رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعهد العلمى القبطى الذى فقدناه


فى عام ١٩٥٤ قام د. عزيز سوريال عطية- أستاذ العصور الوسطى بكلية الآداب جامعة الإسكندرية- ومعه د. سامى جبرة، عميد كلية الآثار، والدكتور مراد كامل، أستاذ اللغات السامية، والأستاذ راغب مفتاح، المتخصص فى الموسيقى القبطية، ولفيف من أساتذة الجامعات المتخصصين فى الدراسات القبطية بافتتاح معهد الدراسات القبطية بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية.
معهد الدراسات القبطية- كما ورد فى القانون النظامى واللائحة الداخلية وقد تسلمت هذه المذكرة من الأستاذ فريد بك الفرعونى (١٩٠٥- ١٩٩٨)- أحد المستشارين الذين شاركوا فى وضع اللائحة، يستهدف مواصلة الكشف عن التراث القبطى من لغة وأدب وفن وعمارة وموسيقى ولاهوت وتاريخ، ودراسته بالوسائل العلمية النظرية والعملية. يدخل فى أغراض المعهد: أعمال الكشف فى المناطق الأثرية القبطية ودراستها، تسجيل الألحان القبطية بأصلها والبلوغ بها إلى مستواها الروحى والفنى ونشرها، دراسة الفن القبطى بفروعه والعمل على تطبيقه، تسجيل ودراسة محتويات الأديرة والكنائس من آثار ومخطوطات، دراسة تاريخ الكنيسة القبطية.
هذا هو النموذج الراقى الذى كان عليه معهد الدراسات القبطية فى زمن العظماء، وكان مصدر غنى فكرى وثقافى وأكاديمى للكنيسة القبطية قولًا وفعلًا. ماذا حدث الآن؟
«١» لا يوجد متخصصون يقومون بالتدريس، بل تحولت قاعات المحاضرات إلى ما يُشبه فصول مدارس الأحد!!. «٢» الفن القبطى فى الكنيسة مُنهار تمامًا، وذكر لى أحد المتخصصين فى الفن القبطى أنه عبّر لأحد المسئولين عن الكارثة التى تحدث فى أيقونات الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، تلك التى تعب فى تشييدها رجال عظماء من بطاركة ومتخصصين!! وأيضًا الكارثة الأخرى فى أيقونات الكنيسة الأثرية للأنبا رويس التى تقع بجوار الكاتدرائية. «٣» قسم الموسيقى والألحان بعد أن كان شعلة نشاط فى عهد د. راغب مفتاح- مؤسس القسم- وما بعده، أصبح الآن فى خبر كان، وتم إسناد رئاسة القسم لأحد الأساقفة الأتقياء، الذى شهد عن نفسه بقوله: «أنا مهندس وليس لى فى الموسيقى والألحان القبطية»، بالإضافة إلى أن هناك تلاعبًا فى الألحان والموسيقى القبطية!!.
«٤» تدخل رجال الدين فى جميع تخصصات المعهد مما جعل المعهد تحت سيطرة الكنيسة وتحول المعهد إلى قاعات وعظ. «٥» تم إلغاء تدريس مادة القوانين الكنسية حتى يمكن تطبيق قوانين طبقًا للأهواء الشخصية وليس طبقًا لتعليم آباء الكنيسة على مر العصور. فالقوانين تمنع أن يُقم أى أسقف أسقفًا على إيبارشية الإسكندرية «الذى يحمل بعد ذلك لقب بابا وبطريرك»، ومن هنا نشأ جيل جديد فى غيبوبة تامة عن القوانين الحقيقية للكنيسة، وقوانين إقامة الأساقفة. «٦» لم يعد يصدر عن المعهد أى دوريات علمية بها بحوث أكاديمية. «٧» وعندما عبر البعض عن استيائهم الشديد للتدهور الذى حدث بالمعهد تم استبعادهم من المعهد.
«٨» منذ عام ٢٠١١ أنتهت دورة المجلس الملى العام والمجالس الملية الفرعية، ومن مهام المجلس الملى العام الاهتمام بأمر معهد الدراسات القبطية. أين هم أعضاء المجلس الملى العام بداخل مجلس إدارة المعهد؟، وكيف تسير الكنيسة لفترة ثمانى سنوات دون مجلس ملى عام؟ كلها أسماء حبرًا على ورق ولا يوجد مجلس ملى حقيقى!! إن لم يكن هناك فصل تام بين العمل الرعوى والعمل الأكاديمى- بداخل الكنيسة القبطية- سيتدهور الحال كما هو الحادث حاليًا- مثلًا- فى الحوارات بين الكنائس المختلفة التى تتم دون أى دراسات لاهوتية حقيقية. فهناك فرق كبير بين نشر المحبة مع جميع الكنائس والالتزام بالفكر العقيدى للكنيسة القبطية الذى استقر فى وجدانها عشرين قرنًا!! الكنيسة القبطية- للذين لا يعرفون- كانت قائدة لكنائس العالم فى قانون الإيمان المسيحى وفى تحديد أوقات الاحتفال بالأعياد. ماذا حدث الآن؟
تأسس المعهد فى عهد البابا يوساب البطريرك ١١٥ واستمر فى حبرية البابا كيرلس السادس، لم يتولَ أى منهم منصب الرئيس الأعلى للمعهد والذى استُحدث فى سبعينيات القرن العشرين!! إذ كانا جهتين منفصلتين ما بين العمل الرعوى والعمل الأكاديمى!! وحديثًا تم إلغاء قسم الدراسات اللاهوتية!! بالإضافة إلى استحداث ألقاب جديدة مثل الرئيس الأعلى للرهبنة «مع أن لابس الإسكيم عليه قوانين رهبانية شديدة ينبغى أن يلتزم بها يوميًا فالموضوع ليس لقبًا ولكنه حياة جادة». ماذا تبقى لنا إذن؟