رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية


فى إجراء حمل بين طياته اعتزام القيادة السياسية التعامل مع أحداث الفتنة الطائفية التى تجتاح بعض المحافظات والمناطق الشعبية بين الحين والآخر بكل حزم وحسم، إعلاءً لمبدأ المواطنة الذى يهدف الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى إرسائه، صدر القرار الجمهورى رقم ٦٠٢ لسنة ٢٠١٨ بتشكيل لجنة عليا لمواجهة الأحداث الطائفية فى مصر.
إن هذا القرار يضع بداية صحيحة وخطوة جريئة للتعامل مع تلك الأزمات التى تتعرض لها البلاد بين الحين والآخر، نتيجة خلافات أو اختلافات طائفية ومذهبية بين عنصرى المجتمع المصرى مسلميه وأقباطه، والتى بدأت فى الظهور فى عام ١٩٧٠ وتنامت فى عهد الرئيس أنور السادات، واستمرت بعد ذلك إلى يومنا هذا برغم كل الجهود التى بذلت لاحتوائها ومنع تكرارها.
وجاء تشكيل تلك اللجنة مواكبًا لاهتمام القيادة السياسية بضرورة وضع حلول جذرية لهذه الفتن، ومن هذا المنطلق فقد جاء اختيار رئيسها صائبًا تمامًا، حيث إن مجدى عبدالغفار، مستشار السيد رئيس الجمهورية لشئون الأمن ومكافحة الإرهاب، كان مسئولًا يومًا ما عن هذا الملف إبان عمله بجهاز مباحث أمن الدولة، وكانت له بصمات إيجابية فى التعامل مع هذا الملف.
وقد عقدت هذه اللجنة أول اجتماعاتها يوم الخميس الماضى، حيث أصدرت بيانًا أكدت فيه على أهمية ترسيخ مبدأ المواطنة، واعتباره حجر الزاوية فى بناء استراتيجية عامة فى التعامل مع الأحداث التى من شأنها التأثير على تماسك الجبهة الداخلية وإثارة الفتن. كما أكدت أهمية إعلاء مبدأ سيادة القانون إزاء أى تجاوزات وتفعيل جميع التشريعات والقوانين التى تواجه التمييز، وتحض على الكراهية. وفى هذا الإطار فقد كانت اللجنة موفقة إلى حد كبير فى قيامها بدعوة السيد محافظ المنيا فى أول اجتماع لها لما تشهده تلك المحافظة التى يطلق عليها «عروس الصعيد» من أحداث متفرقة بين أهلها، إما لسوء فهم أو لتشدد غير مبرر أو نتيجة تعرض البعض منهم لتصرفات استفزازية من البعض الآخر.
ويشير قرار تشكيل اللجنة إلى أن عملها يأتى فى إطار ثلاثة محاور رئيسية، وهى منع الأحداث الطائفية قبل وقوعها، ومواجهتها حال وقوعها، واتخاذ القرارات التى من شأنها عدم تكرارها.
من ناحية أخرى فإن جهود تلك اللجنة المخلصة، سوف تؤدى بلا شك إلى تفويت الفرصة على التنظيمات المتطرفة والإرهابية التى تتاجر وتستغل هذا الملف لصالح القوى المعادية لزعزعة الاستقرار فى وطننا العزيز، حيث وضعت تلك التنظيمات فى مخططاتها منذ عام ٢٠١١ شن عمليات عدائية ضد الأقباط والكنائس والأديرة لتأليبهم ضد النظام، وتفتيت تماسك المجتمع، ونجحت بالفعل فى تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة والمرقسية فى الإسكندرية، والهجوم على حافلات الإخوة الأقباط فى دير الأنبا صموئيل بالمنيا، تنفيذًا لتلك المخططات. ومن هنا فإن وضع خطة منهجية لحل جميع المشكلات المتعلقة بهذا الملف من خلال وضع تشريعات قوية سوف يؤدى إلى حماية نسيج المجتمع من التفتت والانقسام، خاصة إذا تم التدخل بحسم وحزم لمنع تكرار الأحداث الطائفية فى محافظات الصعيد بصفة خاصة، حيث يقيم بها عدد كبير من الأقباط فى مصر.
على صعيد آخر فقد علمت من خلال مقال للكاتب الصحفى الكبير فاروق جويدة، أن كلًا من السيد وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالى، يدرسان فكرة أن تكون حصة التربية الدينية مشتركة بين التلاميذ المسلمين والأقباط، بحيث تتفتح عقولهم على فكر واحد ورؤى واحدة مفهومها أن الأديان جميعها تؤكد مبدأ المساواة بين الناس، لا فرق بين دين وآخر فى هذا الشأن، وأن الرسالات السماوية هدفها إقامة العدل بين البشر وتحقيق أكبر قدر من السعادة للإنسان، وأن للأديان هدفًا واحدًا هو أن الحياة حق مقدس لكل البشر. وبرغم التحفظات التى أشار إليها الكاتب الكبير، إلا أننى أرى أنها بداية صحيحة لوأد الكراهية فى النفوس، وفصل الطلاب عن بعضهم البعض، وهم فى سنوات دراستهم الأولى. المهم فى هذا أن نبتعد عن النقاط والمعتقدات الخلافية بين الأديان، وأن ينصب الاهتمام فى المقام الأول على أهمية المواطنة والعلاقات الفريدة بين المسيحية والإسلام، والقيم والمبادئ التى لا تتغير بتغير الأديان.
إن نجاح لجنة مواجهة الأحداث الطائفية لن يتحقق إلا إذا كان هناك دعم شعبى وإعلامى وثقافى وتوعوى من جميع الجهات والهيئات ذات الصلة بأهداف اللجنة، لأنه قد آن الأوان لنشر روح الإيمان الحقيقى والتسامح والمحبة بين أبناء الوطن الواحد والتى تعتبر فى حد ذاتها إحدى أهم دعائم مكافحة التطرف والإرهاب الذى يسعى إلى تأجيج النفوس وإشعال الفتن بين أبناء الوطن الواحد، وذلك بعدما نجح الجيش والشرطة المصرية فى تحجيم الأعمال الإرهابية، والقضاء على الغالبية العظمى من العناصر التكفيرية، مما جعل أهل الشر يبحثون عن طرق أخرى لإحداث قلاقل وتوترات بالبلاد.
وتبقى كلمة أخيرة للشعب المصرى الواحد، أنه لا بد أن نتعاون جميعًا لإنجاح كل الجهود الرامية إلى احتواء الفتن الطائفية أيًا كان نوعها ومصدرها وأن نساند تلك اللجنة التى بدأت تباشر عملها فور صدور قرار تشكيلها، حتى يتحقق لنا جميعًا الأمن والأمان الذى ننشده لوطننا العزيز ونتفرغ لمعركة التنمية والبناء والرخاء بإذن الله.
وتحيا مصر.