رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيخ المالكيين فى مصر: لكل إنسان الحق فى الاجتهاد لفهم النصوص

جريدة الدستور

د. أحمد طه ريان شدد على ضرورة الابتعاد عن التشدد والتعصب
لا فرق بين مناهج الأزهر والسلفيين والصوفيين
لا يجب قصر الفتوى على مجموعة بعينها بل نحتاج إلى توزيع «الآثام» على الشيوخ
وزير الأوقاف «حبيبنا وصاحبنا» وخلافه مع شيخ الأزهر حدث بسبب «الخُطبة الموحدة»

اعتبر الدكتور أحمد طه ريان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، شيخ «المالكيين» فى مصر، أنه لا فروق بين مناهج السلفيين والصوفيين والأزهر، وقال: «كلنا سلفيون، والأهم من ذلك هو الالتزام بكتاب الله، وسنة رسوله، فمن يلتزم بهما يصبح سائرًا على طريقة الرسول». وأضاف «ريان»، فى حواره مع «الدستور»، أنه لا يوجد فارق بين التوجهات الإسلامية لكن «الفكرة فى ضرورة ترك التشدد الذى لا داعى له»، داعيًا الشيوخ للابتعاد عن التعصب، واتهامات الآخرين بما ليس فيهم.
وتطرق شيخ المالكية فى مصر إلى مجموعة من الملفات فى حواره مع «الدستور»، من بينها سبل مواجهة التشدد، والخلافات الفقهية بين الفرق الإسلامية المختلفة.


■ بداية.. بما أنك شيخ «المالكيين» فى مصر، ما الفارق بين هذا المذهب والمذاهب الأخرى؟
- كل مذهب له ملامح خاصة به، والمذهب المالكى يتفق مع المذاهب الأخرى فى الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، لكن «المالكية»- ويقصد بهم جمهور مذهب الإمام مالك من العلماء والعاملين به- يُقدم عندهم عمل أهل المدينة على «أحاديث الآحاد».
فنحن نرى أن عمل أهل المدينة ينقله عدد كبير، آلاف عن آلاف عن آلاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن «حديث الآحاد» ينقله واحد عن واحد عن واحد (يعنى راوِ عن راوٍ عن راوٍ)، وهذا ليس مذهب الإمام مالك وحده، لكنه منهج شيوخ الإمام مالك والتابعين والصحابة.
■ ما المقصود بـ«عمل أهل المدينة» الذى يُقدمه «المالكية» عن «أحاديث الآحاد»؟
- «عمل أهل المدينة» هو العمل الذى استمروا عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكمثال على ذلك، كان للخليفة هارون الرشيد قاضٍ اسمه «أبويوسف»، فأتى به «الرشيد» إلى المدينة وذهب به إلى الإمام مالك، وقال: «يا إمام أبا عبدالله، ناظر قاضينا أبويوسف»، وبالفعل تناظرا فى مسائل عدة حتى أتت مسألة أن «البغداديين كانوا يعتبرون مكيالهم أفضل من مكيال أهل المدينة»، فقال الإمام مالك: «مكيال أهل المدينة أفضل»، لأنهم ورثوه عن الصحابة وورثه الصحابة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
■ ما ردك على من يقول: «المذهب المالكى متشدد»؟
- لا، هذا الكلام ليس صحيحًا على إطلاقه، فلا يوجد مذهب متشدد على الإطلاق، ولا متساهل على الإطلاق، وإنما يوجد فى كل مذهب مسائل مشددة وأخرى مخففة، ولذلك اقترح أحد شيوخ الأزهر القدامى أن يدرس الطالب الفقه المالكى والشافعى والحنفى والحنبلى، وبالفعل استحدثت فى كلية الشريعة مادة جديدة اسمها «الفقه المقارن»، ما وضح للدارسين طبيعة كل مذهب.
فى المذهب المالكى مثلًا، يرى الإمام مالك ضرورة «تدليك كل أعضاء الجسم فى الوضوء»، أى أن من لم يدلك وجهه وقدميه عند «مالك» وضوؤه باطل، لأن كلمة «الغسل» تقتضى «الدلك»، فيما يقول آخرون إنه «يكفى تغطيتها بالماء».
كذلك عند «مالك» لا يجوز لك أن تصلى فرضًا خلف مصلٍ لنافلة، وذلك خلافًا للإمام الشافعى، الذى يجيز ذلك استنادًا إلى أن معاذ بن جبل كان يصلى العشاء مع النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يعود إلى قومه فيصلى النوافل ويقتدون به فى صلاتهم للعشاء.
■ لماذا نجد أنفسنا مفرقين بين «شافعية» و«مالكية» وخلافه رغم أن الإسلام واحد والقرآن واحد؟
- هذا اجتهاد فى فهم النصوص، النص واحد، لكن هناك مدارس مختلفة فى فهمه، أنت تفهمه بطريقة، وأنا أفهمه بطريقة، والنبى يقول فى حديث شريف: «من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر».
■ لكن هذه الاختلافات تُحدث مشاكل بين أبناء الأمة الواحدة فى بعض الأحيان.. ما تعليقك؟
- لا، هذا الكلام يحدث عند الناس الجهلاء، وليس من يملكون العقل والفهم، ويدركون أن لكل إنسان الحق فى الاجتهاد لفهم النصوص، وأن لكل مجتهد ثوابًا.
■ ما رأيك فى بعض الأساتذة الذين يفتون بأكثر من رأى للسائل فى مسألة واحدة ويقولون له: «اختر منها ما شئت»؟
- هذا من أكبر الأخطاء، لأنه قد يكون فى المسألة ٤ آراء، وأدلة رأى منها قوية، وأدلة رأى ثانٍ ضعيفة، إذن لماذا أقول له: «خذ أى رأى؟»، أليس من الممكن أن يأخذ السائل بالرأى المدعوم بأدلة ضعيفة ويترك الرأى المدعوم بأدلة قوية؟.. هنا أكون قد دفعته للأخذ بالرأى الضعيف، وبالتالى أكون أخطأت، لذا على أن أقول له بحسم: «خذ بالرأى المدعوم بأقوى أدلة».
■ ألا يعد ذلك توجيهًا وفرضًا لـ«رأى واحد» على السائل؟
- لا، فمهمة العالِم أن يرشد الناس إلى الصواب، وليس أن يقول لهم: «خذوا بما ترون». هذه المشكلة ورثناها من بعض إخوتنا من الدين المسيحى، ففى القرون الوسطى ظهر مارتن لوثر فى أوروبا، ووجد أن القساوسة يتحكمون فى الناس وقتها، وأن الرأى لا يأخذ إلا من الكنيسة، فقال لهم: «هذا ليس من حقكم، لأن الإنجيل لنا جميعًا»، وخاطب الناس: «خذوا هذا الإنجيل واعملوا بما فيه، بغض النظر عن كونك جاهلًا أو عالمًا، فكلاكما سواء».
■ لكن أليست هناك آراء فقهية كانت ضعيفة فى زمن سابق وأصبحت قوية لتطورات العصر الحالى؟
- ما دام الرأى له دليل قوى تأخذ به أيًا كان قائله وأيًا كان مذهبه، أما إن كان الرأى ضعيفًا ولا يوجد عليه دليل قوى فلا يجوز لك أن تأخذ به، والحجة على العالم نفسه الذى يفتى بهذا.
■ ما ردك على من يقولون بأن أحكام الإسلام القديمة خاصة بزمنها وقد لا تناسب زمننا الحالى؟
- «ده كلام غلط»، القرآن هو كتاب الله المحكم الذى لا تختلف أحكامه من زمان إلى زمان، أو من عصر إلى عصر، ويستمر إلى يوم القيامة، وكوننا مقصرين فى فهم القرآن أو فى دراسة أحكامه، فهذا عيب فينا وليس عيبًا فى القرآن، لذا ما يقال فى هذا السياق خطأ كبير، لأن القرآن هو كتاب الله المنزل وتستمر أحكامه إلى يوم القيامة إن شاء الله.
القرآن وآياته هى من خالق الكون والزمان والمكان، والذى أنزل أحكامًا تتناسب مع كل زمان ومكان، وتحكم الإنسان على مر العصور، كون أننا نبحث الآن على «أحكام خفيفة» لنترك القرآن ونقول إن هذا الكلام كان موجودًا فى عصر الصحابة وليس صالحًا لزماننا، هذا الكلام غير صحيح وباطل.
■ عادة يتحفظ أصحاب المنهج السلفى على ممارسات الطرق الصوفية.. فكيف ترى ذلك؟
- أولًا، كلنا سلفيون، والأهم من ذلك هو الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله، فمن يلتزم بهما يصبح سائرًا على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلمة «طريق» فى الصوفية تعنى أن ربنا «فتح عليك»، فوجدت مجموعة من العبادات التى جعلت قلبك ينشرح، وودت أن يعرف الناس منهجك ليسيروا على الطريق، وأنك أصبحت تأخذ الناس إلى طريق معرفة الله، من خلال كلامه وسنة رسوله.
■ فى رأيك.. لماذا تفرقت الأمة إلى سلفيين وصوفيين وغير ذلك؟
- كلمة سلفى فى الأصل معناها السير على ما كان عليه السلف الصالح، مع ترك الاجتهادات التى جاءت فى العصور المتأخرة. ولفهم المسألة نتذكر قول النبى لأصحابه: «لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة»، فمنهم من وصل قبل أن يؤذن المغرب فصلى هناك، ومنهم من تأخر، فمن رأى أنه سيتأخر عن الصلاة ويحل عليه المغرب صلى فى الطريق.
والثابت هو قول النبى: «لا يصلين أحكم العصر إلا فى بنى قريظة»، لكن كل شخص كان له حجته، فمنهم من التزم بما قال الرسول ومنهم من خاف تجاوز وقت الصلاة، ولما عرض الأمر على النبى، صلى الله عليه وسلم، لم يعنف هؤلاء ولا هؤلاء، ورضى بعمل المجموعتين، ما دام عملهما مناسبًا وفى إطار فهم السنة.
■ هل يعنى ذلك أن الأمر ليس أكثر من فوارق فى المسميات؟
- هذا صحيح، فعمليا لا يوجد فرق بين التوجهين، غير أننا ندعو إلى ترك التشدد الذى لا داعى له.
■ يدعى البعض أن العقيدة الأزهرية غير عقيدة السلف الصالح.. فما حقيقة ذلك؟
- هذه الفكرة مغلوطة، فالأزهر يسير على المذهب الأشعرى، وللأسف بعض السلفيين فهموا الأمر بشكل خاطئ، وادعوا أن الإمام الأشعرى تاب عن منهجه قبيل وفاته ورجع عنه، والحقيقة أن «الأشعرى» كان على ما كان عليه السلف الصالح، والفروق عمومًا بين المذاهب الإسلامية بسيطة، ولا تستحق أن تسمى فروقًا من الأساس. وأحب أن أوضح أن بعض السلفيين يتصلون بى ويشكروننى على برنامجى «بريد الإسلام»، ومدى التزامى بكتاب الله وسنة رسوله فى تقرير الأحكام به.
■ ماذا تقصد بقولك إن الفروق بسيطة بين المنهجين الأشعرى والسلفى؟
- أقصد أن المنهج واحد، لكن السلفيين يقولون بالتجسيم فى قوله: «الرحمن على العرش استوى»، ويفسرونها بمعنى «جلس»، لكن الأشاعرة يؤمنون بأن العرش موجود، لكن كيفية الاستواء لا نعلمها.
■ لماذا يميل الأشاعرة لتأويل هذا النص؟
- حتى لا يقعوا فى شبهة التجسيم، وحتى لا تقع العامة فيها، لذا فسرها الأشعرية بمعنى القدرة، واستشهدوا ببيت من الشعر يقول: «قد استوى بشر على العراق.. من غير سيف ودم مهراق»، لأن استوى هنا بمعنى قدر عليها لا جلس.
■ نلاحظ أن بعض المتدينين يدعون للتشدد فى الآراء ويتمسكون بمظاهر تدعو للكآبة والحرمان من مباهج الحياة.. فلماذا يلجأون لذلك فى تقديرك؟
- هم يرون فى ذلك نوعًا من الحرص فى الدين، لكن من يدعى أن الناس هلكى ولا يراعون الدين، وأنه وحده الذى يتمسك بالشريعة فهو مخطئ بالتأكيد، فيجب على كل داعية أن يبتعد بنفسه عن التعصب واتهام الآخرين بما ليس فيهم، وأن يدعو الناس باللين والرفق والموعظة الحسنة، خاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبتسم ويمزح مع أصحابه وزوجاته، فلماذا لا يقتدى هؤلاء بالنبى الكريم؟!.
■ هذه السلوكيات أسهمت فى اتهام الإسلام بالتشدد.. فكيف ترى ذلك؟
- أرى أن هذا الاتهام دون دليل، فالشريعة نفسها سهلة وواضحة وبينة والناس يقبلون عليها لسماحتها، والنبى صلى الله عليه وسلم كان يقول إنه بعث بالحنيفية السمحة أى السهلة. وقال الله، سبحانه وتعالى، عن نبيه المصطفى، مقارنًا بين دعوته ودعوة من سبقه من الأنبياء، إنه يضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم، وهذا هو الإسلام.
■ رأى البعض أن مواجهة التشدد تكون بتنظيم الفتوى لكن ذلك أدى لخلاف بين المؤسسات الدينية.. فكيف رأيت ذلك؟
- المشكلة أن بعض المشايخ حاولوا مواجهة التشدد عبر ظهورهم فى وسائل الإعلام وقولهم للناس: «خذوا الرأى الذى يناسبكم»، وأدى ذلك لفوضى، لذا دارت المناقشات حول من يمكنه أن يقول بالرأى الصحيح ويمنع هذه الفوضى، هل هم كبار العلماء أم دار الإفتاء؟
■ شاركت فى هذه المناقشات فى هيئة كبار العلماء بالأزهر.. فماذا كان رأيك فيها؟
- اعترضت فى المناقشات على قصر الفتوى علينا، وقلت لهم: «اتركوا الآثام تتوزع على المشايخ، وكل شيخ يفتى غلط يتحمل إثمه»، وسألتهم: لماذا تحملوننا كل آثام المجتمع؟ لأنى أرى أن قصر الفتاوى على كبار العلماء يعنى أن نتحمل نحن وحدنا وزرها، ورأينا لن يكون صحيحًا فى كل الفتاوى مهما حاولنا، لكن اعتراضاتى لم تكن محل رضا من الجميع.
■ كيف ترى قرارات وزير الأوقاف الخاصة بالعمل الدعوى وتوحيد خطبة الجمعة؟
- هذا اجتهاد من وزير الأوقاف، يمكن أن يناقش فيه ليعطى الفرصة للأئمة حتى يعالجوا قضايا كل بلد بطريقتهم، فبالتأكيد مشاكل أسوان غير مشاكل الإسكندرية، وغير مشاكل القاهرة. وعلى العموم تسبب هذا القرار فى مشكلة بين الوزير وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والشيخ الطيب لم يكن موافقًا على موضوع توحيد الخطبة، لكن الوزير لم يوافق الإمام الأكبر على رأيه، ما تسبب فى الخلاف. وعلى إثر ذلك، طلب منا شيخ الأزهر أن ننسحب كلنا من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وانسحبنا بعد ٢٠ سنة من عملنا بالمجلس.
لكن رغم كل ذلك، وزير الأوقاف «حبيبنا وصاحبنا»، وسبق لى العمل معه لفترة طويلة، وصلت إلى ٢٠ عاما فى وزارة الأوقاف، وظللت معه لفترة، وكانت علاقة الاحترام والحب تسود بيننا.
■ هل تعتقد أن هذا القرار كان صحيحًا؟
- لا نستطيع أن نقول عنه «صح ولا غلط»، وكما قلت، كانت هذه المسألة اجتهادًا منه لأنه لم يقتنع بكلامنا حول الأمر، وأوضح ذلك بأن يمنح الفرصة لكل إمام فى الحديث فيما يريد، لكن عقب خطبة الجمعة.
■ عاصرت عددًا من كبار مشايخ الأزهر فمن كان أبرزهم؟
- أتذكر الشيخ صالح الجعفرى، والشيخ الإمام عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، وسبق لى أن زرته فى مكتبه وجلست معه، وكذلك الشيخ محمد زكى إبراهيم، من شيوخ الصوفية، وغيرهم كثيرون من المشايخ الكبار.