رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إما تُنصرون بضعفائكم.. فانتبهوا


تصادف أن التقت عينان مغرورقتان بالدموع، على غير موعد، ودون سابقة اتفاق، ولكنها الخاصية الإنسانية التى تغلب صدق المشاعر على متطلبات اللحظة وقواعد البروتوكول، وتترك النفس صافية مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لا تُفرق اللجظة بين غني وفقير، بين وزير وخفير، حتى ولو كانت تخص شخص رئيس الجمهورية، فعينان لا تمسهما النار، عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله.. جلست أتابع وقائع الاحتفال باليوم العالمى لذوى الإعاقة «قادرون باختلاف»، وقد راحت الدموع تسرح على خدي، وأنا أحاول كبح جماحها المتنامي، وأداري وجهي، عسى أن لا تراني زوجتي القريبة مني، ولكني اكتشفت أنه لست أنا «قريب الدمع»، الذي تُهيّج المواقف الإنسانية مشاعره، بمنتهى السهولة، بل يشاركني الكثير، بمن فيهم رأس الدولة الذي رأى أن قرابة العشرة ملايين من بين سكان مصر، من ذوي الإعاقة، رقم ضخم في معادلة التنمية، وهمٌ ضخم لمثل ذلك العدد من البيوت والأًسر، التي منّ الله عليها أن تُختبر في إيمانها، بوجود حالة من مثل هؤلاء بين أفرادها.. ولكنه رآها بقلب الإنسان وعين المسئول الذي يخشى أن يسأله الله عما فعله بمن أؤتمن عليهم من هؤلاء الأبناء، الذين رأى فيهم الرئيس (بركة) من الله، تحل على بلادنا.
ألم يقل سيد الخلق أجمعين، «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» (رواه البخاري)؟.. هؤلاء الضعاف الذي لم يبدأ الاهتمام بهم فى مؤتمر الشباب بالإسماعيلية، في يناير 2018، حينما طلب شاب، خلال جلسة «الشباب يسأل والرئيس يجيب»، تخصيص عام للإعاقة، فاستجاب له، وإنما بدأ تحديدًا يوم الخامس من ديسمبر 2014، عندما استجاب الرئيس لدعوة (منعم) الذي كان ضيفًا على برنامج الإعلامي أسامه كمال، ساعتها طلب (منعم) حضور الرئيس لمباريات الأوليمبياد الخاص بهم.. وبعد الحلقة سأل (منعم) الدكتورة غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعي: هو الريس هييجي بجد.. ردت بإشفاق: غالبًا مش هيقدر يا منعم، لأن مشاغله كتير قوي.. قال لها، بتلقائية من كان في معية الخالق: أنت مش عارفه.. أنا حاسس أنه جاى.. وفعلًا، حضر الرئيس المباريات ودعا كل أعضاء الفريق المصرى على العشاء.
لذلك، لم أجدها غريبة أن يواصل الرئيس عبد الفتاح السيسي دعمه واهتمامه بذوي الإعاقة، انطلاقا من رؤيته بأن المجتمع الذي يقدر قيمة أبنائه وبناته من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولاسيما المتفوقين والأبطال منهم، فيرفع من شأنهم، ويثمن إنجازاتهم، ويعمل على تمكينهم ودمجهم في شتى مجالات الحياة، لهو المجتمع الأقرب لتحقيق آماله، وبلوغ ما يصبو إليه من نهضة شاملة في جميع المجالات.. ولم يكن غريبًا أيضًا دعوته أبناء مصر للتبرع، ولو بقدر ضئيل من دخولهم، عبر الدولة المصرية، لصالح صندوق دعم ذوي الإعاقة، وتقنين ذلك، من خلال تشريع يقوم عليه البرلمان المصري.. صحيح، أن ذلك سيُطلق أسراب الدبابير، الذين اعتادوا انتقاد ما يصدر عن رأس الدولة من أفكار ورؤى، تصب في مصلحة المواطن، لكن نحن في مرحلة لا يجب علينا أن ننظر إلى الخلف، أو نستمع إلى من يريد جرنا إلى الوراء، فليست بدعة مصرية أن يتحمل القادرون وغيرهم، جزءًا مما قد يُصلح من أحوال أبناء لنا، موجودون في بيوت بعينها، لا ندري أسيكون في بيتنا واحدٌ منهم في قابل الأيام أم لا.. فقط افعل اليوم ما يسرُك في الغد أن ترى ثماره.
سأروي لكم قصة فتيات وشباب تحلقوا حول زوار إحدى الكنائس في برلين، بألمانيا، وقد حمل كل منهم علبة من الصفيح، أو ما نسميها نحن «حصالة»، وبمنتهى الشياكة، راحوا يشرحون للناس حملتهم، والذي يجمعون من أجله المال، وأثره الإنساني، على المُتبرع والمُتَبرع له.. أذكر وقتها أن تدافع جمهور الزوار على التبرع، كلٌ بما تجود به نفسه، بعد أن علموا أنها أموال تذهب لعلاج مرضى السرطان، ولإصلاح أحوال ذوى الإعاقة، الذين يحظون برعاية الدولة أصلًا.
هذه ليست الأولى في إجراءات الرئيس لصالح متحدي الإعاقة، كما أحب أن يكونوا، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من الإجراءات، وضعت أباءنا هؤلاء في عين الرئيس، وكلها كان مع عامهم، عام 2018، الذي تم إعلانه عامًا للأشخاص ذوي الإعاقة، وفيه وجه الرئيس السيسي بإنشاء صندوق خيرى لهم، يقدم معاشات لـمليون ومئتا ألف معاق، كما خصص مليار جنيه لعلاج من لديهم مسببات العمى فى مصر والكشف عن أمراض العيون، ثم كانت الموافقة النهائية للبرلمان، على القانون الذي يرعى مصالحهم ويحافظ على حقوقهم، وغيره مما يدفع الأمل في النفوس، بأننا نسير على الطريق الصحيح لبناء مصر الحديثة، لأن بلدًا يهتم بمعوقيه، لدليل على عافية هذا البلد ونضج من يقومون على قيادته.
يبقى بيت القصيد في كل موضوع يخص البلاد، وهو نشر الوعي به وبأهدافه ومراميه، وخلق خالة من الفهم له والالتفاف حوله، وخاصة ما يتعلق بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، «فإنه من مسئولية وسائل الإعلام المختلفة، أن تعمل على زيادة الوعي بقضاياهم ومشكلاتهم، مع الحرص على تقديم خدمات إعلامية تناسبهم وتتفق مع طبيعة كل إعاقة، فضلًا عن تسليط الضوء على الفعاليات والأحداث الخاصة بهم، والنماذج الناجحة منهم».. هذا ما قاله الرئيس، ويبقى أن نسمع صوت الضمير المهني، لإعلام مازلت مُصرًا على أنه يغط في نوم عميق، لا يدري حقيقة ما يدور على أرض المحروسة.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.