رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمين الفتوى: الإلحاد مرض.. والإعلام سبب.. ونحن لسنا أوصياء على عقائد الناس

خالد عمران، أمين
خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء

- الإلحاد حالة من الشك تصل إلى المرض أحيانا
- فوضى الفتاوى عبر الإعلام من أسباب الإلحاد
- مصر يوجد بها أقل نسبة إلحاد طبقًا للإحصائيات
- ليس لنا أن نتدخل للتحكم في عقائد الناس أو الحكم على ما بينهم وبين الله

الشيخ خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء، كشف أن الإلحاد في ذاته اعتقاد أوحالة أوموجات يمر بها إنسان وتقترن بعدة أمور نفسية واجتماعية، الإلحاد حالة من الشك تصل إلى المرض أحيانا.

وأضاف خلال حواره لـ" الدستور" أن مصر يوجد بها أقل نسبة إلحاد طبقًا للإحصائيات، موضحًا أن هناك آلية للرد علي هؤلاء الشباب لأن لديهم سؤالًا أو قضية تؤرقه، وليس كمن يسأل في أي قضية أخري، لذلك المعاملة معه يجب أن تكون واعية.

وأكد أن فوضى الفتاوى لها دور في الإلحاد، فجزء من الفتوى يتعلق بالعلم الشرعي والتأصيل، والجهل بذلك يفتح الباب أمام التطرف، والفتوى من غير استكمال العلوم الشرعية بأصولها المعتبرة سبب للتطرف والإلحاد.

في الآونه الأخيرة..تزايدتْ مؤخرًا موجات الإلحاد في وطننا العربي.. إذا أردنا أن نعطي معنى أو مفهومًا للإلحاد فماذا تقول؟

في الحقيقة هذا سؤال محوري فنحن في حين نرى أن اتجاها يتعاون في مقولات تمس الدين وتصل أحيانا إلى التعرض للأنبياء عليهم أو للذات الإلهية فعلى الجانب الآخر نرى من يتوسع في اتهام اتهام الناس بالكفر والإلحاد لمجرد أنهم تبنوا رأيا أو مذهبا مخالقا لمذهبه أومقولاته، وهنا يملي علينا المنهج العلمي أن نضبط ألفاظنا ومفاهيمنا أولا ثم ننطلق من أرضية ثابته ونحدد إلى نحن نتكلم عن أي مجال من المجالات.

المنهج الذي تعلمناه يفرق بين الاجتهاد العلمي صوابا كان أو خطأ وهذا له أصوله وآلياته وبين الإفتراء والمضي نحوا لفوضى وبالتالي تأييد الخرافات، ويفرق أيضا بين القطعيات والظنيات والقطعي لا يقبل الاختلاف وإن كانت مساحته قليلة والظني قابل للاختلاف الذي يؤدي للتنوع والتكامل وهكذا، نفرق أيضا بين مستويات الخطاب فلا شك أن الخطاب الذي يطرح داخل الأكاديميات يختلف في أسلوبه عن الخطاب العام.

المقصود أننا ونحن نتحدث عن الإلحاد، نتحدث عن الشك أو التشكيك في القطعيات الدينية التي أسست أركانا من الهوية المشتركة بين الأديان جميعها.

وهل الإلحاد في حد ذاته ظاهرة مستقلة أم نتيجة لظواهر مجتمعية أخرى؟

الإلحاد في ذاته اعتقاد أوحالة أوموجات يمر بها إنسان وتقترن بعدة أمور نفسية واجتماعية، حالة من الشك تصل إلى المرض أحيانا، وأؤكد على أن هناك شكا مرضيا يخرج الإنسان عن كونه باحثا عن الحقيقة، والبحث عن الحقيقة يستدعي من الإنسان الناضج أن يتعمق علميا ويتضلع من المعارف المختلفة ويتدرج حسب متطلبات المنهج العلمي. وقد كان في تجربة الإمام الغزالي التي حكاها في كتابه «المنقذ من الضلال» مثال حي لهذا النوع من البحث عن الحقيقة، لكن غالب من يدعي الإلحاد لا يفعل ذلك، لأن عنده مجموعة من التساؤلات "الشبهات" مقترنة بحالة نفسية، قد تكون سبقتها تجربة نفسية قاسية مثل إهانة وجهها له متدين أو موت أحد الأحباء، وافق ذلمك ما يمر به في العالم الآن من طغيان للمادية وسيولة افكرية خصوصا في عصر التواصل الاجتماعي، فما نراه الآن حيال الإلحاد الذي لا أحب أن أصفه بالظاهرة أمر مركب.

وبخصوصنا؛ فنحن أمام عدة عوامل، منها الصدمة التي واجهها بعض المنتسبين إلى تيار الإسلام السياسي في الآونة الأخيرة وسقوط قياداتهم وأفكارهم، مما أدى في النهاية إلى إلحاد بعض شباب هذا التيار، وهناك كثيرون يتعرضون للإلحاد بسبب الأمية الدينية وهؤلاء غالبًا حينما نقنعهم بالابتعاد عن الإلحاد ونتواصل معهم تذوب هذه الحالة.

هل للفتوى عبر وسائل الإعلام دور في الإلحاد؟

- جزء من الفتوى يتعلق بالعلم الشرعي والتأصيل، والجهل بذلك يفتح الباب أمام التطرف، والفتوى من غير استكمال العلوم الشرعية بأصولها المعتبرة، سبب للتطرف والإلحاد.

بعض ممن يصدرون الفتوى في وقتنا الحالي لا يدركون أن هناك واقعا مختلفا وأن الزمان الذي نعيش فيه ليس هو الزمان الذي كان يعيش فيه من سبقنا، فهناك من درس التراث، لكن يحب أن يعيش في زمان آخر غير الزمان الذي كتب فيه التراث، ولذلك عندما يتحدث شخص بنفس ما كان يتحدث فيه عالم كبير كان في القرن الثالث أو الرابع قد يكون ذلك سببًا في نفور الناس من الدين ذاته، فمن يتحدث بلسان عصر غير العصر الذي يعيش فيه يكون سبب قطعًا في التطرف والإلحاد.

وبرأيك ما السمات التي يجب توافرها فيمن يتصدى للحوار مع الملحدين؟ وكيف يؤهل نفسه علميًا وروحيًا؟

جزء كبير من تكوين هؤلاء لا بد أن يكون بالتلقي الصحيح للعلوم الشرعية والمعارف الدينية عبر المؤسسات العلمية المعتمدة، واستيعاب تجربة علماء المسلمين في دراسة علم الكلام والعلوم العقلية والمنهجية مع غيرها من منظومة العلوم الإسلامية شيىء ضروري في هذا السياق، والجهل بذلك يفتح الباب أمام التطرف، والتطرف هو الباب الرئيس للصورة السيئة التى تضل للناس عن الدين، وأيضا من المهم جدا أن يكون الذي يجيب على الأسئلة التي من هذا النوع على دراية بما وصلت إليه الفلسفة المعاصرة من قناعات ومواقف وما وصل إليه الواقع بعوالمه المختلفة الأشخاص والأشياء والأحداث والنظم من تغيرات، فكثير هم من يستسهلون التصدي للإجابة عن أسئلة الناس من غير دراية بالكامن وراء الأسئلة من خلفيات اجتماعية ونفسية وفلسفية فيفسسدون أكثر ما يصلحون.

وهناك مجموعة مما يسمى بالمهارات مثل الاستماع الجيد والتواصل الجيد وإدارة الذات..إلخ لا يسع المتعامل مع هذه الأسئلة أن يفوت التدرب الجيد عليها.

وهل لطريقة التعامل مع الأسئلة المتعلقة بالإلحاد خصوصية مختلفة في التناول؟

بالطبع هناك آلية للرد علي هؤلاء الشباب لأن لديهم سؤالًا أو قضية تؤرقه، وليس كمن يسأل في أي قضية أخري، لذلك المعاملة معه يجب أن تكون واعية، والسائلون هنا درجات، فمنهم من هو بحق راغب في المعرفة، ومنهم من هو متشكك بشكل مرضي، ومنهم من وصل لدرجة الإنكار، هناك إحصاء علمي قامت به بعض المؤسسات البحثية لرصد عدد الملحدين علي مستوي الوطن العربي، فوجدوا أن أقل نسب الإلحاد موجودة في مصر، وأكثر الأسئلة في هذا الملف عن التعامل مع المرأة وقضية العنف في الإسلام، والمفاجأة، أن أشد الملحدين عداء للإسلام هو من جاء من خلفية دينية متشددة، وقد نجحنا في إقناع عدد من الحالات التي تأتي للسؤال عن الإلحاد.

وهل هناك علامات معينة نعرف من خلالها الملحد؟

لا أحبذ أن ننشغل بتمييز الملحد عن غيره فليس موكل لنا أن نحكم على الناس ولا على عقائدهم، لا بد أن نحدد دورنا ونتعامل مع هذا الأمر بأننا ناصحون، نبين ما نراه حقا في مصلحة الدين والمجتمع والوطن، فليس لنا أن نتدخل للتحكم في عقائد الناس أو الحكم على ما بينهم وبين الله، هذ أمر ربهم أعلم به.

وإن كان هناك عدة أمور نحب أن نشير إليها، منها أن هناك أسئلة وفتاوى تحتاج إلى الإجابة عنها وإلا مثلت مشكلة فكرية ونفسية لمن يتعرض لها، ولما أن السؤال عندما يكون في سبيل البحث والتعلم يجب لن يجاب عنه وخصوصا أسئلة العصر، وهذا أمانة في أعناقنا.

لقد أعلن فضيلة المفتي الدكتور شوقي علام، حفظه الله في أحد مؤتمرات الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: "التجديد في الفتوى بينَ النظريةِ والتطبيقِ" أنَّ الإجابةَ عَنْ أسئلةِ الْعَصْرِ المتجدِّدَةِ وقضاياه الجديدةِ جُزْءٌ لا يَتجزَّأُ مِنْ عمليةِ التَّجْدِيدِ لا يجوزُ التَّوَانِي فِيهِ، وَإِلَّا كانَ تأخيرًا للبيانِ عَنْ وقتِ الحاجةِ.
وأمر آخر هو أن حرية الاعتقاد مكفولة وحق السؤال محفوظ للجميع والبحث جزء من عملية المعرفة وكل هذا صحيح في إطار الحفاظ على السلم الاجتماعي والأمن القومي والعرف العام.

وما أهم الأسئلة التي يطرحها الملحدون؟

الأسئلة التي تشغل الملحدين كثيرة، منها قضايا فكرية أكاديمية مثل سؤالهم عن حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى، علاوة على ما دليل صحة القرآن الكريم، وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما حدث في حياته، وهناك الملفات الأشد في أسئلتهم، الذي يكمن في ملف العنف وما يدخل في طياته الأسئلة عن الجهاد واستخدام العنف في الدين، حيث رصد كثير منهم للعنف وبعد ذلك إلصاقهم إياه بالدين، مما تسبب في إلحاد كثير من الناس، وملف حقوق الإنسان، وما يتعلق بحقوق المرأة ووضعها في الشريعة الإسلامية، والتعامل معها وهل يمكن ضرب الزوجة، ومتى يكون الوقت الأنسب لزواج البنت، والتعامل مع الأطفال والخدم، وذلك خصوصًا أن ثقافة حقوق الإنسان أصبحت منتشرة في العالم وأصبح محط الاهتمام وكثير من أسئلة الشباب تمس ذلك الملف خصوصًا.

ومن وجهة نظرك.. ما مبررات الملحدين؟

لكل إنسان الحق أن يتخذ ما يبرر قناعاته كما يشاء، لكن التبرير وحده ومحاولات تحدي الإنسانية بشيء مثل الإلحاد شيء غير مقبول، لأن التدين جزء رئيسي من ثقافة الإنسان.

هل ترى أن الظروف الاقتصادية والبطالة، تمثل دافعا لدى البعض للتمرد على واقعهم برفض الثوابت الدينية وتؤدي بهم إلى الإلحاد؟

لا الفقر ولا البطالة يبرران الوقوع في براثن التمرد على الله أو المسلمات، إننا في اختبار متواصل يجب أن يقف الفرد والمجتمع موقف من يسعى جاهدا للنجاح فيه، والسعي المسبوق بالوعي متعة حقيقية، والتدين الرشيد يساعد على الخروج الأمن من هذه المحن، عن طريق اسثمار ثلاثية المقاصد الكبرى للأديان التي يكمل بعضها بعضا وهي عبادة الله مع تزكية النفس مع عمارة الأرض، وخماسية المقاصد التي لا تصلح البشرية بالتخلي عن بعض مفرداتها وهي: الحفاظ على الأديان والعقول والأموال والأعراض والأنساب، اسمحي لي الامتحانات والاختبارات تجتاز بالعمل والمثابرة لا بالتمرد.

هل يوجد ملاحدة من الأديان الأخرى غير الإسلام ؟

للأسف الإلحاد لا يميز بين الأديان وقد تنامت موجة الإلحاد الأسود في أوربا وانشرت في العالم منذ أمد، والعالم الإسلامي هو الأقل في انتشار الإلحاد على كل حال.

وما الدور الواجب علي المؤسسات الدينية في تحصين المسلمين من موجات الإلحاد وفي للتصدي للملحدين؟

المؤسسة الدينة في مصر مثلا الإسلامية والمسيحية على السواء بذلت جهودا كبيرة منذ أمد للرد مواجات الإلحاد، لم يكن أولها مثلا محاورات الأستاذ الإمام المفتي الأسبق محمد عبده رحمه الله للرد على الالحاد المعاصر ولن يكون آخرها إن شاء الله الجهد الذي يبذله صاحب الفضيلة أ.د شوقي علام للتعامل مع الموجة الإلحادية الخالية عبر مستويات متعددة خصوصا في مجال الإفتاء.

وخلاصة الواجب الملقى على عاتق المؤسسات المختلفة، هو استمرار عملية تجديد الخطاب، والاستماع الجيد لأسئلة العصر، والتروي في الرد، وتضافر الجهود على كل المستويات، والتعاون لنكون جميعا دائما جزءا من حلول المشكلات وليس جزءا من المشكلات.