رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كنائس ومساجد يُذكر فيها اسم الله


بمناسبة تلك المحاولة الشيطانية التى قام بها أبناء إبليس وأتباعه لتفجير إحدى كنائس القاهرة، والتى ترتب عليها استشهاد أحد الضباط المصريين، نترحم عليه ونطلب من الله أن يرزقه الجنة ويلهم أهله الصبر والثبات، إلا أننا فى ذات الوقت يجب أن نفكر فى مواجهة تلك الأفكار المسمومة التى تمت زراعتها فى عقول مجموعات من الصبية لا يعرفون شيئا عن دينهم.
الحقيقة التى يجب أن نواجهها هى أن تلك الأفكار المسمومة موجودة فى كتب القدماء والأئمة الأربعة وعلماء الحديث، ورغم أن الله خلق لنا عقولا لنفكر بها، وطلب منا أن نتدبر فى الدين، فقال فى كتابه الكريم «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها»، والتدبر فى القرآن ليس حكرًا على أحد، لأن الإسلام لا يعرف الكهنوتية، هذا الدين أنزله الله علينا ليكون ديننا إلى أن تقوم الساعة، ولا يمكن أن نظل محكومين بالذى فكر فيه القدماء، وكأننا نتحاكم فى فهمنا للدين إلى أئمة أزمنة انقضت، وثقافات تغيرت، وعلوم انتهت وظهر غيرها، كانت لأزمنتهم أحوال، ولزمننا أحوال، وإذا قرأت اجتهادات القدماء ستهجر معظمها، وقد تتعجب كيف فكر أولئك الأئمة الكبار بهذه الطريقة؟، كيف رفض الأئمة الأربعة فى فقههم بناء الكنائس فى البلاد التى تم فتحها، وأفتوا جميعًا بعدم جواز إعادة بناء الكنائس التى تهدمت!، وقد يأخذك العجب عندما تعلم أنهم جميعًا حرَّموا على المسلم أن يلقى السلام على غير المسلم ولو كان من أهل الكتاب!.
وستندهش حتمًا عندما تعرف أنهم لم يجيزوا للمسلم الترحم على أموات غير المسلمين!، بل إنهم قرروا أن والدى الرسول عليه الصلاة والسلام فى النار، هكذا مرة واحدة!، ومَنْ الذى أصدر هذا القرار؟!، الأئمة الأربعة، والبخارى ومسلم والنووى والبيهقى وابن كثير وابن الجوزى، وصولًا إلى الألبانى وابن باز وابن عثيمين وغيرهم!، دون أن يضع أحدهم اعتبارًا للآية القرآنية «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا»، فقد قدموا حديثا مشكوكا فى صحته على القرآن الكريم بأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، طلب من الله أن يستغفر لأمه فنهاه الله عن ذلك، فما كان من الرسول إلا أن طلب من الله أن يأذن له بزيارة قبرها فأذن له بالزيارة!!.
وضع ما تشاء من علامات التعجب على هذا اللغو، ثم يروون حديثا منكرًا يدعون فيه أن أحد المسلمين طلب من الرسول أن يدعو لأبيه الذى مات فقال الرسول له: أبى وأبوك فى النار!!. هذا هو بعض ما جاء فى عقول القدماء، فهل نتعجب من أولئك الذين يريدون هدم الكنائس وتفجيرها والفتك بالمسيحيين؟!.
تبًا لنا جميعًا إذا قبلنا أن نعبد الله من خلال عقول القدماء، ثم يأتى الواحد من عبيد التراث وسدنته ويقول لك: إن التراث الذى أنتجه القدماء يحمل الفكرة والفكرة المضادة، فليس سيئًا كله، نعم أيها الناصح، ولكن قل لى أين أنت من المدرستين؟، هل تؤمن بجواز أن نترحم على أموات المسيحيين واليهود؟!، بل قل لى هل تؤمن بجواز الترحم على الكفار والمشركين والملحدين؟!، وماذا قال أصحاب التراث الذى تأخذ منه فى هذا الشأن؟، وهل تجيز أن نلقى السلام على غير المسلمين؟، ثم أين أنتم يا كل علماء التراث الذى تسيد حاليًا، ماذا تقولون للجمهور على منابر المساجد؟، ومرحى بك أيها الشيخ المستنير الذى يشنف آذاننا بالحديث عن حكايات بدايات القرن العشرين، حيث كان «عم بطرس» صديقًا لعم «الشيخ محمد» وكانا لا يفترقان ليلًا أو نهارًا لدرجة أن من يخدرنا بتلك القصص اللطيفة يقول إن: عم بطرس كان عمدة للجزء المسيحى من القرية، وعم محمد كان العمدة المسلم للجزء المسلم!.
ثم يعتبر حضرته أن هذا التقسيم الطائفى هو قمة السماحة!، عمدتان لقرية واحدة على حسب التقسيم العقائدى هو قمة الطائفية أيها الشيخ المستنير! ولكن دعك من هذا، أريد أن أسألك سؤالًا، ماذا تقول لغير المسلم عندما تقابله، هل تقول له: السلام عليكم، أم مساء الخير يا أستاذنا؟، وإذا قيل لك إن فلانًا الكتابى قد توفاه الله، فهل تترحم عليه وتقول: اللهم ارحمه؟، وأظنك ستضيف من عندك سؤالًا هو: ما حكم النصارى واليهود الذين ماتوا على دينهم ورفضوا الدخول إلى الإسلام؟ أين موضعهم فى الآخرة؟. نعم يا شيخ التراث؟! هل أصبحنا منشغلين إلى هذا الحد بموضع غيرنا فى الآخرة؟!، فلننشغل بأنفسنا يا عم الشيخ!. ابحث عن نفسك، هل ضمن الواحد منكم قصره الذى فى الجنة؟، ومع ذلك فالمسألة واضحة فى كتاب الله، فالإسلام هو التسليم لله، والله قال فى كتابه الكريم «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، هذا قول الله لا قولى أنا، الذين هادوا والنصارى والصابئين طالما أنهم آمنوا بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لأنهم فى معية الله.
ولتعلم يا أى تراثى أن الاختلاف فى عقائد الناس هو اختلاف المحبين لا اختلاف الكارهين، المسلم يحب الله وهو يبحث فى النصوص التى لديه ليتصور حبيبه، والمسيحيون أيضًا أحبوا الله واختلفوا فى تصوره، فلندع أمرهم إلى من أحبوه. والآن لنعد إلى السؤال الذى طرحته فى هذا المقال فى حوارى مع الشيخ التراثى فأقول له: هل تجيز أن نترحم على الأموات من أهل الكتاب؟، يا تراثى أجاز الله لنا أن نتزوج منهم أفلا نترحم عليهم!، يا شيخ إن رسالة الإسلام هى الرحمة والسلام.
فكيف تحجب رسالة الإسلام الرحمة عن خلق الله، وهل يملك أحدنا أن يقسم رحمة الله وهو القائل «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىءٍ» وكلنا بمختلف عقائدنا شىء!. وأين أنتم من قوله تعالى «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»، وإذا أسلم رجلٌ وظل أبواه على دينهما الكتابى أفلا يجوز له أن يترحم عليهما مصداقًا لقوله تعالى «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا»؟، وأين تذهبون من حديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، «الراحمون يرحمهم الرحمن»، والأحاديث هنا على عموم اللفظ، مهما كان دين الرحماء، ولتعلم يا تراثى أن الله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين، وليس رحمة للمسلمين من دون الناس.
أما هذا الفهم الغريب المغلوط لقول الله سبحانه «مَا كَانَ لِلنَّبِى وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ»، فهذه آية عن المشركين وليست عن أهل الكتاب، وهى آية عن الاستغفار وليست عن الترحم، والمغفرة غير الرحمة، ولو كانت المغفرة هى الرحمة لما كانت لله الأسماء الحسنى، ويجب على كل صاحب نظر أن ينزه الله عن أنه يطلق على نفسه الأسماء المتشابهة، فالرحمن غير الرحيم، والغفور غير الغافر والغفار، ولكل منها موضعه، إيهٍ يا شيوخ هذا الزمن الغريب، لو تعلمون من هو الرسول، صلى الله عليه وسلم، ما خرجت منكم كلمة كره أو حرب أو شحناء، ولكنكم جهلتم قلبه الذى أنار الدنيا بالحب والرحمة، وغابت عنكم نورانيته وحبه لكل الخلق، حتى إنه رفض أن يدعو على كفار قريش، ورفض أن يخسف الله بهم الأرض ويطبق عليهم الأخشبين، أراكم تنقلون للناس ما فى قلوبكم أنتم، لا ما كان فى قلب الرسول عليه الصلاة والسلام، تنقلون لهم بغضكم لا حبه، كراهيتكم لا سماحته، أمراض قلوبكم لا نور قلبه، الذى أنتم عليه ليس هو الإسلام الذى جاء به الرسول، ولكنه الإسلام الذى شوهته نفوسكم.