رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جحيم الإخوان.. حكايات عناصر «الإرهابية» فى سجون تركيا

عبدالرحمن عز
عبدالرحمن عز

جدل كبير شهدته أوساط جماعة الإخوان الإرهابية عقب قرار السلطات التركية، فى يناير الماضى، ترحيل الشاب الإخوانى محمد عبدالحفيظ «٢٩ عامًا» إلى مصر، بعد هبوطه فى مطار أتاتورك، قادمًا من مطار مقديشو بالصومال.
ونشأ الجدل بسبب عدم تحرك الجماعة لإنقاذ هذا الشاب، رغم كونه أحد أبنائها، وازداد بعد قيام أحد قادة «الإخوان»، وهو صابر أبوالفتوح، بإبلاغ الأمن التركى بأن «عبدالحفيظ» ينتمى لحركة «حسم»، وأنه يواجه حكمًا بالإعدام، بعد مشاركته فى اغتيال النائب العام المصرى الشهيد هشام بركات.
المفاجأة التى لم يتخيلها أعضاء الجماعة، وتكشف عنها «الدستور» فى السطور التالية، أن حالة محمد عبدالحفيظ ليست فريدة من نوعها، بل سبق للجماعة الإرهابية أن تخلت عن كثير من أبنائها الذين فقدوا أهميتهم لديها، وفقًا للمبدأ الشهير لمؤسسها حسن البنا بأن هؤلاء «ليسوا إخوانًا.. وليسوا مسلمين».

أحد الشباب: حبسونى لأنى ماليش ضهر.. ولما اشتكيت على «الواتس» عملوا لى «بلوك»
البداية مع السجون التركية التى تشهد على تخلى الجماعة عن عناصرها تباعًا، حتى إن بعضهم يواجه عقوبة السجن، نظرًا لكونه دخل إلى تركيا دون «فيزا»، كما أن بعضهم الآخر، مثل محمد عبدالحفيظ، يواجه الترحيل دون السماح بتسرب الأمر إلى وسائل الإعلام.
أول هؤلاء كان «عبدالله إبراهيم أبوالنجا»، وهو أحد أبناء محافظة بورسعيد، وسبق له أن وصل إلى مطار أتاتورك بإسطنبول منذ عامين تقريبًا، إلا أنه فشل فى دخول تركيا، واحتجزته قوات أمن المطار، ثم أودعته السجن الذى لا يزال قابعًا به حتى الآن، لكونه لا يحمل «فيزا» دخول.
ورغم علمهم بانتمائه للجماعة، رفض قادة «الإخوان» فى تركيا مساعدة هذا الشاب، بل نفوا عضويته فى الجماعة بشكل رسمى، رغم ما عُرف عنه من تأييده لرئيسهم المعزول محمد مرسى، ومشاركته فى الفعاليات الداعمة له قبل الفرار إلى تركيا.
ومع تسرب الأنباء عن حالته، عمل البعض من شباب الجماعة على الإفراج عنه، واستخدموا وسيلتهم المفضلة فى استخراج تقارير معينة من بعض المنظمات الحقوقية المعروفة بتأييدها لـ«الإخوان»، لإجبار النظام التركى على الإفراج عنه، وهو ما لم ينجح على أية حال.
الأمر نفسه، تكرر مع المدعو «نبيل سعد»، الذى وصل إلى تركيا منذ عام تقريبًا، وهو من مواليد الإسكندرية، وخرج من مصر عقب ثورة ٣٠ يونيو، هروبًا مع بعض عناصر الجماعة الآخرين إلى دولة السودان، مع زوجته وأبنائه الخمسة.
وهناك واجه رفضًا من عناصر الجماعة الإرهابية، الذين اعتبروه من غير المنتمين تنظيميًا، خاصة أنه كان أحد الناشطين فى صفوف «الجماعة الإسلامية»، متجاهلين بذلك قضاءه عقوبة السجن فى عهد الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك بتهمة الانتماء لـ«الإخوان».
وفى ظل الأوضاع الصعبة التى واجهها فى السودان، قرر الرحيل مرة أخرى إلى «جنة الإسلاميين» فى تركيا، التى فوجئ فيها بنفس الفتور من قادة الجماعة، حتى إنه تعرض للخداع منهم بحجة وجود خطأ فى إجراءات دخوله البلاد، وقام أعضاء التنظيم بتسليمه إلى الأمن التركى الذى أودعه السجن.
ورغم أن «سعد» يمكنه أن يحصل على الإفراج بسهولة حال دفع غرامة تقدر بنحو ٢٥٠٠ دولار فقط، إلا أنه فشل طيلة العام الماضى فى توكيل محامٍ للترافع عنه، فيما رفض قادة الجماعة فى تركيا تقديم أى مساعدة له.
وطيلة الأشهر الماضية، لا تزال جهود بعض شباب الجماعة مستمرة، بالتعاون مع صحفى تركى تابع لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، من أجل التوسط لـ«نبيل سعد» لدى النظام التركى، حتى يسمح بالإفراج المشروط عنه ومنحه حق اللجوء السياسى.
الحالة نفسها لا تختلف كثيرًا عند الشاب الإخوانى «عبدالرحمن أبوالعلا» الذى احتجز فى السجون التركية منذ سبتمبر الماضى، إثر رفض عناصر الجماعة التعاون معه، نظرًا لكونه محسوبًا على الجهات المعارضة للقيادى الإخوانى محمود عزت، مرشد الجماعة المؤقت.
وفور وصوله إلى تركيا أصدر الشاب الإخوانى بيانًا صحفيًا فضح فيه تعامل جماعته معه، وقال: «أنا عبدالرحمن أبوالعلا، ومحتجز فى مطار أتاتورك بإسطنبول، من يوم ٢٨٩٢٠١٨، ومهدد بالترحيل فى أى لحظة، وتواصلت مع المسئولين فى تركيا من الجانبين المكتب العام والمكتب الرئيسى، وقالوا إنهم مهتمون بالموضوع، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فلا يوجد أى اهتمام من أحد».
وأضاف: «أكثر من شخص وصل المطار واحتجزوه، والمسئولون الأفاضل من الجانبين توسطوا ودخلوهم، أو سفروهم مكان تانى، وأنا موجود وشايف وسامع قدام عينى، من اللى بيخش معايا الحجز من المصريين، وحاولت أتصل بأكثر من مسئول، وكان الرد المحترم الرائع من تركيا: (أنت مش جاى عامل حسابك على كده؟)، بلا مبالاة».
هذه الشهادة على طبيعة معاملة قيادات الجماعة لأبنائها، طالت أيضًا باقى القيادات فى الدول الأخرى، إذ تابع «أبوالعلا» بقوله: «اتصلت بالأخ المسئول فى ماليزيا، اللى عايش دور الملاك المصلح، إلا أنه عملى (بلوك) على (الواتس)، ويعمل (بلوك) على (التليجرام)، وأنا مهدد بالترحيل طبعًا». وواصل: «هل ما يسمى بالمكتب العام شايفين إنى نكرة، وإنى مش تبعهم وتبع ما يسمى بالمكتب القديم فمنفضين؟، ولا المكتب القديم شايف إنى ماسواش وماليش ضهر؟، ولا أنا مجرم اتحبست انفرادى فى السودان بسببهم ٨ شهور وطلعونى فى الآخر سورى مش مصرى؟». وأكمل: «كان الناس بتسأل عليا فى السودان يطمنوهم إنى مرتاح ومش محتاج حاجة، وباكل أحسن أكل، فى وقت كنت فيه محبوس ٨ شهور انفرادى بطقم واحد وباكل الزبالة، نفس الكلام دلوقتى بيتقال عليا، وفى الآخر حسبى الله ونعم الوكيل فى الشخص اللى جابنى وقال لى: هادخلك تركيا، ولما معرفش شاع فى الناس إنى مدفعتش الفلوس، والكلمة بقت لبانة على لسان الكل، وكل واحد يكلمنى يقولى: مدفعتش الفلوس ليه؟، وطبعًا ده محصلش».

عناصر الصف الثانى تواجه السجن فور الوصول إلى مطارات أنقرة.. والقيادات ترفع شعار «الغدر أولًا»
فى ديسمبر ٢٠١٦، شهدت صفوف الإخوان أزمة كبرى، بسبب الشاب «عبدالله الحايس» الذى رفضت قيادات الجماعة فى تركيا استقباله، بل حاول إعلام التنظيم طمس قصته تمامًا، إلا أنها تسربت على لسان بعض الشباب الناقمين داخل الجماعة.
وبدأت القصة إثر نشاط الشاب، الذى قاد وشارك فى تنظيم العديد من تظاهرات جماعة الإخوان الدورية، التى تلت عزل رئيسهم محمد مرسى، كما تزعم الهجوم على الدولة المصرية، ما جعله أحد المطلوبين أمنيًا.
وقبل إلقاء القبض عليه، نجح العنصر الإخوانى بمساعدة آخرين فى الهروب إلى السودان، ومنها إلى تركيا، التى فشل فيها فى الحصول على أى دعم من قيادات الجماعة، رغم مناشداته المستمرة ضرورة توفير منزل وفرصة عمل ليكمل حياته، وينفق على أسرته التى تركها فى مصر.
ومع تجاهل التنظيم طلباته، نظرًا لكونه أحد معارضى المرشد المؤقت محمود عزت، وانتمائه إلى ما يعرف بـ«جبهة محمد كمال»، ازدادت معاناة الشاب الإخوانى فى تركيا، ثم انقطعت الأنباء عنه تمامًا، وسط تأكيدات مقربين منه أنه يقبع حاليًا رهن الاعتقال فى أحد السجون التركية.
ومن بين المشاهير من أبناء الجماعة الذى تعرضوا للتجاهل، يأتى اسم الناشط الإخوانى «عبدالرحمن عز»، الذى وصل إلى تركيا عام ٢٠١٦ قادمًا من محطة إيوائه الأولى فى قطر، التى اضطرت لترحيله إثر المقاطعة العربية. ورغم نجاح «عز» فى دخول تركيا، إلا أن فشله فى إيجاد وظيفة فى بعض القنوات الإخوانية، دفعه للهجوم على قادة الجماعة، على موقع «فيسبوك»، ما اضطره للانطلاق نحو مأوى الإخوان الثالث فى دولة ماليزيا، التى عاش بها فترة من الوقت قبل أن يتوجه مع أسرته إلى ألمانيا، فى طريقه للوصول إلى مركز الإخوان الأوروبى فى بريطانيا.
وفور وصوله إلى ألمانيا، واجه العنصر الإخوانى الاحتجاز فى المطار، فى ١٥ أغسطس ٢٠١٧، نظرًا لإدراج اسمه على قوائم «الإنتربول الدولى»، ومع تزايد احتمالية ترحيله إلى مصر، نجح «عز» فى التواصل مع المنظمات الحقوقية الداعمة للجماعة، ما تسبب فى الإفراج عنه، ليصل إلى بريطانيا التى منحته حق اللجوء السياسى فور وصوله.
قصة «عز» تكررت بشكل أو آخر مع «أحمد المغير» المعروف بالفتى المدلل لـ«خيرت الشاطر» نائب المرشد العام للجماعة، حتى إنها بدأت قبل هروبه من مصر.
فأثناء رحلة هروبه، أبلغه الإخوان بأنه سيواجه الاحتجاز فى المطارات التركية والقطرية فور وصوله، نظرًا لنشاطه المعروف فى التحريض على العنف والعمليات الإرهابية بشكل علنى، ما جعله يغير وجهته، ويقتنع بالإقامة فى إحدى الدول الفقيرة مثل الصومال.
ولا تزال مجموعة أخرى من شباب الجماعة، تواجه عقوبات السجن فور الوصول إلى مطارات تركيا دون الإعلان عن ذلك، ومعظمهم من شباب الصف الثانى بالجماعة أو من غير المعروفين داخل التنظيم، وعلى رأسهم عناصر مثل نورالدين السيد، وعبدالرحمن مدحت، وأحمد عبدالفتاح.