رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طارق أبو هشيمة في حواره لـ" الدستور": المؤشر العالمي للفتوى من أهم الآليات البحثية

طارق أبو هشيمة
طارق أبو هشيمة

◄الفتوى "كائن حي" من الظلم التعامل معها على أنها نص فقهي

◄المؤشر العالمي للفتوى جاء إيمانًا من رسالة دار الإفتاء في ضبط الخطاب الإفتائي

◄الفتاوى المتطرفة ساهمت في تبرير ظاهرة الإلحاد

◄نتائج مؤشر الفتوى مقدمة لدراسات متخصصة في شتى المجالات

في ظل خطاب ديني وإفتائي عشوائي يموج بالصراعات في كافة مناجي الحياة، تحمل المؤسسات الدينية، وفي مقدمتها دار الإفتاء المصرية بقيادة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية،على عاتقها مسئوليات متشابكة، فمن جهة هي مسئولة عن تجديد الخطاب الديني الذي دعت إليه القيادة السياسية، ومن جهة أخرى لديها تحديات جسام، أبرزها محاربة أفكار التنظيمات الإرهابية، فضلًا عن مواكبة العصر واستخدام التكنولوجيا الحديثة.

"المؤشر العالمي للفتوى" كان أبرز مشروعات دار الإفتاء المصرية الذي أطلقته في المؤتمر العالمي الرابع للإفتاء الذي عُقد بمصر في أكتوبر الماضي، تحت رعاية الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أجرت" الدستور" حوارًا مع طارق أبو هشيمة رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء المصرية حول المؤشر العالمي للفتوى وأهدافه وما يقدمه لتحقيق آمال وتطلعات الجميع، ومعرفة خطة المؤشر خلال العام الجديد، وإلى نص الحوار..

◄من أين جاءت فكرة المؤشر العالمي للفتوى الذي أطلقته دار الإفتاء المصرية؟
الفتوى ممكن أن نسميها مجازًا كائنًا حيًّا، تتأثر وتؤثر فيما حولها، ومن الظلم أن نتعامل معها على أنها نص فقهي منتج عقليًّا بأدلة من الكتاب والسنة وفق مجموعة من القواعد الفقهية، وهذا النص معزول تمامًا عن الواقع، لأن هذا الفهم هو ما أوقع المتطرفين في تشددهم، وهبط بالملحدين إلى هذا الدرك الذي يعيشون فيه، فعزل الفتوى عن سياقها، أو قراءتها دون هذا السياق هو نوع من الجهل الذي يورد صاحبه إلى الهلاك.

ونظرًا لأهمية للفتوى تلك، وأهمية ما تحدثه من آثار، فقد حملتنا هذه الأهمية إلى إصدار المؤشر العالمي للفتوى؛ وذلك إيمانًا من رسالة دار الإفتاء المصرية وفضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية التي تهدف إلى ضبط للخطاب الإفتائي.

◄وما الهدف منه في الوقت الحالي؟
مؤشر الفتوى العالمي يعد أهم آلية بحثية في تخصص الفتوى الآن؛ لأنه يقدم معالجة لقضية الإفتاء لا تقف على المتخصصين في الفتوى بل يقدم نتائجه لكافة التخصصات، والهدف منه في الوقت الحالي مهم للغاية نظرًا لأن الفتوى تشكل رافدًا في الفكر الديني، فزعيم الجماعة أو التنظيم يؤثر على أتباعه بفتوى، ويحصد المال بفتوى، ويبيح قتل الناس بفتوى، كما أن البعض ممن يمارسون الإفتاء دون غطاء من العلم الشرعي يحدث الكثير من الجدل داخل المجتمع بفتوى، لذلك وجود مؤشر يرصد مثل هذه الفتاوى ويتناولها بشيء من التحليل والرد والتفنيد مهم ليس فقط للعاملين في الحقل الديني بل مهم لكافة التخصصات لأنه يقدم رؤية لكل هؤلاء يبنون دراساتهم عليها ومن ثم تقدم كافة الحلول لتلك القضايا.

◄كيف يتم الاستفادة من فتاوى هجوم بعض التنظيمات ضد بعضها؟
رصد فتاوى التنظيمات المتطرفة وتفكيكها وسيلة مهمة لفضح أكاذيبهم، وتحصين للمجتمع ضد أفكارهم؛ وهذا الرصد مهم لأمرين؛ الأمر الأول فهم هذه العقلية وفهم طريقتها في التفكير وتطويع الأدلة الشرعية لخدمة أهدافها، وهذا مهم لتقييم هذه العقلية والرد عليها.

والأمر الثاني: إعداد ردود على كل الإفتراءات التي تقدمها تلك التنظيمات، وهذا مهم لعدم ترك الساحة لهم، وترك الناس فريسة لأفكارهم المضللة.

ورصد فتاوى هجوم بعض التنظيمات على بعضها مثل داعش والقاعدة يبين أن العقلية المتطرفة تسلك كل السبل للوصول لغايتها، فهذه التنظيمات وإن اختلفت وسائلها للوصول لغاياتها فهدفهم واحد، وتبيين هذا الصدام للناس وخاصة الشباب فاضح لتلك الجماعات، وهو بالأساس يحصن المجتمع والشباب من هذا الفكر الهدام.

◄برأيك كيف يمكن الاستفادة من المؤشر في مواجهة الإلحاد؟
إذا كان التطرف هو نتيجة فتاوى متطرفة أوردت المتأثرين بها المهالك؛ فإن الفتاوى المتطرفة والمتساهلة ساهمت في تبرير ظاهرة الإلحاد، ومن ثم فرصد المؤشر للفتاوى الشاذة وتفنيدها وبيان مواضع تطرفها، سواء من حيث التساهل أو التشدد، يساهم في مواجهة الإلحاد؛ لأن هذه الفتاوى تعكس صورة خاطئة عن ديننا الإسلامي، كما أن التوصيات التي يتضمنها المؤشر تحوي الكثير من المحاولات لتفنيد آراء الملاحدة والرد على شبهاتهم وأفكارهم سواء من خلال دورات توعوية أو غير ذلك.

◄هل المؤشر قادر على رصد فتاوى العلماء الرسميين في أي دولة عربية أو إسلامية؟
بالفعل، رصدنا في المؤشر المشهد الإفتائي العالمي بأكمله بمستوييه الرسمي وغير الرسمي في أكثر من 33 دولة عربية وأجنبية، وفندنا أبرز المجالات التي تظهر في الفتاوى الرسمية وكيفية تعامل العلماء الرسمين في كافة أرجاء العالم مع القضايا والمستجدات التي تشهدها الساحة.

◄ما المجالات التي يمكن أن يقدمها المؤشر في مجال التنمية والاستقرار؟
نتائج المؤشر إذا تمت دراستها بصورة جيدة ستكون نافعة في كافة المجالات، فهي بالأساس مؤشرات تحتاج مجموعة من الدراسات التي تقوم عليها، ومن ثم فإن نتائج هذه الدراسات سيعود نفعها على الجميع، فتتبع مؤشرات الفتاوى في الجوانب الاجتماعية أو الاقتصادية أو العلمية أو السياسية، وتناولها بشيء من الدراسة المتخصصة أمر مهم للغاية، ونتائج هذه الدراسات نستطيع القول بأنها مفيدة في مجال التنمية، لذا فالمؤشرات التي يخرجها المؤشر لا ينبغي التعامل معها على أنها نتاج نهائي بل هي مقدمة لمجموعة من الدراسات والتخصصات.

◄فتاوى حزب التحرير وفتاوى جريدة النبأ الجهادية لا شعبية لها، فلماذا تبرزوا فتاويها؟
التطرف بالنسبة لنا نقسمه إلى قسمين تطرف فكري وتطرف عنيف وكلاهما يستويان عندنا، فلولا التطرف الفكري لما نشأ التطرف العنيف، هما بالأساس وجهان لعملة واحدة، فإذا كان حزب التحرير يمارس التطرف الفكري ولا يمارس التطرف العنيف، فهو إذن يؤسس للتطرف العنيف من خلال أفكاره وفتاويه، والمؤشر كان له السبق في لفت النظر إلى هذه الظاهرة، أما فتاوى النبأ فهي من تقدم وتمهد للتطرف العنيف داخل صفوف تنظيم داعش، ففتاوى حزب التحرير وصحيفة النبأ مثال واضح على التطرف الفكري والعنيف، ووظيف المؤشر تكمن في تتبع الفتوى أيًّا كانت من الرصد والتحليل والتقويم، فهي المهمة التي أطلق على أساسها مؤشر دار الإفتاء.

◄ما قولكم في أن المؤشر لا يفيد المواطن البسيط بل يفيد مراكز الأبحاث والمتخصصين في الفتوى فقط؟
على العكس فالمؤشر بجانب استهدافه مراكز الأبحاث والمتخصصين في الفتوى فهو يستهدف أيضًا كافة شرائح المجتمع، فإلقاء الضوء على كيفية تعامل دور الإفتاء الرسمية مع القضايا والمستجدات المنتشرة بين المواطنين وعبر ساحات السوشيال ميديا كتداول عملة البيتكوين، وتحدي الكيكي، والألعاب الإلكترونية كالحوت الأزرق وبابجي وغيرها، هي بمثابة مؤشر للمواطن البسيط لمعرفة أحكام تلك المستجدات والاستفادة منها، كما أنه بمثابة الضوء الأخضر الذي يحمي المواطن البسيط من الانسياق وراء الفتاوى الإرهابية التي قد تعرضه للتطرف يومًا ما.

◄هل معنى وجود مؤشر للفتاوى الشاذة يعنى الرضا بوجودها؟ بمعنى أليس من الأفضل العمل على عدم صدورها بدلًا من التعليق عليها ورصدها؟
تلك الفتاوى منتشرة ومتداولة بالفعل عبر الساحات الاجتماعية المختلفة، ويستغلها البعض في تشويه صورة الإسلام، فليست بالشيء الخفي على المواطنين، وبالتالي كان من الأجدى تسليط الضوء عليها وبيان عدم صحتها حتى لا ينساق وراءها المواطن البسيط.

◄ما هي خطة المؤشر للتعامل مع الفتاوى الشاذة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
يعمل المؤشر كما أوضحنا وفق آلية برمجية شديدة الدقة، للخروج بنتائج تهم الجميع، وخرجنا بمجموعة من المؤشرات عن فتاوى السوشيال ميديا، لكن لا شك أن هناك إشكالية كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي كونها بلا رقيب أو حسيب، وهذا الأمر يحتاج إلى نظرة تتخطى المؤشر، وأعتقد أن قانون تنظيم الفتوى في مصر وتجريم كل من يفتي بفتاوى غير منضبطة تؤثر على الوطن قد يحد من ذلك.

◄ما قولكم بأنكم تصدرون نسبًا وأرقام مبالغ فيها؟ وكيف يمكن أن يتأكد المتابع من دقتها؟
هناك مراحل لعمل المؤشر، بداية من تجهيز المادة وحصرها ورصدها، وتأتي عملية التحليل وفق أحدث وسائل التحليل الاستراتيجي الحديثة بعد اختبارها أكثر من مرة عبر آليات دقيقة خاصة بفريق متخصص في الإحصاء، وقد يكون تكرار الفتوى الواحدة في أكثر من مصدر إعلامي وتكرارها هو ما يدعو البعض إلى الادعاء بأن المؤشر يصدر أرقامًا مبالغًا فيها، فالفيصل هنا وجود الفتوى في أكثر من مصدر لأن هناك تحليلًا آخر يضم المصادر والشخصيات وكافة ما يحيط بأركان الفتوى.

◄كيف تردون على من ينتقدكم من الجهات المتشددة التي يأتي ذكرها في المؤشر، أم تتجاهلون ذلك؟
دعنا نتفق أن الأرقام والإحصاءات هي التي ترد، أما مثل تلك الدعاوى المكررة التي تستهدف النيل من هذا العمل الرائد على مستوى المؤسسات الدينية في العالم، فلا نلقي لها بالا أو اعتبارًا، إننا نسعى لخدمة هذا الوطن والعالم بتحقيق قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، والحكمة تقتضي في هذا التوقيت العصيب المضي قدمًا في استكمال هذا العمل لخدمة البلاد والعباد.

◄ما خطة المؤشر للعام الجديد؟
نسعى لزيادة عدد العينة لأكثر من 33 دولة في العالم، وزيادة عدد اللغات إلى 5 لغات، وإدخال آليات جديدة في التحليل للوصول إلى نتائج أكثر دقة، وإعداد مجموعة من الدراسات حول نتائج المؤشر، واستحداث وسائل جديدة في ترويج نتائج المؤشر لضمان وصولها لأكبر عدد ممكن من المستفيدين ليعم نفعها.