رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يأجوج ومأجوج.. وكلام إلك يا جار


هاحكي لكم النهاردة حكاية مهمة جدا، معلهش، استحملوني واقروها للنهاية، وعلى غير عادتي في الكتابة ستكون هذه أول مقالة أكتبها باللهجة العامية، معلش فقليل من العامية قد تُصلح الأفهام، لكن إيه هيَّ الحكاية؟ اسمع يا سيدي، كان يا ما كان في سالف الدهر والأوان، زمان قوي، ملك عادل، اسمه إيه؟ اسمه ذو القرنين، أكيد سمعتوا عنه، بعضهم قال عليه كان نبي، وبعضهم قال لأ دا كان ملك وبس، لكنه غالبا كان ملك مش نبي، الملك ده كان بيعبد ربنا، وربنا أعطى له علم في كل شيء، تقول كيمياء، تقول فيزياء، تقول فلك، تقول رياضيات، قول زي مانت عايز، المهم ربنا اداله العلم ده وهو أصبح بالعلم ده متمكن من الأرض، قوي مش ضعيف.
وفي ذات الوقت بيسعى انه يقيم العدل في الدنيا، مش كده وبس، لأه، دا كمان كان حريص إن الناس تعبد ربنا لوحده، وتبعد عن طريق الشيطان والفساد والقتل والسرقة، فخد جيشه وقعد يلف الدنيا، من مغربها لمشرقها، بيدوَّر على البلاد اللي فيها ظلم، فيقيم فيها العدل، ويشوف الناس اللي انحرفت وبأت تعبد الشيطان، فيدعوها لعبادة الله بالبراهين والعقل، مش بالسلاح والقتل، المهم وهو بيلف في الدنيا وجد قوم مساكين، غلابة، حالتهم صعبة قوي، ساكنين بين جبلين كبار، لكن كان فيه ناس غريبة متوحشة، متعرفش جنسهم إيه بالظبط، وطبيعتهم إيه بالظبط، هل هُمَا إنسان "النياندرتال" اللي العلماء اتكلموا عنه واكتشفوا آثاره؟ ولا حاجة تانية متوحشة؟! الله أعلم، المهم إن الناس المتوحشة دي عبارة عن شعبين، هُما شعب يأجوج، وشعب مأجوج، يعني دول يأجوج ومأجوج اللي ربنا قال لنا عنهم في سورة الكهف، من الآية 93 للآية 97، وأكيد معظمنا بيقرا سورة الكهف يوم الجمعة وحفظ قصتهم، المهم يأجوج ومأجوج دول كانوا ساكنين تحت الأرض، أيوه تحت الأرض! يعني بيحبوا العمل السري، العمل في الظلام، حياتهم كده، في الغالب كانوا عايشين في القشرة الأرضية السطحية، أو يمكن في كهوف ممتدة تحت الأرض الله أعلم.
لكن الناس دي كانت شريرة جدا، كل شوية يطلعوا من تحت الأرض من خلال فتحة عملوها بين الجبلين اللي كان أصحابنا الغلابة ساكنين بينهم، وبعد ما يطلعوا بالمئات والآلاف هاتك يا قتل ويا سرقة، يقتلوا اللي يقدروا عليه، ويسرقوا مواشيهم ومحاصيلهم الزراعية ومنتجاتهم الجلدية، وكل شيء يوصلوا ليه، الدنيا قفلت في وش القوم الغلابة دول، مش عارفين يقاوموهم ازاي، فجأة وجدوا جيش جاي من بعيد، جيش مين ده؟ دا جيش ذو القرنين، الملك العادل، ما كانوش يعرفوه قبل كده لكنهم عرفوا من تصرفاته وتصرفات جيشه إنه ملك طيب، وعادل، وحكيم، خصوصا لما ذو القرنين بعت لهم يسألهم عن حالهم: هل فيه حد بيظلمكم فنساعدكم ونجيب لكم حقكم؟ الناس من ربكتهم ما كانوش عارفين يعبروا عن الحالة اللي كانوا فيها، وبيتكلموا كلام مش مفهوم، ولغة مش معروفة، لكن لأن ذو القرنين عنده معرفة بكل علم بما فيها علوم اللسانيات، عرف يتفاهم معاهم، وعرف مشكلتهم، قالوا له: اعمل معروف، انت ربنا بعتك لينا علشان تنقذنا من القوم الظالمين دول ولاد اللذينا يأجوج ومأجوج، وانت ما شاء الله عندك جيش قوي وعِلم، فياريت يا سيدنا الملك تعمل لنا عند الفتحة اللي بيطلعوا لينا منها، اللي هيا بين الجبلين، تعمل سد كبير، فيقوموا ما يعرفوش يعدوا ويوصلوا لينا، الملك ذو القرنين قالهم حاضر، من عنيا، انا هاساعدكم، بس مش هاعمل اللي انتوا عايزينه لوحدي، لأه يا خويا انت وهو، أنا عايزكم تساعدوني، ربنا قال لنا في القرآن انه قال لهم:"فأعينوني بقوة" مش مجرد معاونة وبس، لأه لازم تكون قوية، وقوية جدا، لوحدي مش هاقدر اعمل لكم حاجة، رغم ان عندي معرفة بكل علم، لكن متقعدوش مأنتخين على القهوة وتقولوا أدينا مستنيين ذو القرنين، هانشوفوا هايعمل لينا إيه إيه، لازم يا جماعة الخير تشتغلوا معايا، الناس طبعا وافقت.
وبدأ العمل، قالهم مش هانعمل سد، لأن السد مهما كانت قوته ممكن خلال عشرين سنة أو ميت سنة أو حتى خمسمية سنة، ممكن يتهد، لكن احنا بكل بساطة نردم الفتحة اللي بيطلعوا منها، ودي هيا الفتحة الوحيدة اللي يقدروا يوصلوا ليكم منها، قالوا له: ياريت يا جناب الملك، احنا كل شوية نردم الفتحة دي وبرضوا بينقبوها، يعني بيفتحوها، وبعدين بيطلعوا منها، علشان كدة فكرنا في السد، قالهم، أصلكم بتردموها بالطين والصخر، لكن انا هاردمها بحاجة تانية، إيه هيا؟ بالحديد، أنا عندي معرفة بالعلم ده، هانجيب الحديد وهانعمل أفران نحطه فيها وبعدين نطلعوا ونخليه ألواح، نحطها في الفتحة الكبيرة دي، وندوب عليها نحاس، دي بأه لا يمكن ينقبوها، لكن يلا بأه اتحركوا معايا، وكلهم اتحركوا معاه، وساعدوه، وعاونوه، لحد ما اتحقق المراد وهدموا الفتحة وردموا عليها بالحديد والنحاس.
المهم الناس دي في الحقيقة كانت محظوظة، ما كانش عندهم نشطاء ولا سوفسطائيين ولا عملاء ليأجوج ومأجوج، ومحدش طلع وقال: الراجل ده مش عارف يسوق، يسيبها بأه وينزل، قلنا له يعمل سد آم عمل ردم للفتحة، وما كانش عندهم حد قال: الراجل ده هايضيعنا، خلانا نسيب الزراعة اللي احنا فالحين فيها وقاعد يعمل في مشروع لسد الفتحة، وواخدنا كلنا نشتغل في الحديد اللي منعرفش عنه حاجة، ومحدش قال: أنا قلتلكم ان الراجل ده على علاقة بياجوج ومأجوج، وأمه يأجوجية، وعمه مأجوجي، بدليل إنه ممكن بجيشه يقبض على رؤساء المآجيج واليآجيج ويحاربهم مباشرة لكنه فكَّر في إنه يعمل ردم بالحديد للحفرة وخلاص، ياعم دا مش بتاع بناء، قلنا هانبني السد العالي وهو قال لأه هانهدم.
ولا حد عندهم قال: قسما عظما يا قوم إن هذا الرجل يبحث عن الملك والسلطة فقط لأنه مهتم بالجيش، وما ينفقه على الجيش ممكن يديه لينا نشبرق بيه على نفسنا ونعوض السنين اللي فاتت، الناس دي كانت محظوظة جدا لأنه ما كانش عندها الناس التانيين اللي بيكسروا عزيمة أي حد وعاملين نفسهم فاهمين في كل حاجة، الناس اللي كانت عندهم كانت ناس عاوزة تشتغل وتتعب وتشقى، الحقيقة كلهم كانوا إيد واحدة، وكانوا بيعاونوه بقوة، مش بيكسروا في مآديفه، كلهم كانوا فاهمين، وهما اللي فوضوه، وهما اللي طلبوا منه، ولما اشتغل كانوا معاه في المقدمة، خلصت الحكاية، وكل سنة وانتوا طيبيين مسلمين وأقباط، شعب وحكومة، رئيس ودولة، وفي النهاية أقول لكم كلمة النهاية اللي باقتبسها من الفنان الكبير بشارة واكيم وهو يتحدث منبها يوسف وهبي بعد أغنية أسمهان: "كلام إلك يا جار". ورحم الله الجميع.