رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفكير هادئ فى قضية ملتهبة


لم تمر بداية العام، وأعياد إخوتنا المسيحيين، وكذلك أخبار عودة التدفق السياحى إلى ما يُقارب إيقاعه القديم، دون أن يُعكّر صفونا مجموعة منحطة وبائسة من العمليات الإجراميّة الدمويّة.
بدأت هذه العمليات الخسيسة يوم ١٢ ديسمبر الماضى، بإطلاق فرد الشرطة المُكلف بحراسة كنيسة «نهضة القداسة» بالمنيا، النار على شخصين، (أب وابنه)، يقومان بأعمال الصيانة للكنيسة فأرداهما قتيلين، ثم تلاها، فى ٢٨ من نفس الشهر، الهجوم الإرهابى على الحافلة السياحيّة التى تقل مجموعة من السائحين الفيتناميين، فى المريوطية بالهرم، والتى نجم عنها مقتل أربعة أشخاص: ثلاثة فيتناميين والمرشد السياحى المصرى، وإصابة آخرين. ثم كانت العملية الأخيرة، مع مفتتح العام الجديد، يوم ٥ يناير الماضى، والتى ترتّب عليها استشهاد ضابط المفرقعات الشاب الرائد «مصطفى عبيد»، أثناء محاولة تفكيك عبوة ناسفة موضوعة داخل حقيبة بجوار كنيسة عزبة الهجانة بمدينة نصر، وإصابة شخص آخر!.
هذه العمليات الثلاث المنفصلة المرتبطة، التى وقعت خلال أقل من شهر واحد، تثير مجموعة من الملاحظات المهمة، أولها: أن الإرهاب لم يمت، ولم يتم القضاء على أوكاره ومجرميه وداعميه نهائيًا، وهو إذ حوصر فى سيناء، وضاقت عيه السبل فى تنفيذ جرائمه هناك، إزاء العمليات العسكرية الناجحة، المستمرة منذ شهور، ما أدى إلى تَعَذُّر تنفيذه عميات إرهابية جديدة على نحو ما كان يفعل فى الماضى، التجأ، وسيلتجئ منطقيًا، إلى نقل ساحة عملياته إلى الميدان الشاسع: مصر بكل مساحتها ومحافظاتها، حيث يصعب إغلاق منافذها، وإحكام السيطرة الأمنية على شوارعها وكنائسها وجوامعها ومبانيها... إلخ.
أما الملحوظة الثانية، والمترتبة على الملحوظة السابقة، فهى أن هذا الوضع يوجب، مجددًا، كما تحدثنا مِرارًا وتكرارًا، النظر إلى الحرب ضد الإرهاب باعتبارها حربًا شاملة ومفتوحة، ميدانها كل شارع وحارة ومدرسة وجامعة ومصنع ومؤسسة فى بلادنا، إذا كنا نريد حقًا اجتثاث جذوره السامة، والقضاء المبرم على فرص عودته للظهور.
وهذا الأمر يقتضى إعادة النظر فى الكثير من أمورنا، التى يشوبها الكسل والاسترخاء، ويغيب عنها الوعى بخطورة الإرهاب وآثاره المدمرة على سمعة بلادنا وأمنها ومصالحها، خاصةً أن مصر مُقدمة على تنظيم مباريات كأس الأمم الإفريقية، بما يعنيه ذلك من تحركات واسعة لآلاف من الضيوف والإعلاميين الأجانب، من مختلف بلدان القارة والعالم، فضلًا على مئات الآلاف من المواطنين.
وثالثة هذه الملحوظات هى أن هناك جهودًا أخرى، لا تمل ولا تتراجع، لهدم كل الجهود، وإهدار كافة التضحيات، فى مواجهتنا للإرهاب، على رأسها الفتاوى الشاذة لمشايخ السلفية الوهابية، (التى تبرأت منها «دول المنشأ» مؤخرًا)، وعلى رأسهم «ياسر البرهامى»، الذى لا أدرى لماذا يُسمح له بالانقضاض على مكونات الهوية الوطنية المصرية، وضرب وحدة مصر فى الصميم، بإصراره المُعلن على شق الصف، وإضرام نيران الفتنة، بين مسلمى مصر ومسيحييها، على نحو مافعل بـ«فتواه» الأخيرة، التى يعتبر فيها أن تهنئة أشقائنا من مسيحيى مصر بأعيادهم «أكثر شرًا من الزنا وشُرب الخمر»، فضلًا على تطاوله على عقيدتهم، وهو ما يُقَوِّضُ كل الجهود المحمودة، والتضحيات الغالية، التى دفع فيها المئات من خيرة أبنائنا دماءهم الطاهرة.
ويبقى أن أشير إلى غياب دور الإعلام فى التوعية والتوجيه بخطر الإرهاب وكيفية مواجهته، إذ لا يفيد فى هذا الشأن برامج الشعارات الزاعقة، والولولة والإدانات، والخطب الصارخة. ذلك أننا إذا أردنا أن نبنى حائط صَدٍّ يقى المجتمع من الإرهاب وشروره، فعلينا مخاطبة عقل المجتمع، ووعيه، وفهمه، بعيدًا عن الضجيج الذى يضر ولا يفيد، وهذا له حديث آخر.