رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللسان قلم القلب ورسول العقل



من الأقوال المأثورة عن اللسان القول العربى: «ليس من شىء أطيب من اللسان والقلب إذا طابا وليس من شىء أخبث منهما إذا خبثا». و«الكلام كالدواء إذا أقللت منه نفع وإن أكثرت منه قتل». وقول العربى «يا أيها الإنسان خذ حذرك إن فى سكوتك سلامة وفى كلامك ندامة إما لك وإما عليك».
قال الحكماء: «إياك والكلمة فإنها تظهر من عيوبك ما بطن، وتحرك من عدوك ما سكن». والنصيحة تقول: «إذا تكلمت بكلمة فاعتبرها قبل نطقها فإنك مالكها قبل خروجها من فمك، فإذا أخرجتها ملكتك حتى تصير لها أسيرًا. لقد خلق الله لك عينين وأذنين. أما اللسان فواحد فانظر بعينيك واسمع بأذنيك وفكر مرتين قبل أن تستخدم لسانك».
ومن الشعر نقرأ ونسمع:
«لسانك لا تذكر به.. فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معايبا.. فصُنْها وقل يا عينى للناس أعين».
أما ما حفظناه منذ طفولتنا فهو قول الشاعر: «ولئن ندمت عن السكوت مرة فلقد ندمت على الكلام مرارًا. فلا شىء يخترق القلوب إلا لطف العبارة وتقديم الابتسامة ولين الكلمة وسلامة القصد ونقاء القلب وغض الطرف عن الزّلات». وقيل: «الزم الصمت تكسب المحبة ويجنبك سوء المغبة، ويضِف عليك ثوب الوقار ويجنبك الاعتذار».
ومن أقوال الحكيم: «الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط. وليكن كل إنسان مسرعًا فى الاستماع، متأنيًا قبل أن يغضب، لأن غضب الإنسان ليس من رضا خالقه وأن شفتى الصديق تهديان كثيرين، أما الأغبياء فيموتون من نقص الفهم». وكلمات الحكيم نعمة. فصون اللسان عن الشر بركة وشفتا العاقل حكمة. والنصيحة العليا تقول: «كل كلمة بطالة يتكلم بها الإنسان سوف يعطى عنها حسابًا يوم الدينونة، لأن بكلامنا نتبرر وبكلامنا نُدان. فلهذا يجب ألا تخرج من أفواهنا أو أقلامنا كلمات لا تبنى، ظانين أننا أحكم الحكماء وأفهم الفهماء، ولو تأنينا لحكمنا على أنفسنا وراجعنا ما نقذف به غيرنا، ظانين أننا الفهماء والحكماء والعارفين».
وهنا أنقل بعضًا من كلمات أحد الفلاسفة الفرنسيين فى قصيدة تتحدث عما يضعه الإنسان من عيوب خلف ظهره، وعيوب الآخرين أمامه، فلا يرى طوال حياته إلا ما يظنه عيبًا فى غيره، أما عيوبه فلا يراها حتى تضخمت وكثيرون يحاولون نصحه فلا يعبأ بهم. فهو يبحث عن عيوب الآخرين بمنظار مكبر، وكل وقته فى البحث عن عيوب كل من عداه. أما العقلاء فيراجعون أنفسهم معطين حسابًا عن وكالتهم غير مشغولين بالبحث عن عيوب الآخرين، وإن لم يجدها خلقها، أو ألقى ببعض من عيوبه على الآخرين، غير مدرك أن القافلة تسير رغم صيحات فارغة تذهب وتذرى فى مهب الريح وقد عفا عليها الدهر.
والنصيحة هى ألا نضيع الوقت فى البحث عن أخطاء الآخرين والعيب فينا، فقبل أن تبحث عن قَذَى فى عين أخيك، حاول أن تخرج الخشبة من عينيك حتى تبصر جيدًا حقيقة ما ظننته قذى، فالعين الرمداء لا ترى حقيقة عين الآخر، فبإصلاح أنفسنا نكون أمثلة جيدة تستطيع فى وداعة وحكمة أن تساعد الآخرين، متذكرين دائمًا الحكمة الربانية القائلة: «فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم أيضًا بهم».
والسؤال المهم: لماذا نضيع الوقت فى البحث عن أخطاء غيرنا غير مدركين عيوبنا وهى حمل ثقيل يحمل على الظهر دون إدراك من حامله، لأنه مشغول بالبحث عن أحمال الآخرين؟. والحكمة تقول:
الصمت زين والسكوت سلامة وإذا نطقت فلا تكن مهزارا.. ما إن ندمت على سكوتى مرة ولقد ندمت على الكلام مرارا.
وقع الكلام على الفؤاد ثقيل مِنْ كلّ مَنْ منه اللسان طويل.. فكر بقولك لا تكن متعجلًا إن الحماقة ثوبها التعجيل.
ولربما صار اللسان كخنجر قد سلّ من غمد وصار يجول.. يدمى القلوب بقوله وبفعله يعمى العيون وقصده التكحيل.
والخلاصة أن اللسان قلم القلب ورسول العقل، فلا ينبغى أن ينسى الكاتب نفسه، فالقلم أقوى من السيف، والكلمة المنطوقة أقوى من كليهما، فليراجع الكاتب نفسه مُقَدِّرًا مكانة القارئ، محترمًا عقول غيره.. وللحديث بقية.