رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علاقات بلا أساس


من المؤكد أن هناك أسبابا كثيرة لحدوث الطلاق بين الشباب، إلا أن تزايد نسبة الطلاق تجعلنى أتوقف عندها قليلا، حيث تزايدت نسب الطلاق بين الشباب فى السنوات الأخيرة.. وفى سنة ٢٠١٧ قل عدد المتزوجين وزادت نسبة الطلاق وذلك وفقا لأحدث إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.. فقد انخفضت نسبة الزواج فى ٢٠١٧ عنها فى ٢٠١٦ بنسبة ٢٫٨٪ بينما ارتفعت نسبة الطلاق إلى ٣٫٢٪ فى ٢٠١٧ عنها فى ٢٠١٦.
معنى هذا أن هناك خللا ما فى علاقات الزواج.. وأنها علاقات على غير أساس سليم من المودة والرحمة والحب والتعاون والعطاء والكفاح والمسئولية، إن هذا يعكس أيضا تغيرا فى أسس العلاقات وتراجعا فى القيم واستهانة برباط حياة من الضرورى أن يتم على أسس سليمة لينجح فى تأسيس أسرة وإنجاب أبناء وكفاح سنوات من أجل إنجاح هذا الارتباط الذى يعتبر النواة الأولى التى يتشكل منها المجتمع.. لقد لاحظت فى السنوات الأخيرة أن كثيرا من حالات الزواج بين الشباب تنتهى بعد فترة بسيطة ولا تستمر، وأن كثيرا من العلاقات قد أصبحت تقوم على أساس المصلحة، بل كادت الرومانسية أن تختفى من حياتنا وحلت محلها علاقات مصالح أو خلافات على المادة.. والاستهانة بالمسئولية والنتيجة فشل الزواج عند أول مشكلة بين الزوجين.
فما الذى يجعل عدد حالات الطلاق يتزايد، بينما عدد حالات الزواج ينخفض؟.. إن الإجابة عن هذا السؤال كما لاحظت تكمن فى أساس الزواج بالدرجة الأولى هل هو قائم على الحب وعلى العقل معا؟، هل هو برغبة الفتاة أم هو زواج مرتب من الأهل؟، هل هناك توافق فى الميول والطباع؟، هل الشاب اليوم يتحمل مسئولية الأسرة كما كان يحدث فى الأجيال السابقة؟. من ملاحظاتى على الشباب وجدت أن ما يحدث الآن هو أن الشباب فى غالبية الأحوال لا يتحملون مصاعب الحياة وتغيرت نظرة الشباب للزواج، فلم تعد الحياة كفاحا مشتركا بين شابين، بل ارتفع سقف المطالب والطموحات، وأصبح الجهاز عبئا على الشاب وعلى الفتاة أيضا.. وإرهاقا وعبئا للآباء والأمهات والأهل بشكل عام.
بل أصبح الزواج يتم بحسبة مادية تغلب عليها المصالح والمطالب.. وفى حوار لى مع سائق أتوبيس بإحدى الوزارات وجدته يشكو من المطالب التى عليه أن يفى بها لابنته العروس التى لا بد أن يجهزها.. وأنه فى حاجة إلى ٣٥ ألف جنيه ليفى بمطالب العريس وأهله.. فلما سألته لماذا لا يتشاركان معا ويكافحان معا فليس بالضرورة أن تشترى كل ما يطلب منك وكل إنسان بمقدار استطاعته وليس بما هو فوق طاقته؟، هذا ما حاولت أن أقنعه به لكنه كان مصرا على ضرورة شراء كل ما طلب منه.. ولما رأيته بعدها وجدت أنه كان قد استدان من بعض الأصدقاء، وتقدم بقرض فى عمله وحصل عليه حتى تتزوج ابنته.. وبالفعل تزوجت لكنها سرعان ما تم طلاقها بعد سنة لأن العريس كان شابا مستهترا وليس لديه عمل ثابت وكان يعنّفها، وحدث أن تطاول عليها ثم اكتشفت أنه يتعاطى المخدرات.
وهكذا عادت الابنة مطلقة إلى بيت الأب الذى كان يريد أن يزوجها بأى وسيلة، لم تدم الخطوبة إلا شهرين لم يتسن لهم أن يكتشفوا أنه لا يصلح كزوج تدوم معه الحياة وتؤسس معه أسرة وأبناء. وهكذا عادت الابنة إلى بيت والدها تجر أذيال الندم والتحقت بعمل لدى ترزى سيدات لتسديد ديون الأب المتراكمة.
هذا مثال على مشهد يتكرر كثيرا.. لهذا نحن فى حاجة إلى إعادة النظر فى كثير من العلاقات الحالية، خاصة الزواج، لأنه ارتباط مقدس ينبغى أن يقوم على أسس سليمة وتعاون مشترك ومحبة ومودة حتى لا ينتج عنه أبناء يعانون من التفسخ الأسرى والخلافات المستمرة والطلاق الذى يعانى منه الأبناء أشد معاناة. ينبغى أن يعى الشباب أن الزواج رباط مقدس، نجاحه يعنى تكوين أسرة سليمة ومجتمعًا مستقرًا وأبناء تتم تنشئتهم على أسس سليمة.. أما فى حالة الطلاق فإن تبعاته تكون مشاكل وخلافات مستمرة ومعقدة تصيب الأبناء وخصومات تملأ المحاكم، وحالات طلاق تتزايد عاما بعد عام مع تراجع فى نسبة الزواج الذى هو أساس استقرار المجتمعات.