رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقه الأولويات.. الإنفاق على بناء المساجد أم على مواجهة الإلحاد؟

جريدة الدستور

الأرض كلها جعلت مسجدًا وطهورًا لأمة محمد صلي الله عليه وسلم، وجائز للمسلم أن يصلي في أي مكان كان وحتي في الخلاء دون اللجوء إلي المسجد، لكن نجد نفقات باهظة علي بناء وترميم المساجد حتى وصل الأمر إلي طلائها بالذهب والكريستال.

ففي الوقت الذي يزداد فيه عدد المساجد نجد علي الجانب الآخر، نفور الناس من الدين وارتفاع نسب الإلحاد بين الشباب، وظهر ذلك علي مواقع التواصل في الفترة الأخيرة من الإفصاح عن موقفهم من الدين وطرح شبهات وعدم وجود من يرد عليها وعدم مناقشتهم.

" الدستور" تطرح سؤالها حول أيهما أولى الإنفاق علي مواجهة الإلحاد أم على بناء المساجد وزينتها؟

◘ مواجهة الإلحاد أهم من بناء المساجد

قالت د.فتحية الحنفي، أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة، جامعة الأزهر، إن مواجهة الإلحاد أهم من بناء المساجد، لكن كيف لو قصّرنا الأمر على مؤسسة الأزهر فالأمر لا يكفي لأن الأزهر يجاهد بكل ما أوتي من قوة، وهناك اتجاه مناهض للأزهر، فكل ما فيه إرهاب أو ضرر يلصقوا التهمة بالأزهر وكأنه منبع للإرهاب.

أضافت الحنفي، لـ"الدستور"، لكي نواجه موجة الإلحاد لا بدّ من كل مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسة الإعلامية لمواجهة هذا الإلحاد وذلك بعقد دورات تدريبية للشباب سواء في المدارس الجامعات المساجد، وكذا كل وسائل الإعلام لبيان صحيح الدين وبث روح الانتماء للدين والوطن، وكذا عقد المناظرات للمتخصصين لمواجهة هذه الموجة الإلحادية.

أكدت أستاذ الفقه، أن الأمر واجب علي كل فرد بدءًا من الأسرة إلى أعلى مؤسسة في الدولة ووجب بذل المال في سبيل ذلك لبناء عقلية سوية أساسها فطرة الإسلام عملا بقوله "ص" كل مولود يولد علي الفطرة فابواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجسانه".

طالبت الحنفي رجال الدين وكل مسؤل بالدولة أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر بكل ما يملك الإنسان حتي لو بالكلمة وذلك أضعف الإيمان.

◘ الإلحاد أشد خطرًا من السلاح

وقال الدكتور محمد سالم، مدرس التاريخ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، حلت العديد من المنشآت الحديثة محل المسجد في العديد من الأدوار كالمدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية وكذا البرلمان وهكذا فاصبح دور المسجد في الأغلب مقصورًا على الجمع والجماعات ودروس الوعظ والارشاد والتثقيف الديني والأخلاقي ومن ثم فإن مسألة تعدد المساجد في البلد الواحد من الأمور غير المستحبة.

أضاف، لـ" الدستور"، أنه نرى الآن قري صغيرة بها أكثر من 10 مساجد لا تكاد ترى في كثير منها في صلاة الجمعة أكثر من صفين فضلًا عن صلوات الجماعة، وعند النظر إلى تكلفة كل مسجد ما بين السيراميك والدهانات والزخارف والأساسات نجد أن المسجد الواحد يتكلف أكثر من نصف مليون جنيه على أقل تقدير.

وتابع: الأولى توجيه تلك الأموال إلى مشروعات أخرى أهم وأنفع لا سيما وأن المساجد عديدة وكثيرة وتزيد عن الحاجة، ومن تلك الأولويات محاربة التطرف والإلحاد.

وأكد مدرس التاريخ أنه لا بدّ أن نعرف جميعًا أن الإلحاد أشد خطرًا وفتكًا من حمل السلاح وقتل النفس وتخريب المنشآت فخطر الفكر وزعزعة العقيدة لدى الشباب ولدى جموع الأمة أمر من الخطورة بمكان وهو مطلب وأقصى أماني أعداء الإسلام قديمًا وحديثًا.

أشار سالم إلى أن مواجهة الإلحاد لا أقول فرض كفاية علي مؤسسة بعينها أو أفراد بعينهم بل هو فرض عين علي كل قادر مستطيع بأي وسيلة من الوسائل سواء بالتعليم والتثقيف والتوعية وهو دور الدعاة والمفكرين والمتخصصين والعلماء أو بالتمويل وهو دور الأغنياء ورجال الأعمال والميسورين أو مؤسسات الدولة المختلفة كل من موقعه.

ولفت مدرس التاريخ إلى أن أهل التشريع والحقوقيين بالتشريع وسن القوانين المضادة له، والأزهر بمبارزته له وبيان عواره وعوجه، وتقويمه، والأعلام بتخصيص مساحات اعلامية لمواجهته وهكذا نجد أن الجميع يتشارك في هذه الظاهرة الخطيرة.

وأكد سالم، أن من باب أولى بدلًا من زيادة بناء مساجد أصبحت تفرق أكثر ما تجمع أن نوجه تلك الأموال إلى مواجهة هذا الخطر الذي من الممكن أن يلتهم الأمة وذلك من خلال تخصيص قنوات خاصة لمواجهته وعمل معهد علمي مهمته هو مواجهة الإلحاد والرد عليه بالحجة والبرهان وغيرها من الحيل التى من الممكن أن نتحدث عنها في وقت لاحق.

◘ المواجهة نوع من الجهاد

ويرى الدكتور سامي العسالة، مدير التفتيش العام الديني السابق بوزارة الأوقاف، أولى الإنفاق على مواجهة الإلحاد لا على بناء المساجد فالساجد قبل المساجد كما يقولون، فالمسجد هو بناء الله الذي يجب الاهتمام به، وتركه دون اهتمام ورعاية، حتى يزج به في براثن الإلحاد، أو ظلمات التطرف أو الإرهاب، إنما هو هدم لهذا البنيان، ومن بنى مسجدا يستطيع أن يبني ألف مسجد، لكن لنركز على بناء الساجد فهو من سيعمر المساجد.

وتابع: أرى أن واجب الوقت إنما يحتم توجيه الصدقات والنفقات في هذا الجانب، لأن أعداءنا إنما يملون الإلحاد وكذا الإرهاب بأموال طائلة.

أضاف لـ" الدستور" أن الذين يطلبون من الناس توجيه أموالهم لصالح بناء المساجد دون أن يخطر ببالهم سؤال رئيسى نابع من فقه الأولويات وهو هل بناء المساجد أهم أم المدارس والمستشفيات، هل بناء المساجد أهم أم مواجهة التطرف والإرهاب؟، هل بناء المساجد أهم أم مواجهة ظاهرة الإلحاد؟

وأكد العسالة أن مواجهة الإلحاد تحتاج إلى مال كثير يقدر بالملايين، وأن مواجهة هذه الأفكار، نوع من أنواع الجهاد والجهاد بالأموال يذكر في القرآن قبل جهاد النفس، حيث يقول تعالى: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون).

ولفت العسالة إلى أنه لا مانع من زينة المساجد والصرف عليها، لكن فقه الأولويات يتطلب توجيه هذا المال إلى قضية العصر التي من الممكن أن تهدد الإسلام كالإرهاب والإلحاد، والحمد لله المساجد والزوايا اليوم كثيرة لاتخطؤها عين ناظر، وآن الأوان أن نوجه الأموال في مصارفها المطلوبة، ومصرف (في سبيل الله) أوسع مما نتصوره.

وطالب مدير التفتيش السابق بضرورة الإفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة فى نشر الإسلام، ومخاطبة العالم كله، والرد على الملحدين وغيرهم، وأحسن الأزهر صنعًا عندما دشّن مواقع عديدة على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) آخرها بوابة الأزهر، كل ذلك بهدف التواصل مع العالم، والعمل على نشر الإسلام وتعاليمه بصورة صحيحة.