طاقة.

كما عرف المصري القديم مكانة الاسرة فكان الأسبق في بناء المنازل. كما عرف معنى قيمة الحياة في داخل الوطن حتى أنه كان يخشى الموت خارج وطنه. كما عرف المصري القديم الإنخراط في جيش منظم ليحمي وطنه، ولا يغادر وطنه إلا لهدف ويعود إلى وطنه مرة أخرى، ولا يزال الكثير الذي يمكن معرفته عن المصري الوطني المخلص والمتفاني لأجل وطنه.