رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زعيم أكبر جماعة مُلحدة فى إنجلترا بعد انضمامه للصوفية: منهج السلفيين «تكفيرى»

جريدة الدستور

أسرتى عارضت إلحادى بشدة ثم أسلم أفراد منها
وسطية وأخلاق أهل المدد وراء انتشار منهجهم
لدينا عشرات الطرق الصوفية فى بريطانيا

فى أوائل الألفينات، كان محيى الدين آلن، يرى أنه لا يوجد خالق لهذا الكون، يرفض فكرة الأديان ويرى وجودها غير ضرورى، ولم يقتصر ذلك على مجرد اعتناق هذا المنهج فحسب، بل تزعم جماعة ملحدة فى إنجلترا، وحاول خلالها نشر ما يعتنقه ويؤمن به.
استمرت هذه الحالة حتى قررت الطريقة القادرية البودشيشية، إحدى كبريات الطرق الصوفية فى المغرب، تنظيم حضرة فى مدينة مانشستر، عام ٢٠٠٢، حيث استمع «آلن» للإنشاد وذكر الله، فحن قلبه ورق، وبكت عيناه، ومن ثم قرر دخول الإسلام. «الدستور» التقته على هامش الملتقى العالمى الثالث عشر للتصوف، الذى عقد فى المغرب مؤخرًا، فى حوار حكى فيه قصة تحوله من إنكار الخالق والأديان إلى اعتناق الإسلام، وكيف أسهم أهل التصوف فى تغيير صورة الإسلام لدى الغرب.

■ بداية.. هل صحيح أنك كنت ملحدًا لا تؤمن بأى أديان ولا بوجود إله؟
- بالفعل كنت ملحدًا، رفضت الإيمان بأى دين وأعلنت إننى لا أعتقد بوجود إله من الأساس، وأن الكون وُجد دون أى تدخل من أحد، كما كنت أنكر وجود آخرة وثواب وعقاب، مثلما تقول تعاليم المسيحية والإسلام على حد سواء.
حدث ذلك منذ ٢٠ عامًا، ولأنى لا أعترف بأى دين، كان من الطبيعى أن أصبح ملحدًا، وبالفعل انضممت إلى كبرى الجماعات الملحدة فى إنجلترا، ثم أصبحت زعيمها بعد ذلك، وكانت هذه الجماعة يزداد أتباعها يومًا بعد يوم، وينضم لها المئات من جميع أنحاء البلاد، وذلك لأن الحرية الموجودة فى أوروبا بصفة عامة تجعل الشباب والكبار والصغار عرضة لأن يتركوا الدين ولا يؤمنوا بأى عقيدة أو رباط مقدس.
■ كيف دخلت الإسلام إذن وأنت زعيم أكبر جماعة ملحدة؟
- دخولى الإسلام كان أمرًا مرتبًا من قبل المولى عز وجل، بدأ منذ رؤيتى «حضرة صوفية» خاصة بالطريقة القادرية البودشيشية فى مدينة مانشستر الإنجليزية عام ٢٠٠٢، فحدثت لى حالة غريبة من الانجذاب لما يرددونه، وعرفت فيما بعد أنه قصائد دينية تمدح الله والنبى محمد رسول الإسلام.
عندما سمعت هذه الكلمات التى كانت تردد خلال حلقة الذكر، شعرت بأن الله غسل قلبى من الذنوب والمعاصى التى ارتكبتها فى حياتى، خاصة بعد انضمامى للملحدين، وفاضت عيناى بالدموع، وجلست أبكى ومعى مجموعة من أعضاء الجماعة الملحدة، ثم تعرفت على أتباع «القادرية البودشيشية»، وأخذت قرارى بدخول الإسلام تاركًا عالم الإلحاد.
والحمد لله، بعد دخولى الإسلام عن طريق الصوفية، بين يدى شيخ الطريقة القادرية البودشيشية، مولانا حمزة القادرى بودشيش، دخل نحو ٣٠٠ ملحد الدين المحمدى، وبايعوا الشيخ، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فى حضرته.
■ ما وظيفتك قبل دخولك الإسلام؟ وما الذى تشتغل به الآن؟
- قبل أن أدخل إلى الإسلام عبر الصوفية، كنت صحفيًا فى كبرى الصحف الإنجليزية «لا أود ذكر اسمها»، وبعد انضمامى للدين المحمدى تركتها واكتفيت بأن أصبح مريدًا وخادمًا لفقراء الطريقة فى بريطانيا، بجانب عملى مصورًا فوتوغرافيًا داخل أحد استديوهات التصوير، وتستعين الطريقة بى فى تغطية الملتقيات والمؤتمرات الخاصة بها سواء داخل المغرب أو فى بريطانيا، أو غيرهما من الدول.
■ كيف تقبلت عائلتك إلحادك فى البداية، ثم انضمامك لإحدى الطرق الصوفية وإسلامك؟
- كان إلحادى غريبًا بالنسبة لهم فى البداية، ورفضوه تمامًا، مطالبين إياى بالرجوع إلى المسيحية، لكننى رفضت، وقُلت لهم إنه ليس هناك إله حتى أعبده، لكن بعد معرفتى بالصوفيين ودخولى الإسلامى على أيديهم، وجدت موقفًا مغايرًا منهم، بعد أن وجدونى رفقة أشخاص صالحين يعبدون إلهًا بخلاف الملحدين. ولم يقتصر رد فعلهم على الترحيب فحسب، بل انضم بعضهم للطريقة الصوفية فى المغرب، وبايعوا شيخها داخل ساحته المليئة بالمريدين من جميع أنحاء العالم، ثم دخلوا الإسلام، دين الفطرة مثلما وصفه لى سيدى حمزة القادرى بودشيش- رحمة الله عليه- وأصبحوا سعداء جدًا بى بعد أن كانوا يكرهوننى بسبب إلحادى، وهذا أمر عظيم جدًا.
■ ما الذى جذبك تحديدًا إلى المنهج الصوفى؟
- الظاهر للجميع أن التصوف منهج وسطى روحانى لا يكفر الآخر، يربى الإنسان على المحبة وطاعة الله عز وجل، فضلًا عن أنه منهج غير عدائى يحب الجميع ولا يكره أحدًا، فتجد أتباعه لا يكرهون أصحاب الديانات الأخرى، عملًا بقوله تعالى «لكم دينكم ولى دين». وما جذبنى أيضًا فى الصوفية، حالة الروحانيات والتجليات الموجودة عند أهلها، وغير الموجودة عند سواهم، بجانب الأدب والأخلاق العالية فى ساحاتها وزواياها، التى يقدم إليها الإنسان بإرادته الحرة، فيغسل بداخلها قلبه من الحقد والكراهية وأمراض النفس، وهو ما شهدته بنفسى وفى أصدقائى الذين أسلموا عبر الصوفية.
■ هل استطاع هذا المنهج الصوفى تغيير نظرة الأوروبيين إلى الإسلام؟
- بكل تأكيد.. نظرة الأوروبيين نحو الإسلام بدأت تتغير، فى ظل تزايد عدد المتصوفين فى جميع دول القارة العجوز، وتناقص عدد التيارات المتشددة والسلفية، بسبب عدم تقبل الأوروبيين بشكل عام، والإنجليز على وجه الخصوص، أصحاب الفكر المتشدد.
■ قلت إنك تبكى عند سماعك الإنشاد الصوفى.. لماذا؟
- لا أستطيع تمالك نفسى عند سماع القصائد والأناشيد التى تتحدث عن عظمة المولى عز وجل، لأنها تشعرنى بتقصيرى الكبير فى طاعة الله خلال الفترة التى سبقت دخولى الإسلام، وارتكابى الكثير من الذنوب والمعاصى آنذاك، كما أبكى لأننى علمت من شيخى أن كثرة البكاء والندم على معصيتى تجعل الله يغفر لى ذنبى، لذا أفعل ذلك دائمًا خلال وجودى فى الحضرة مع المريدين، وخلال قراءتى الأوراد والأذكار الفردية.
■ ننتقل للحديث عن الصوفية فى إنجلترا.. كم يصل عددهم هناك وفى أوروبا بصفة عامة؟
- يوجد آلاف الصوفيين فى إنجلترا، وينضم إليهم وللإسلام أشخاص جدد يوميًا، عن طريق شيخ الطريقة القادرية البودشيشية، الذى جذب إلى حضرته آلاف الإنجليز، ما جعل الساحة البودشيشية تمتلئ بالمريدين، من إنجلترا وخارجها. أما فى أوروبا، فتزداد أعداد الصوفيين بصورة كبيرة، خاصة فى إسبانيا وفرنسا.
■ كيف انتشرت الصوفية بين الإنجليز وتقبلوها رغم رفض مسلمين لأفكارها؟
- التصوف انتشر فى إنجلترا، كرد فعل لطغيان «الفلسفة المادية» التى انتشرت بصورة رهيبة بين الأوروبيين، لذا هربوا منها إلى دنيا التصوف المملوءة بالروحانيات والزهد والبعد عن شهوات الدنيا وملذاتها، حتى أصبح فى كل بيت إنجليزى أو أوروبى فرد منتمٍ للصوفية، وحتى لو لم يكن مسلمًا، يشارك فى احتفالاتهم وحضراتهم.
■ هل توجد طرق أخرى هناك غير «القادرية البودشيشية»؟
- نعم، توجد العشرات من الطرق الصوفية الأخرى فى إنجلترا، ومن بينها: «الشاذلية، والمدنية، والعلوية، والتيجانية»، لكننى لا ارتبط بأى علاقة بها، وأتبع فقط «القادرية البودشيشية»، وأشارك فى جميع حضراتها بساحتها فى إنجلترا، لكن تجمعنا مع هذه الطرق الأخرى علاقة حب ومودة، بجانب علاقة عمل وشراكة، لأن «القادرية البودشيشية» تتعاون مع جميع الطرق حول العالم الإسلامى.
■ ماذا عن علاقتكم بالتيارات السلفية والوهابية فى إنجلترا؟
- لا تجمعنا أى علاقة بالجماعات السلفية أو الوهابية، لأنهم يكفرون أهل التصوف، رغم أننا لا نكفر أحدًا ولا نخرجه من ملة الإسلام، وهو ما يجعلنا نتعجب كثيرًا ونتساءل: لماذا يكفرنا هؤلاء المتشددون على الرغم من أننا لا نكفرهم؟
الإجابة جاءت على لسان شيخنا حمزة القادرى بودشيش- رحمة الله عليه- الذى قال إن «الوهابيين المتشددين يتبعون تعاليم دينية خاطئة، ونسأل الله أن يهديهم»، ومن وقتها لا نجتمع معهم فى أى شىء، فهم لهم منهج خاص، ونحن لنا منهج وعادات أخرى معروفة للجميع، مثل الحضرة وقراءة الأوراد.
وأريد هنا التأكيد أن المنهج التكفيرى الذى يتبعه هؤلاء السلفيون بشكل دائم، جعل الإنجليز يخافون من هذه التيارات، ويهربون إلى ساحات الصوفية، ويدخلون للإسلام عبر التصوف.
■ ما أبرز ما تؤديه الساحات الصوفية فى إنجلترا وأوروبا؟
- الساحات الصوفية المنتشرة فى إنجلترا وأوروبا، تعمل على تربية المريدين الجدد، وجذب آخرين للطرق التى تمثلها، وتعريفهم بمبادئ وأفكار الدين الإسلامى الحنيف، والمنهج الصوفى الوسطى الذى لا يكفر أحدًا من المسلمين أو غير المسلمين.
■هل تواجهون أى مضايقات من السلطات؟
- السلطات هنا تطمئن للصوفيين، خاصة بعدما وجدتهم جماعات مسالمة ليست لهم أى علاقة بالسياسة أو شئون الحكم، يجلسون فى زواياهم يذكرون الله ويتدارسون أمور الدين، الأمر الذى جذب كبار رجال الدولة للتعرف على الصوفية وأفكارها، بل والمشاركة فى حضراتها وذكر الله معها، ثم اعتناق الإسلام عن طريقها.