رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالوهاب داود يكتب: هنا معرض الكتاب.. فاحتفلوا أو اصمتوا


لا أظن أن أحدًا ينكر أن ما وصلت إليه حال المعرض خلال السنوات الأخيرة لا يسر عدوًا ولا حبيبًا بما يؤكد الحاجة إلى إجراء جديد يعيد للعيد السنوى رونقه 
لسنوات طويلة، كنت أقضى يومى كاملًا بين قاعات معرض القاهرة الدولى للكتاب، من خيمة إلى أخرى، ومن جناحٍ إلى جناح، ومن ندوةٍ إلى استراحةٍ بالمقهى، أو على الرصيف، كوب شاى من هنا، على لقمة من هنا، لا يُهم سوء طبق الكشرى «البايت» أبو ٢٠ و٢٥ جنيه بالمقهى الثقافى، لا طعم ولا لون ولا رائحة، بينما كان أجعص طبق عند «أبوطارق» لا يزيد على عشرة جنيهات، مع فارق الجودة طبعًا، وقتها لم أكن أغادر أرض المعارض طوال ساعات اليوم، تبدأ جولتى به من التاسعة صباحًا، وتمتد حتى ما بعد إغلاق أبواب الدخول، وانتهاء الأمسية الشعرية الرئيسية.

على مدار سنوات طويلة، رأيت كيف تحولت أرض المعارض إلى مساحة غير لائقة بأهم حدث ثقافى فى المنطقة العربية كلها، بلا حمامات آدمية، أو حتى مكان للجلوس، أسوار متهدمة، طرق متكسرة، مليئة بالحفر والمطبات، فكان أن تحول وجودى بالمعرض إلى أضيق الحدود، وعند الضرورة القصوى، أو للحاجة الملحة فقط.
والمؤكد أننى لست الوحيد الذى لاحظ، وشاهد بعينيه تدهور حالة أرض المعارض، ولا أظن أن أحدًا ينكر أن ما وصلت إليه حال المعرض خلال السنوات الأخيرة لا يسر عدوًا ولا حبيبًا، بما يؤكد الحاجة إلى إجراء جديد يعيد للعيد السنوى رونقه، وبهجته، التى لا تشمل المثقفين ومحبى الكتاب المصريين فقط، بل يمتد إلى كل قراء العربية حول العالم.
ربما استقبلت قرار النقل إلى التجمع ببعض التحفظ لبعد المسافة، وعدم المعرفة بطبيعة المكان الجديد، لكن ما شاهدته بعينىّ خلال الأيام الماضية، والسابقة على بدء فعاليات عيد الكتاب السنوى الكبير، يؤكد حقيقة أن لدينا مرحلة جديدة فى عمر المعرض، من حيث ترتيب القاعات، ونظافتها، وسهولة التنقل بين الأجنحة، بل وحتى الوصول إليه، بعد الإعلان عن توفير وسائل المواصلات الرخيصة، والضرورية لسكان القاهرة الكبرى، والتى تصل إلى أبعد نقطة فيها، من حيث الراحة، ووسائل الترفيه، وأماكن الأطفال، وقاعات الطعام، والخدمات كافة.
كل هذا يجعلنى أعيد التفكير فى زيارة المعرض، والحرص على متابعته، وتجاهل المعترضين على نقله، وكل ما يسوقونه من أسباب، وحجج، أو مبررات لا أصل لها، خصوصًا قصة إقامة «معرض موازى» بسور الأزبكية، وهى الحركة التى كشف الواقع أنها مجرد «فنكوش» كبير، ولا تزيد على حركة دعائية، شارك فيها بعض الكتاب والإعلاميين المشكوك فى توجهاتهم، وميولهم، ولم يكن لها ترجمة على أرض الواقع، اللهم إلا اختفاء أباطرة ضرب الكتب لبعض ساعات اليوم، المتوقع مرور موظفى الرقابة خلالها، ثم يعاودون الظهور مرة أخرى بعد السابعة مساء.
لا تزيد على حركة غوغائية كان الهدف منها التشويش على العرس الثقافى الذى ننتظره جميعًا، ونحتفل به فى يناير من كل عام.
ربما لم تتوفر المساحة الكافية لإقامة جناح خاص بسور الأزبكية فى «معرض التجمع» هذا العام، يضم جميع العاملين فى هذا القطاع المهم، لكن من قال إنها لن تتوفر مطلقًا، أو يصعب تجهيزها؟! من قال إن معرض الكتاب من الممكن أن يتأثر بغياب هذه الشريحة، مهما كانت أهميتها؟
الواقع يؤكد أن جمهور الكتاب الجديد لن يتأثر لا بالنقل، ولا بغياب باعة الرصيف، والكتب القديمة، فهذه موجودة طوال العام، وفى نفس مكانها، ومن يريد زيارتها يعرف طريقه إليها، ولا ينتظر معرض الكتاب من أجلها.
سوف نحتفل بمعرضنا، وسنشارك فى ندواته، ونتجول بين قاعاته، وصالات عرضه، نلتقى بأصدقائنا من الكتاب والناشرين القادمين إلى مصر من أنحاء العالم كافة، نتجول معهم بين مقاهى وبارات القاهرة الكبرى، نحتفل بلياليها، ونهاراتها، سنقضى أيام المعرض كاملة فى المناقشات، والحكايات، وتداول القصص والأسرار، وشراء الكتب، وتبادل الإهداءات. أما «دعاة المقاطعة، والمكتئبين، المشوشين، الزياطين، المشمئنطين»، فلا حاجة لنا بهم، ولا آذان، بل لا مكان لهم أصلًا بيننا.
أيها الأصدقاء..
لنا معرضنا، عيدنا السنوى، نحتفل ونفرح به، ولنا كتبنا نشتريها، ونتبادلها بمحبة وفرح.. ولهم لا شىء مطلقًا.