رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النصب ON LINE.. «الدستور» تخوض مغامرة العمل بشركة تسوق إلكترونى: المنتجات المعروضة تالفة.. وإعادة تغليف «المرتجعات» لبيعها من جديد

جريدة الدستور

فى أول نوفمبر الماضى، دفعت «سارة» ٨ آلاف جنيه لمندوب إحدى شركات الشحن، مقابل حصولها على ملابس اشترتها من إحدى شركات التسوق الإلكترونى، وبمجرد أن فتحت الملابس لتشاهدها فوجئت بأنها لا تماثل الصور المعروضة على الموقع الذى اشترت من خلاله.
شهر كامل استغرقته فى محاولة الوصول إلى الشركة لتقديم شكوى بسوء المنتجات حتى جاءها الرد: «المشكلة مش مننا ده حاجتك وإنتى اخترتيها»، لتضاف ضحية جديدة إلى قائمة ضحايا تعرضوا للنصب فى عمليات التجارة الإلكترونية، التى بلغ حجمها فى مصر ٦٨ مليار جنيه فى ٢٠١٧، وفق بعض الإحصائيات.
«الدستور» لم تكتف بشهادة «سارة»، والتقت غيرها ممن تعرضوا لـ«النصب الإلكترونى»، ثم خاضت التجربة من خلال محررها الذى تمكن من العمل فى إحدى هذه الشركات، ليكشف الكثير من المفآجات الصادمة.


الضحايا: تسلمنا ملابس «معيوبة».. ماطلوا حتى انتهاء فترة الاسترجاع.. واشتكينا فردوا: «مش عاجبك اعمل محضر»
تحكى «سارة» تجربتها مع إحدى الشركات، قائلة: «طلبت شحنة ملابس، وبعد أن رحل المندوب وفتحتها لم أجد ما طلبته، بل وجدت تكرارًا لنفس المنتج ٤ مرات بنفس المواصفات، بالإضافة إلى تلف بعضها، فقدمت طلب استرجاع المنتج من خلال موقع الشركة أكثر من مرة، وتواصلت بالخط السريع لتقديم شكوى عن الطلب الخطأ وتأخر الطلب الآخر، لكن لم أتلق أى رد من الشركة لفترة طويلة، حتى استلمت الطلب الآخر بعد أسبوعين بنفس المواصفات الخاطئة والخامات الرديئة غير المطابقة لما هو معروض على موقع الشركة».
وتشير إلى أنها بعد محاولات كثيرة من التواصل بالشركة تلقت ردًا من أحد ممثلى خدمة العملاء يخبرها بأن طلب الاسترجاع قد يُنفَّذ خلال الأيام المقبلة عن طريق مندوب سيأتى ليأخذ الشحنة، ثم يحول المبلغ المالى عبر الحساب البنكى، وتعيد طلب المنتج إذا أرادت.
انتظرت «سارة» أكثر من أسبوع ولم يأت المندوب، فاتصلت مرة أخرى بخدمة العملاء وشرحت موقفها ليكون الرد عليها بالاستخفاف من كلامها، وحين طلبت من ممثل الخدمة التواصل مع رئيس عمله كان رده أيضًا التجاهل وإلقاء اللوم عليها، على اعتبار أنه ذوقها الخاص فى الاختيار والشركة غير مسئولة.
أخيرًا، قررت «سارة» الذهاب بالشحنة إلى مقر الشركة بمدينة ٦ أكتوبر، وطلبت استرجاعها من مدير الفرع، فكانت المفاجأة عندما أخبرها بأن هذا المقر للاستلام فقط وليس الاسترجاع، برغم تأكيد ممثل خدمة العملاء لها أنه يمكنها استرجاع المنتج من هذا المقر، لتدرك فى النهاية أنها وقعت ضحية للنصب.
حالة أخرى كانت ضحية للنصب من إحدى شركات التسوق الإلكترونى المعروفة، إذ طلب «مصطفى» قسيمة شراء من موقع «سوق» لشاشة تليفزيون وهاتف خلوى تبلغ قيمتهما ٤ آلاف جنيه، وعندما تسلم الشحنة وجد الشاشة بها كسر من الأمام لكنها تعمل والهاتف غير مطابق لما طلبه.
اتصل «مصطفى» بخدمة العملاء لتقديم شكوى واسترجاع المنتج التالف وتبديل الهاتف الخطأ، وبعد أن قدم ٤ طلبات استرجاع فى الوقت القانونى، تلقى الرد من خدمة العملاء بعد شهر من المحاولات ليبلغه أحد ممثلى الخدمة بأن وقت الاسترجاع قد نفد طبقًا لقوانين الشركة، وعندما صمم على استرجاع طلبه كان الرد عليه بأن يقدم بلاغًا فى الشركة إذا أراد.
أما «محمود» فكان طلبه من أحد مواقع التسوق الإلكترونى زجاجتين من العطور الأصلية بقيمة ٢٠٠٠ جنيه، وفوجئ بعد تسلمه الشحنة بأنها مكسورة بالكامل، ولم يستفد من استخدامها ولو مرة واحدة، وعندما تواصل بالخط السريع للشركة لاسترجاع الطلب واسترداد ماله، قام ممثل خدمة العملاء بتهدئته وإبلاغه بأن الأمر سيعالج فى أقرب وقت وسترسل الشركة المندوب خلال يومين، وبالفعل جاءه المندوب وأخذ الشحنة وأبلغه بأن المال سيأتى عبر الحساب البنكى فى صباح اليوم التالى.
وعندما ذهب «محمود» إلى البنك لم يجد أى تحويلات، وأعاد مجددًا الاتصال بالشركة ولم يتلق سوى التجاهل، حتى ذهب إلى مقرها بالتجمع الخامس، وهددهم إن لم يأخذ ماله فى الحال سيتقدم ببلاغ فى الشركة عبر مباحث الإنترنت وحماية المستهلك.
ربما كانت حالة «علاء» الأسوأ من بين الحالات التى رصدتها «الدستور»، إذ طلب شراء اثنين من أجهزة التكييف، وتم إرسالهما بعد يومين فقط، فاكتشف أن أحدهما لا يعمل، فاتصل بالشركة التى أرسلت له رقم التاجر صاحب التكييف للتواصل معه، وأخبره الأخير بأن التكييف جيد والمشكلة فى كهرباء منزله.
يقول «علاء»: «أحضرت ٦ صنايعية أكدوا جميعًا أن الكهرباء جيدة والمشكلة فى التكييف، فاتصلت بالتاجر مرة ثانية وطلب منى الانتظار ٤٨ ساعة حتى يأتى الرد، ووصلت الـ٤٨ ساعة إلى ٤ أيام ولم يتصل بى أحد، وعندما اتصلت بالشركة رد علىّ مندوبها بأن التاجر أبلغهم بأن المشكلة كانت فى الكهرباء وتم حلها».
ويضيف أنهم «أكدوا لى استرجاع الجهاز، فانتظرت بعدها ١٥ يومًا ولم يأت رد، وظللت هكذا بين التاجر وشركة التسوق أحاول إعادة منتجهم التالف دون جدوى، حتى اتصلت بجهاز حماية المستهلك وفى انتظار حل المشكلة».
أما سهير محروس، فانتظرت ٢٥ يومًا حتى تسترد ثمن غسالة لم تصلها من الأساس، وأوضحت لـ«الدستور» أنها دخلت على أحد مواقع التسوق الإلكترونى وقررت شراء غسالة، وبالفعل نفذت الطلب يوم ٢٧ يوليو، واشترت غسالة سامسونج ٨ كجم ودفعت عن طريق بطاقة الدفع المسبق، وبناءً على اتصال من الشركة أكدوا لها أن التوصيل سيكون فى خلال من ١٢ إلى ١٦ يومًا.
وتابعت: «يوم استلامى الطلب انتظرت دون جدوى فاتصلت بالشركة التى كان ردها صادمًا: البائع ألغى الطلب بعد سحب قيمة الغسالة من حسابى الشخصى». وأضافت: «كلمت الشركة، فكان ردها: هانرجعلك الفلوس فى محفظتك فى جوميا وأنتى اسحبيها للكريدت كارد بتاعك فى خلال ٤٨ ساعة واشترى أى غسالة تانية. لكنى انتظرت ٢٥ يومًا حتى أستطيع استرداد أموالى التى سحبتها الشركة قبل أن يصلنى المنتج».


«السوشيال ميديا» تفضح المتورطين.. وموظفون فى خدمة العملاء: يأس العميل مهمتنا الأولى
مع كثرة الشكاوى من حالات النصب الإلكترونى، قررت «الدستور» الاقتراب من لعبة التسوق الإلكترونى، عبر تقدم محررها بطلب توظيف إلى إحدى الشركات العاملة فى المجال، ثم العمل عدة أيام داخلها بما يسمح لنا بالتعرف على كواليس هذا العالم.
فى أول أيام العمل بالشركة، رصد محرر «الدستور» وجود تلفيات واضحة فى المنتجات التى يجرى تسويقها، نتيجة سوء التخزين وعدم مراجعة جودة المنتجات قبل تغليفها ما يسمح بتمرير عدد من المنتجات التالفة إلى المستهلكين.
كما رصد عدم انتظام عملية تلقى الطلبات بين المصانع وأقسام التسوق بالشركة، ما يؤدى عادة لتبديل الطلبات أو خروج الشحنات إلى أماكن خاطئة.
أما قسم المرتجعات، المسئول بالأساس عن النظر فى المنتجات المعادة إلى الشركة، فالعمل فيه يتسم بسوء التنظيم والإدارة وتراجع كفاءة العمالة إلى الدرجة التى يجرى فيها من جديد تغليف هذه المرتجعات وإرسالها إلى العملاء بعد إعادتها كما هى.
فيما يؤكد العاملون داخل قسم الشكاوى بالشركة من الذين يتلقون شكاوى العملاء عبر خط الاتصالات السريع، أنهم لا يلتفتون إلى هذه الشكاوى كما لا يهتمون بالرد على العملاء من الأساس، وحين يضطروا للرد بعد تكرار الاتصال تكون الإجابات محفوظة وتهدف بالأصل إلى تهدئة العميل ووضعه على الانتظار أملًا فى حل مشكلته.
ويوضح العاملون أن مهمتهم تنتهى عند هذا الحد، لكونهم غير معنيين بحل المشكلة من الأساس، لذا فإن العميل بعد طول وقت الانتظار سيلجأ لإغلاق الخط بنفسه نتيجة يأسه من تلقى الإجابة، كما سيضطر للقبول بالأمر الواقع وقبول المنتجات التى اشتراها رغم عيوبها.
وخارج عالم الشركة، يمكن لأى متابع أن يبحث عن كلمة «النصب الإلكترونى» على مواقع البحث أو فى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، ليطلع على آلاف الشكاوى الخاصة التى تتحدث عن سوء منتجات شركات التسوق الإلكترونى وإهمال خدمة العملاء لشكاوى المواطنين.
ويوضح كثيرون على الصفحات أنهم اضطروا فى غياب حماية المستهلك وانعدام قوانين الرقابة على المشتريات الإلكترونية إلى إنشاء صفحات تعرض ما تعرضوا له من حملات نصب.
ومن بين أشهر الصفحات المنددة بشركات التسوق الإلكترونى تأتى مجموعة «The Power of Social Media Group» على موقع «فيسبوك»، التى يقترب عدد متابعيها من مليون شخص، لتجمع آلاف الشكاوى من العملاء.
جميع الشكاوى تحمل اتهامات من المواطنين لهذه الشركات بالنصب والسرقة وعدم مطابقة المنتجات التى يتم شراؤها مع المنتجات المعروضة على المواقع، ومعظمها يكون مصحوبًا بفواتير الشراء وصور المحادثات التى تمت بينهم وبين مسئولى شركات التسوق الإلكترونى.



«حماية المستهلك»: تجارة كلها «مطبات».. وخبير: تأكدوا من معلومات الموقع قبل الشراء «أون لاين»
حول انتشار الظاهرة، قالت سعاد الديب، رئيسة اتحاد جمعيات حماية المستهلك، إن زيادة عمليات التجارة الإلكترونية فى مصر دفعت جهاز حماية المستهلك إلى إضافة مواد بعينها فى قانونه الجديد لضمان حق المشترى الإلكترونى.
ورأت أن التجارة الإلكترونية كلها «مطبات»، نظرًا لغياب النص القانونى الواضح الذى يمنع النصب من خلالها فى الوقت الحالى، خاصة أن القانون الجديد لحماية المستهلك، الذى نُشر فى الجريدة الرسمية فى سبتمبر الماضى، سيدخل حيز التطبيق خلال شهر من الآن.
وأضافت أنه «لا توجد قوانين مطبقة حتى الآن تحمى المشترى الإلكترونى لعدم وجود شخصية واضحة للبائع الإلكترونى، أو مكان محدد لتجارته يمكن الرجوع إليه فى حال نصبه على المواطنين»، مشددة على ضرورة أن يحظى التاجر الإلكترونى بتراخيص وسجلات لتجارته بما يحدد هويته حتى تكون هناك ضمانات يرجع إليها المشترى حالة تعرضه للنصب.
وتابعت أن «مواد القانون الجديد تنص على إلزام البائع بالإعلان عن أسعار السلع أو الخدمات التى يعرضها بشكل واضح، على أن يتضمن السعر ما يفرضه القانون من ضرائب أو أى فرائض مالية أخرى، مع إلزام المعلن بتجنب أى سلوك خادع عن المنتج».
وكشفت عن أن القانون حدد ١١ عنصرًا يجب توافرها فى المعروض، منها طبيعة السلعة أو صفاتها الجوهرية والعناصر التى تتكون منها وكميتها ومصدرها ووزنها وحجمها وطريقة صنعها وتاريخ إنتاجها وتاريخ صلاحيتها وشروط استعمالها ومحاذيرها إن وجدت.
وعن كيفية حصول المواطن على حماية الجهاز من عمليات النصب، قالت إن «أول خطوات الحماية تتضمن أن يذهب المشترى إلى الجهاز ومعه فاتورة توضح كل البيانات حول السلعة وتاريخ الشراء واسم البائع، على أن يقوم الجهاز بعدها بالاتصال المباشر بالبائع لحل الأزمة».
وأضافت أن «الخطوة الثانية تكون بتكليف جهة فنية محايدة بفحص المنتج حال رفض البائع استرداد البضاعة ذات العيوب الفنية، ويكون ذلك على حساب المشترى، على أن يسترد التكلفة من البائع إذا أثبت الفحص وجود عيب فى الصناعة».
وبعد صدور التقرير الفنى، يرفع التقرير إلى مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك، الذى يتصل مرة ثانية بالبائع ويعرض عليه التقرير، وفى حال رفضه الاستجابة لقرارات الجهاز تتم إحالة التقرير إلى النيابة والقضاء، وفق رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك.
من جهته، وضع فادى رمزى، استشارى التسوق الإلكترونى والإعلام الرقمى، روشتة خاصة لحماية المشترى من النصب، وقال إن «المستهلك لا بد أن يكون لديه وعى كافٍ عند اختيار المواقع أو الأسواق، التى يشترى منها أون لاين، مع ضرورة البحث عن خبرات الآخرين فى هذه الأسواق للتأكد من جودة المنتجات».
وأضاف أن المشترى «لا بد أن يتأكد من أن الموقع الذى يشترى منه له علامة تجارية مشهورة، مع جمع معلومات كافية حول اسم البائع ومحل سكنه و(دومين) الموقع، للتأكد من صحة المعلومات واستخدامها حال التعرض لعملية نصب».
وأشار إلى أن السوق المصرية ما زالت فى بداية طريقها فى التجارة الإلكترونية، رغم أن عدد مستخدمى الإنترنت قارب ٥٠ مليون مستخدم، لافتًا إلى أن أغلب المستخدمين المصريين يدخلون الإنترنت للتعامل على مواقع التواصل الاجتماعى وليس عمليات البيع والشراء، فيما تتراوح نسب استخدام كروت الائتمان فى عمليات البيع والشراء بين ٣٪ و٤٪ فقط من بين مستخدمى الإنترنت فى مصر.
وأكد أن عمليات النصب التى يتعرض لها المواطنون فى البيع والشراء «أون لاين» تؤثر فى مستقبل التجارة الإلكترونية فى مصر، لكونها لا تملك حتى الآن منظومة لإدارة عمليات التجارة الإلكترونية من حيث القوانين والتشريعات، كما يحدث فى الدول الأوروبية والولايات المتحدة.