رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بناء الدولة يبدأ من صحة الطفل



بناء الدولة.. هدف الرئيس منذ تولى الحكم.. وبناء الدولة ليس إنشاء للطرق والمدن والمصانع فقط.. بل أيضًا بناء جيش قوى وشرطة حديثة وعدالة ناجزة.. العنصر المشترك فى كل أركان الدولة هو الإنسان، وبناء الإنسان هو الأصعب، سواء كان بناء الوعى والثقافة والفكر أو بناء الجسد «صحة وعقلا».. ومنذ أطلق الرئيس مبادرته لعلاج فيروس «سى» ودول كثيرة وهيئات عديدة تتابع عن كثب ما يحدث فى مصر، وكيف تواجه دولة مرضًا خطيرًا يتعرض له ثلث سكانها، وهل تستطيع مواجهته والقضاء عليه.
مرض توطن فى جسد الشعب وانتشر ليقضى على آلاف الشباب، وبدأت المواجهة مع المرض عبر حملة قومية انتهت إلى حملة كبرى لمواجهة الأمراض كلها، وانطلقت حملة المائة مليون صحة لتكشف أسرارًا جديدة عن انتشار السمنة وأمراض أخرى، ولأول مرة يكون أمام الحكومة المصرية خريطة صحية تحدد الأمراض المنتشرة وأماكن انتشارها والمراحل السنية التى تتعرض لها.. هذه الخريطة الصحية هى أحد ملامح تحول مصر إلى مجتمع رقمى وأيضًا هى أولى خطوات المواجهة مع الأمراض، وأصبح لدينا الآن، بالتقريب، وصف للحالة الصحية لدى ثلث الشعب المصرى، إلى أن يتم استكمال الحملة هذا العام.
وأهم نتائج هذه الحملة هو أن يمتلك كل مصرى بطاقة صحية مع بطاقته الشخصية، فبمجرد أن يظهر الاسم على شاشة الكمبيوتر ستظهر معه حالته الصحية وما يتعاطاه من أدوية.. تعميم هذه المعلومات على مراكز العلاج ستحمل العديد من المشاكل، فالمصرى الذى كان لا يعرف فصيلة دمه ويتكاسل فى البحث عنها، أو التعرف عليها، أصبح معه كارت صحى به معلومات طبية شبه كاملة عنه.
الحملة كان هدفها أيضًا الكشف عن توطن بعض الأمراض وانتشار أخرى، ولكنها كشفت عن ظواهر مزعجة.. منها انتشار السمنة بما تحمله من خطورة على الإنسان سواء على مظهره أو أدائه لعمله أو علاقاته بالآخرين.. وبدأت الحملات الإعلامية لمواجهة الظاهرة من إقرار مادة التربية الرياضية كمادة أساسية فى التعليم، إلى نشر الملاعب والأندية ومراكز التدريب الرياضى.. مع حملات توعية أخرى مصاحبة لنشر الوعى التغذوى ونشر الوعى لمواجهة مظاهر مختلفة للوقوف فى مواجهة السمنة، التى انتشرت فى مصر وأصبحنا الدولة رقم ١٤ فى العالم ورابع دولة عربية تعانى من مخاطر السمنة.
حملة المائة مليون صحة كشفت عن انتشار السمنة بين الكبار، ولكن مصر أطلقت حملة موازية للكشف عن طلاب مدارس الابتدائى والإعدادى الذين لم تطلهم الحملة الأولى، وهذه تحمل رسالة مهمة هى أن مصر لا تبحث عن صحة الكبار فقط ولكنها تخطط للمستقبل أيضًا، بدءًا من الوضع الصحى للأطفال، مما يعطينا فرصة لرسم احتياجات المستقبل وعلاج الأخطاء مبكرًا.
الحملة كشفت عن أن أكثر من ما يتعرض له الأطفال فى مصر هو سوء التغذية، مما يدعونا إلى ضرورة مراجعة برامج تغذية الأطفال والاهتمام بالتغذية فى المدارس، وأذكر أن مدارس الستينيات رغم فقرها كانت تصرف للطلاب وقتها ما يشبه الوجبة الغذائية الكاملة العناصر، واستمر ذلك طويلًا ثم توقف وعاد فى صورة مكملات غذائية أو وجبات جافة وخفيفة.. وقد كشفت د. هالة زايد، وزيرة الصحة، عن أن أفضل المحافظات فى صحة الطفل هى الوادى الجديد، وأرجعت ذلك إلى تناول الأطفال تغذية طبيعية سليمة وصحية بدءًا من التمور إلى حبوب القمح الكاملة والألبان الطبيعية.. العناصر الثلاثة هى مكونات لفطيرة، على ما أذكر، كانت تنتجها مصانع تابعة لوزارة الزراعة وتوزع على طلاب المدارس الابتدائية، وتوقفت فى الغالب لأسباب مجهولة.
الحملة التى اتجهت إلى المدارس كشفت عن ظاهرة أخرى ترقى إلى مستوى الخطورة، وهى ظاهرة التقزم لدى الأطفال، وقد كشف تقرير لمنظمة الـ«فاو» التابعة للأمم المتحدة، صدر فى ٢٠١٤، عن أن واحدًا من كل ثلاثة أطفال فى مصر يعانى من التقزم، وكشفت المنظمة عن أن محافظة القليوبية تحتل المركز الأول فى الإصابة بالمرض بنسبة ٦٥٪، بسبب سوء التغذية.. المنظمة تعمل حاليًا فى ٥ محافظات بالصعيد لتوعية النساء والشباب.. فى المقابل أصدر المعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية تقريرًا يؤكد أن ٢٠٪ من أطفال مصر يعانون التقزم الناتج عن سوء التغذية، وأن ٢٧٪ من الأطفال مصابون بالأنيميا و١١٪ من وفيات الأطفال ترجع لسوء التغذية، وأعلنت وزارة الصحة أن النسبة أكبر من ذلك وتصل إلى ٤٠٪، مشيرة إلى أن ١٧٪ منهم يعانون التقزم، ولمواجهة ظاهرة التقزم التى تهدد مستقبل أطفالنا يجب البدء فورًا فى حملة لمواجهة عادات التغذية السيئة للأطفال.. حملة تشارك فيها كل أجهزة الدولة.. مراكز البحوث والصحة تبحث الموقف على أرض الواقع.. دراسة أسباب انتشار التقزم فى محافظات عن غيرها.. وأن تبدأ مراكز بحوث التغذية بالاشتراك مع وزارة التعليم فى إنتاج وجبة غذائية تقدم للأطفال خلال فترة الدراسة، ووضع خطة لوصولها للطلاب فى الإجازات الدراسية.
الرئيس عندما أشار إلى ظاهرة التقزم استغرب البعض ذلك وتساءل هل انتهت مشاكلنا الصحية حتى يبحث عن ظاهرة غير منتشرة؟، ولكن التقارير والأسابيع الأولى لحملة الكشف عن صحة طلبة الابتدائى والإعدادى، التى تقوم بها وزارة الصحة، كشفت عن أرقام خطيرة.. وكشفت عن أن الرئيس الذى يبنى دولة يبحث فى كل التفاصيل الخاصة بالبناء، وأن صحة الطفل هى حجر الأساس لصحة شعب، وبالتالى لقوة دولة يرغب الرئيس فى وضع قواعدها الصحية اليوم، لتكون فى المستقبل الدولة الأقوى والأهم.