رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرض القرن.. روشتة التخلص من آلام ومضاعفات «القولون العصبى»


أستقبل فى عيادتى النفسية العديد من المرضى، الذين يقولون لى إنهم كشفوا عند أطباء باطنة وجهاز هضمى ومناعة، وأجروا عدة فحوصات وتحاليل طبية كلها سليمة، ورغم أنهم تناولوا الكثير من الأدوية لا يشعرون بأى تحسن. من بين هؤلاء رجل أعمال يبلغ من العمر ٧٠ عامًا، اشتكى من ألم فى معدته جعله يشك فى إصابته بسرطان فى الجهاز الهضمى، خاصة أنه مدخن شره ويأكل طعامًا غير صحى، فقرر التوجه إلى إنجلترا لإجراء فحوصات «مناظير ورنين مغناطيسى وأشعة مقطعية»، جاءت نتيجتها جميعًا: ليس سرطانًا ويعانى فقط من اضطرابات وظيفية بالجهاز الهضمى، ونصحه طبيبه الإنجليزى بالرجوع إلى طبيب نفسى. سيدة أربعينية أخرى أخبرها طبيب فرنسى لجأت إليه نتيجة آلام فى المعدة أيضًا بأنها تعانى من أعراض قلق وتوتر شديدين تؤثر على حركة أمعائها، وتحتاج إلى استشارة طبيب نفسى، وطبيب ثالث اشتكى من آلام فى الصدر فذهب إلى استشارة صديقه طبيب القلب، وبعد إجراء اللازم تبين أنه قلق جدًا بسبب مشروع مستشفى جديد دخله، فنصحه الطبيب باللجوء إلى طبيب نفسى. هذه القصص وغيرها تقودنا إلى التساؤل حول علاقة الحالة النفسية باضطرابات المعدة والجهاز الهضمى، وكيف تؤثر تلك الاضطرابات على الحالة المزاجية للشخص، وهو ما نحاول الإجابة عنه فى السطور التالية.




6 أعراض أبرزها الانتفاخ.. الطعام والإجهاد النفسى «مثيرات».. والنساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال



أشهر الاضطرابات الوظيفية للأمعاء هى «متلازمة الأمعاء المتهيجة»، أو ما يسمى عند العامة «القولون العصبى»، الذى تتضمن علاماته وأعراضه: التقلصات والألم البطنى والانتفاخ والغازات والإسهال أو الإمساك، أو كليهما، وهى لا تُؤدى إلى تغييرات فى أنسجة الأمعاء، أو إلى زيادة خطر إصابتك بسرطان القولون والمستقيم.
ويعانى عدد قليل من مرضى هذه المتلازمة من علامات وأعراض شديدة، لذا يمكن لبعض المصابين به السيطرة على الأعراض من خلال تدبير نظامهم الغذائى ونمط الحياة والإجهاد النفسى، فيما تعالج الأعراض الأكثر شدة عن طريق أخذ الأدوية والاستشارة الطبية. أما الحالات التى تصبح فيها مراجعة الطبيب ضرورية، فهى: إذا كُنتَ تُعانى من تغير مستمر فى عادات التبرز أو غير ذلك من علامات وأعراض المتلازمة، وتناقص الوزن، والإسهال فى الليل، ونزف الدم من المستقيم، وفقر الدم المرتبط بنقص الحديد، والتقيؤ غير المُفسَّر، وصعوبة فى البلع، وألم مستمر لا يخف بعد نفث الغازات أو بعد التبرز. والسبب الدقيق وراء الإصابة بـ«متلازمة الأمعاء المتهيجة» غير معروف، لكن من العوامل التى يبدو أن لها دورًا فى الإصابة بهذه المتلازمة ما يلى:
١- تقلصات العضلات فى الأمعاء: جدار الأمعاء مبطن بطبقات من العضلات التى تتقلص عند تحرك الطعام خلال القناة الهضمية. ويُمكن أن تُسبب التقلصات الأقوى التى تدوم لفترة أطول تَكوِّن الغازات والانتفاخ والإسهال، بجانب إبطاء مرور الطعام، وبالتالى يصبح البراز صلبًا ومتيبسًا.
٢- جهاز الأعصاب: قد تُؤدى التشوهات العصبية فى جهاز الأعصاب إلى أن تشعر بتوعك أو إزعاج أكثر من المعتاد عند توسع بطنك نتيجة الغازات أو البراز، فسوء تناسق الإشارات بين الدماغ والأمعاء، قد يؤدى إلى مبالغة جسمك فى التفاعل مع التغييرات التى عادةً ما تحدث أثناء عملية الهضم، وبالتالى تشعر بالألم وتُعانى من الإسهال أو الإمساك.
٣- التهاب الأمعاء: تكون لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من «متلازمة الأمعاء المتهيجة» زيادة فى عدد خلايا جهاز المناعة فى الأمعاء، وهو ما يرتبط بالألم والإسهال، كما أنها يُمكن أن تنشأ بعد نوبة شديدة من الإسهال نتيجة الإصابة بجرثومة أو فيروس، وقد ترتبط بفرط الجراثيم فى الأمعاء.
٤- التغييرات فى الجراثيم الموجودة فى القناة الهضمية.
ويُمكن أن تُثار أعراض «متلازمة الأمعاء المتهيجة» بالعوامل التالية:
١- الطعام: يعانى العديد من الأشخاص من أسوأ أعراض «متلازمة الأمعاء المتهيجة» عند تناول أطعمة أو أشربة مُحددة بما فيها القمح ومنتجات الألبان والفواكه الحمضية والفاصوليا والكرنب والحليب والمشروبات الغازية.
٢- الإجهاد النفسى: يُعانى أغلب المصابين بـ«متلازمة الأمعاء المتهيجة»، من أسوأ علامات وأعراض هذه المتلازمة أو كثرة تكرارها خلال فترات زيادة الإجهاد النفسى. لكن رغم أن الإجهاد النفسى قد يُفاقم الأعراض، إلا أنه لا يُسبب ظهورها.
٣- الهرمونات: تتعرض المرأة لاحتمال الإصابة بـ«متلازمة الأمعاء المتهيجة» بمعدل الضعف مقارنة بالرجل، وقد يُشير ذلك إلى الدور الذى تلعبه التغييرات الهرمونية، فتجد العديد من النساء أن العلامات والأعراض تسوء خلال أو عند اقتراب الدورة الشهرية.
فيما تزداد عوامل الخطورة واحتمالية الإصابة بهذه المتلازمة لدى كل من:
١- الشباب: تُصيب المتلازمة الأشخاص دون سن الخمسين عامًا فى أكثر الحالات.
٢- الإناث: تشيع الإصابة فى الولايات المتحدة لدى النساء، ويُعد علاج الأستروجين قبل فترة انقطاع الطمث أو بعدها من عوامل خطورة الإصابة بالمتلازمة.
٣- الشخص الذى فى تاريخ عائلته إصابة بـ«متلازمة الأمعاء المتهيجة».
٤- الشخص الذى يُعانى من أحد اضطرابات الصحة العقلية، مثل القلق والاكتئاب وغيرهما من مشاكل الصحة العقلية، وقد يكون التعرض إلى الإساءة الجنسية أو الجسدية أو العاطفية عامل خطورة للإصابة كذلك.
٥- ترتبط «متلازمة الأمعاء المتهيجة» بانخفاض مستوى جودة الحياة، واضطرابات المزاج مثل الاكتئاب والقلق.



يرتبط بالحالة النفسية بشكل وثيق.. ومضادات الاكتئاب والقلق ضمن العلاجات المحددة له



تتعدد طرق التعامل مع الإجهاد النفسى فى الوقاية من أو تخفيف أعراض «متلازمة الأمعاء المتهيجة»، لذا ينبغى أن نضع فى عين الاعتبار محاولة الآتى:
١- الاستنصاح: يُمكن أن يُساعدك إخصائى الاستشارة أو الاستنصاح فى تعلُم كيفية تعديل أو تغيير تجاوبك مع الإجهاد النفسى. وأظهرت الدراسات البحثية أنه يُمكن أن يُقلل العلاج النفسى الأعراض بشكل كبير على مدى طويل.
٢- التغذية البيولوجية الراجعة: تساعدك فى التركيز على إجراء تغييرات برفق لتخفيف الأعراض مثل إرخاء عضلات مُحددة.
٣- تمارين الاسترخاء التقدمية: تفيد هذه التمارين فى إراحة العضلات فى جسمك الواحدة تلو الأخرى. ويمكن أن تبدأ بتقليص عضلات قدميك، ثم التركيز على التخلص من كل التوتر النفسى ببطء، وتقليص وإرخاء عضلات الساقين، مع الاستمرار فى ذلك لحين إرخاء جميع العضلات فى جسمك بما فيها عضلات العينين وفروة الرأس.
٤- اليقظة الفكرية الكاملة: يُفيد هذا الأسلوب الذى يُقلل من الإجهاد النفسى فى أن تعيش فى الدقيقة، وتتخلص من المخاوف وما يدفعك للتوتر.
٥- الاضطرابات الطبية الوظيفية: على الرغم من أن «متلازمة الأمعاء المتهيجة» يمكن اعتبارها نموذجًا أصليًا بين الاضطرابات المعدية المعوية الوظيفية، إلا أن هناك مجموعة كبيرة من المتلازمات والاضطرابات الطبية فى العديد من التخصصات الفرعية الطبية تتميز أيضًا بعدم وجود مؤشرات موضوعية وتحديد ذاتى للتشخيص، من بينها: عسر الهضم، ومتلازمة ما قبل الحيض، ومتلازمة الألم المزمن، وصداع التوتر، ومتلازمة التعب المزمن، والتهاب المثانة. واستخدم عدد من إخصائيى أمراض الجهاز الهضمى منذ ١٥ عامًا، عوامل علاجية نفسية لعلاج الاضطرابات المعدية المعوية الوظيفية، ومن بينها «متلازمة الأمعاء المتهيجة».
ولاحظ كلوز ولوستمان أستاذا الطب النفسى والجهاز الهضمى فى كلية طب واشنطن، أن التعرف على فائدة العوامل المضادة للاكتئاب لاضطرابات وظيفية، وخاصة «القولون العصبى»، عجلت فى زيادة استخدام مضادات الاكتئاب فى علاج اضطرابات الجهاز الهضمى الوظيفية.
لذا، ومنذ عام ٢٠٠٧، أصبح علاج هذه الاضطرابات بمضادات الاكتئاب من قبل إخصائى أمراض المعدة والأمعاء أمرًا شائعًا جدًا، ووصل أن واحدًا من ٨ مرضى يعانون من هذه الاضطرابات يتم علاجهم بمضادات الاكتئاب. وأجرى ماريا راكيل هويرتا فرانكو، دراسة تحت عنوان «آثار الإجهاد المهنى على الجهاز الهضمى»، نشرت فى المجلة العالمية للأمراض المعوية عام ٢٠١٣، وكان الهدف من هذه الدراسة، تقديم لمحة عامة عن العلاقة بين الإجهاد المهنى والاضطرابات المعوية.
وجاء فى الدراسة أن الصحة المهنية تشمل الجوانب النفسية لتحقيق الرفاهية العقلية. ومع ذلك، فإن تعريف المخاطر الصحية للوظيفة يشمل العوامل البيولوجية والكيميائية والفيزيائية والمريحة، لكنه لا يعالج الضغوط النفسية أو غيرها من الاضطرابات العاطفية.
وتبين أنه من بين التأثيرات الفسيولوجية للإجهاد، تغيرات الجهاز الهضمى «GIT» المنتشرة بشكل كبير، وأن العلاقة بين الإجهاد المهنى وأمراض الجهاز الهضمى واضحة فى الممارسة السريرية اليومية، ومع ذلك فإن الاستراتيجية المعتادة هى مهاجمة الآثار وليس جذور المشكلة. أى أنه فى العيادات، يُعترف بالإجهاد المهنى كمصدر لمشكلات الجهاز الهضمى، لكن أصحاب العمل لا يعطونه أهمية كافية كعامل خطر، بصفة عامة، ولصحة الجهاز الهضمى، على وجه الخصوص. لذا فإن تحديد وتقييم وقياس الإجهاد والاستراتيجيات التصحيحية المرتبطة به، لا سيما فيما يتعلق بالإجهاد المهنى، مواضيع مهمة يجب معالجتها فى المستقبل القريب لإنشاء الأساس للنظر فى الإجهاد كعامل خطر مهم فى الصحة المهنية، وفق الدراسة.
الخلاصة: هناك علاقة وثيقة بين اضطرابات الجهاز الهضمى والحالة المزاجية والإجهاد البدنى والذهنى، وهناك دور للأطباء النفسيين وأدوية الاكتئاب فى تحسين الحالة.