رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى سهرة العشاء أو تحت قبة البرلمان




تتمتع «السُلطة»، بجاذبية طاغية، لا تقاوم. ِسحر، يجعل البشر، يفعلون كل شىء ممكن، وكل شىء غير ممكن، أيا كان نوع السُلطة.. سُلطة طبقية، سُلطة دينية، سُلطة ذكورية، سلطة فكرية. «السُلطة»، فى العالم كله، لها «كاريزما»، والتى تعنى الهدية، أو المنحة، أو الهبة، التى تأسر القلوب، وتبهر العقول. واذا كان كل شىء مباحا فى الحب وفى الحرب، هكذا الأمر، أيضا، مع السُلطة، التى لا تعترف بأى خطوط حمراء.
التجسس على خصوصيات الآخرين، الأعداء منهم والأصدقاء.. استخدام الأسرار الأسرية، والعائلية، للفضح والتشهير، ولكسب المزيد من الأصوات المؤيدة.. والقتل.. التهديدات فى جميع أشكالها.. اتهامات بالكفر.. إدانات بالخيانة والعمالة.. شائعات فى كل مكان.
كل أنواع ودرجات اللاأخلاقية تصبح «أخلاقية»، طالما أنها تقرب المسافة إلى مملكة الُسلطة. بعض الناس، يقولون لا تلوموا منْ يسعى إلى أى نوع من أنواع السُلطة، فهى تفتح الأبواب المغلقة، وتحول التراب إلى دهب، ولها هيبة مهابة من الجميع.
السُلطة هى «كلمة السر» للعبور رغم المحظورات، والألغام، ولا تعترف بالمستحيلات، والممنوعات. لهذا أكره لعبة السُياسة، التى تفقد البشر، أجمل وأنبل ما بداخلهم، وأقوى ما فى إنسانيتهم، من أجل «السُلطة». السياسة لا تتكلم لغة المبادئ، التى تنمى فى الإنسان إنسانيته، ومحبته للناس والعمل من أجل درجة أعلى من الرقى الحضارى. ولكن لغة المصالح «الزئبقية» المتلونة.
السياسة فى كل العالم شعارها «العب بالذى يجعلك تغلب»، حتى لو كان اللعب التحالف مع محتل، أو خائن، أو جاسوس، أو مرتزقة الإرهاب الدينى، والإرهاب الثقافى، والإرهاب الدينى، والإرهاب الذكورى، والإرهاب الإعلامى.
أى شعار هذا؟!.. وإذا تصادف أن صاحب السُلطة، فى أى مجال، يرفض التعامل بهذا الشعار، فإن منْ حوله سرعان ما يتآمرون، ويخططون لإقصائه بعيدًا عن صلاحياته. مهمة كل إنسان أن يجعل شعاره ليس «ما أغلب به ألعب به». ولكن «ألعب بما يجعلنى أكثر إنسانية ودفاعا عن العدالة، وأكثر تشبثا بالحقيقة، وبالحرية»، حتى لو خسر بعض المعارك، أو بعض جولات إحدى المعارك.
إن خسارة المعارك أهون بكثير من خسارة الإنسان معركة الحرية، والعدل، والحقيقة. من قراءة التاريخ، يتأكد لى دائما، أن الذين ساهموا فى الارتقاء بالحياة، نساء، ورجالا، فى مختلف المجالات، كانوا منشغلين بكيفية مقاومة الظلم، والامتناع عن تحويش الفلوس على جثث الآخرين، وعدم الاستسلام للقبح، والمهانة، وليس الانشغال بتملك «السُلطة»، من أى نوع.
هل يمكن أن يأتى يوم، تتغير فيه لعبة السياسة، من الشعارات الزئبقية، إلى المبادئ، التى تعلى من القيم الإنسانية، وتتخلص فيه من الأشياء، التى جعلتها فعلا «لعبة»؟. هل نعيش إلى يوم نرى الشخصية السياسية، بـ «وجه واحد»، لا وجهين، أو ثلاثة وجوه؟.
هل يسمح الزمن بأن نعاصر امرأة، أو رجلا يشتغل بالسياسة، ولا يفصل بين الخاص والعام. بين «القول والفعل؟.. حياته فى تكامل، وتناغم، واتساق؟.. ما يظهر منه، فى سهرة على العشاء، هو نفسه ما يظهر منه، تحت قبة البرلمان؟.. إنسان أمين، صادق، نزيه، مبدع، شخصية لا تناقض فيها؟.. ليس هناك ما يخجله، أو يتبرأ منه، أو يتستر عليه؟.
هل نطمح، فى يوم، نعطى رئيس أحد الأحزاب السياسية، «وسام الاحترام»، لأنه المثل الأعلى، فى استقامة الأخلاق، وثبات المواقف؟. هذه هى إحدى أمنياتى، فى بدايات العام الجديد، عام ٢٠١٩. بل هى أمنيات كل الشعوب التى تشتاق إلى مفاهيم أكثر سلاما، وتسامحا، ونبلا، وحرية.
من بستان قصائدى
أخيرًا.. لبست سنة ٢٠١٨ معطف الرحيل
أطفأت سيجارتها الأخيرة
حملت حقائبها الممتلئة برصيد الضريبة العقارية
بأحزان البشر وملامح الشهداء
وحصيلة تمويل المنظمات الإرهابية.
السؤال يحيرنى.. ماذا فى سنة ٢٠١٨
يقيم ويبقى؟.. ماذا يرحل دون رجوع؟
نور الحرية.. أم الظلام واستعذاب الخنوع؟.