رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طارق أسعد.. الولى العالم


عرفت الدكتور طارق أسعد، أستاذ ورئيس قسم الطب النفسى والمخ والأعصاب بجامعة عين شمس، الذى انتقل إلى رحمة الله، الأربعاء قبل الماضى، منذ حوالى ١٣ عامًا، أثناء فترة الامتياز، ومع بداية عملى فى مركز الطب النفسى بجامعة عين شمس، وكانت بداية التعارف فى محاضرة عن القلق العام.

كان نموذجًا مغايرًا لكثير من الأساتذة الذين يتعمدون السخرية والتعالى على طلابهم والتقليل من شأنهم، ولا يعطون المعلومة بالشكل الكافى، كأنهم يرون أن ما لديهم من علم، يجعل لهم أفضلية على هؤلاء الطلبة، متبعين منهج قارون الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة القصص، إذ قال قارون لقومه «إنما أوتيته على علم عندى..»، لكن الدكتور طارق كان يتصدق بعلمه الغزير على طلبة العلم، وكان يشير فى محاضراته إلى أحدث الأبحاث المنشورة فى كبرى المجلات والنشرات العالمية.

نعود مرة أخرى لبداية التعارف بينى وبين العالم الجليل، إذ ذهبت إليه بعد إحدى المحاضرات وسألت عن جزئية معينة، فوقف معى أكثر من ١٠ دقائق، يشرح لى ببشاشة غير عادية وسألنى عن اسمى، حتى التقيته عقبها، لأجده يبادرنى هو بالسلام: «أهلًا دكتور إبراهيم عامل إيه؟»، قلت لنفسى كم هذا الرجل جميل، كيف يستطيع أن يزيل الرهبة من قلبك، كيف يجعلك تحب العلم؟!

بدأت أبحث وأسأل عنه زملائى والأساتذة، فوجدت أنه واحد من أهم خبراء الطب النفسى فى العالم وليس فى مصر فقط، وله عدة أبحاث منشورة فى كبرى النشرات العالمية.

مرت أيام وبدأت أنوب عنه فى بعض الحالات التى تدخل المركز، ومنها حالات الإدمان، فوجدت المرضى يقولون فيه الشعر، ويحكون عن معاملته لهم بآدمية تحترم ضعفهم البشرى، وانجذبت بطريقته فى ترويض مرضى الإدمان، وكيف يتحولون أمامه إلى أشخاص لطفاء رغم أنهم كانوا قبل دقائق، يتعاملون معى بتحدٍ شديد ويكسرون الأوامر، فسألت أحدهم: «ما الذى جعلك تبدو لطيفًا أمام دكتور طارق؟»، فقال لى إن «السبب فى ذلك هو أدبه وتواضعه وإنسانيته قبل علمه».

وتابع الرجل: «يا دكتور أغلبكم يتعامل معنا بالكتاب والعلم فقط، ومنكم من يحتقرنا ويخافنا ومن نشعر معه أنه مجبر على التعامل معنا، لكن الدكتور طارق يتعامل معنا بإنسانية شديدة»، وأخذ يسهب فى سرد مواقف الدكتور طارق، ومنها أن والدة المريض كانت مريضة هى الأخرى، أثناء حجزه فى المستشفى، وأراد أن يسأل عنها بأى طريقة، لتزوره والدته بعدها وتخبره بأن الدكتور زارها وأحضر لها طبيبًا على نفقته الخاصة، وبكى المريض ووجدتنى أبكى معه لرقى وإنسانية الدكتور طارق، مواقف إنسانية كثيرة، لا حصر لها معى ومع المرضى ومع الطلبة، وأغلبها يكشف مدى زهد وتواضع العالم الجليل.

أذكر له أيضًا موقفًا فى أحد البرامج التليفزيونية المسجلة، للمذيع طونى خليفة، ذهبت إلى الاستديو فوجدت الدكتور طارق ينتظر تسجيل حلقته، وشعرت بالتوتر والإحراج لظنى أنه غير مرتاح لظهور تلاميذه فى الإعلام، إذ لا يحبذ أغلب الأساتذة الظهور الإعلامى للطلاب بحجة أنهم غير مؤهلين لذلك، أو كيف تدركهم الشهرة قبل الأساتذة، لكنه أبصر ارتباكى وقلقى بحكم فراسته، فوجدته يطمئننى ويمازحنى سائلًا عن موضوع الحلقة، ويعطينى بعض المعلومات والنصائح، فخجلت من نفسى أكثر لأن الإعداد قال لى إننى سوف أسجل قبله، فرفضت وقلت إن هذا لا يصح، وكيف يسجل التلميذ قبل الأستاذ، ليتدخل الدكتور ويهدئ الموقف، قائلًا إن الموضوع بسيط، وتابع «الأخ الكبير بيفرح بإخواته وأنا هفرح بيك لو طلعت واتكلمت كويس».. كانت هذه الكلمات كافية لتجعلنى فى قمة الراحة النفسية.