رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالم مديون.. مديون.. مديون!


المديون، اسم مفعول من دان، يدين. ويُقال «دِنْتُ الرجل» أى أقرضته، فهو مدين أو مديون. ولو قال لك أحدهم «قل: مدين.. ولا تقل: مديون»، يمكنك الاستشهاد بقول الإمام الشافعى، رحمه الله: إنَّ الغريبَ لهُ مخافة ُ سارقِ.. وَخُضُوعُ مَدْيونٍ وَذِلَّة ُ مُوثَقِ. فإذا تَذَكَّرَ أَهلَهُ وبِلاَدَهُ.. ففؤادهُ كجناحِ طيرٍ خافقِ.
حين احتفلنا، فى أكتوبر الماضى، باليوم العالمى للصحة العقلية، كان عنوان المقال «عالم مجنون.. مجنون»، أى وصفنا العالم بأنه مجنون، مرتين، استنادًا إلى تقرير قديم، أصدرته منظمة الصحة العالمية، قال إن واحدًا، من كل أربعة أشخاص، يعانى من أحد أنواع الاضطرابات العقلية. ولأننا لم نجد تقريرًا أحدث، استنتجنا زيادة تلك النسبة. واليوم، كان طبيعيًا أن نصف العالم بأنه «مديون» ثلاث مرات، دون أن نكون فى حاجة إلى أن نستنتج أو نتوقع، بعد أن صدمنا تقرير حديث أصدره «معهد التمويل الدولى» بأن ديون دول العالم ارتفعت إلى أكثر من ثلاثة أمثال حجم ناتجها المحلى!.
الاتحاد الدولى للصحة العقلية، صاحب مبادرة اليوم العالمى، هو منظمة دولية تستهدف الوقاية من الاضطرابات والأمراض العقلية، وتقديم العلاج والرعاية المناسبين للمصابين بمثل هذه الاضطرابات أو الأمراض. أما معهد التمويل الدولى، الذى أصدر التقرير، فهو أكبر تجمع للمؤسسات المالية فى العالم، يضم ٤٥٠ عضوًا من ٧٠ دولة، ويقدم تحليلات وتوقعات لتدفقات رأس المال وتطورات الأسواق المالية الدولية، بهدف تعزيز الاستقرار المالى العالمى ودعم النمو الاقتصادى المستدام، ومن المفترض أنه يستخدم موارده المالية وخبراته الفنية وتجاربه العملية وأفكاره المبتكرة لمساعدة أعضائه فى التغلب على التحديات والمعوقات المالية والسياسية.
منذ سنوات وسنوات، لم يتوقف خبراء الاقتصاد عن التحذير من تأثير زيادة الديون على نمو الاقتصاد العالمى. ومع ذلك، لم يلق هذا التحذير المتكرر أى استجابة، ووصل إجمالى ديون دول العالم، طبقًا لتقرير المعهد، إلى ٢٤٤ تريليون دولار، خلال الربع الثالث من العام الماضى، من يوليو حتى سبتمبر ٢٠١٨، وبالتالى ارتفعت نسبته إلى ٣١٨٪ من إجمالى الناتج المحلى. ولا نتوقع أن يتم الالتفات، أيضًا، إلى تحذير «البنك الدولى» من أن ارتفاع مستويات الدين قد سيتسبب فى أزمة اقتصادية كبرى، خلال العالم الجارى. بالإضافة إلى الحرب التجارية الدائرة بين الصين والولايات المتحدة، وكذا العلاقات المتوترة بين الأخيرة ودول الاتحاد الأوروبى.
هناك أيضًا تقرير حديث أصدره «صندوق النقد الدولى» أوضح أن الولايات المتحدة والصين واليابان، تستحوذ على أكثر من نصف ديون العالم. وبينما وصف التقرير الدول الثلاث بأنها أبرز محركات التجارة العالمية، فإن الأرقام قالت إنها تحتل المراكز الثلاثة الأولى فى قائمة أكثر دول العالم «مديونية». وفيها، أى فى تلك القائمة، تحتل الولايات المتحدة المركز الثانى، بعد الصين، غير أنها قد تصعد إلى المركز الأول، بعد أن ذكر بيان أصدره مكتب الميزانية فى الكونجرس الأمريكى أن إجمالى الدين العام، حقق أعلى مستوياته، منذ سنة ١٩٥٠، بوصوله إلى ٧٨٪ من الناتج المحلى الإجمالى، خلال السنة الماضية، مع توقعات بارتفاع النسبة إلى ٩٦٪ سنة ٢٠٢٨، لو لم تحدث تغييرات جذرية.
زيادة الدين العام، هى إحدى سمات الاقتصاد الأمريكى، منذ تأسست تلك الدولة. لكنه بدأ يرتفع بمعدّلات متسارعة، خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وقفز بين عامى ٢٠٠٨ و٢٠١٦ إلى نحو ١٩.٨ تريليون دولار، لعدة أسباب أبرزها الأزمة المالية التى انطلقت (واندلعت) سنة ٢٠٠٨ من الولايات المتحدة. ومع أن الرئيس الحالى، دونالد ترامب، سبق أن وعد أكثر من مرة، خلال حملته الانتخابية وبعد دخوله البيت الأبيض، بأنه سيجعل الولايات المتحدة بلا ديون خلال ٨ سنوات، أى بعد انتهاء فترتى ولايته، الأولى والثانية. إلا أنك لو رجعت إلى بيان أصدرته وزارة الخزانة الأمريكية، منذ أيام، ستكتشف أن الدين العام الأمريكى ارتفع إلى ٢١.٩٧٤ تريليون دولار، أى زاد أكثر من تريليونى دولار، خلال سنتى حكم «ترامب»!.
أخيرًا، وبما أنك أحد مواطنى هذا العالم، فإن نصيبك من هذه الديون، الذى هو متوسط نصيب الفرد، بلغ ٨٦ ألف دولار، إلى الآن. وقبل أن تفتح فمك اندهاشًا أو تعجبًا أو اشمئناطًا، نشير إلى أن تقرير «معهد التمويل الدولى» أوضح أن هذا الرقم يساوى ضعف متوسط دخل الفرد السنوى، أى أن التقرير أدخلك فى «الخلاط»، مع كل مواطنى العالم، وخرج بأن متوسط دخلك يساوى ٤٣ ألف دولار. الأمر الذى قد يؤدى، غالبًا أو على الأرجح، إلى زيادة أعداد المصابين بالاكتئاب، الإعاقات العقلية، والاضطرابات الناتجة عن تعاطى المخدرات وتناول الكحوليات، وغيرها وغيرها من الأمراض.