رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف ضد المرأة.. صنيعة المرأة!


يصف علماء الإجتماع العنف ضد المرأة بأنه «سلوك عنيف مُتعمَّد موجّه نحو المرأة، يأخذ عدة أشكال، سواء كانت معنويّة أو جسدية»، وحسب تعريف الأمم المتحدة فإن «العنف ضد المرأة، هو السلوك المُمارس ضد المرأة مدفوعًا بالعصبيّة الجنسية، يؤدّي إلى معاناة وأذى يلحق بها في الجوانب الجسديّة والنفسيّة والجنسيّة، ويُعدّ التهديد بأي شكل من الأشكال والحرمان والحد من حريتها في حياتها الخاصة أو العامة من ممارسات العنف ضدها».. هذا العنف يعد انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان؛ إذ يمنعها من التمتع بحقوقها الكاملة، وله عواقب خطيرة لا تقتصر على المرأة فقط، بل تؤثر في المجتمع بأكمله؛ لما يترتب عليه من آثار اجتماعيّة واقتصاديّة خطيرة.. وهو ظاهرة عامة، لا تعرف ثقافة أو ديانة أو بلدًا أو طبقة اجتماعيّة بعَينِها.
وتعد العوامل الاجتماعيّة من أبرز الدوافع لارتكاب العنف ضد المرأة، وتشمل تدني مستوى التعليم وتفشي الجهل بين أفراد المجتمع، وبالتالي سهولة التأثُّر في المعتقدات الخاطئة المُتعلقة بشرف العائلة والعفاف والتي تنتشر في المجتمع والبيئة المُحيطة، إلى جانب تبنّي وجهات النظر الداعية إلى فرض القوة الذكورية والتي تظهر على شكل العنف الجسدي والجنسي على حد سواء، كما تؤثر العوامل النفسية التي تشكلّت في شخصيات مُرتكبي العنف ضد المرأة في الصِغَر بشكل كبير في سلوكياتهم، والتي تظهر على شكل سلوك عدائي في الكِبَر.. ومن أبرز هذه العوامل النفسية تَعرُّض مُرتكب العنف للإيذاء بأي شكل من الأشكال في طفولته، أو وجوده في بيئة أُسرية تنتشر بها حالات تعنيف الأبوين، أو اعتداء الأب على الأم بأي شكل من الأشكال، إلى جانب اضطرابات الشخصية التي قد تُؤدي إلى خلق شخصية مُعادية للمجتمع.. وتأتي العوامل الاقتصادية في مقدمة دوافع العنف ضد المرأة التي تشهدها عدة مجتمعات في وقتنا الحالي؛ والسبب في ذلك يعود إلى الضغوطات الاقتصادية التي تُعاني منها شريحة واسعة من المجتمع، وتدني المستويات المَعيشية، وتفشّي البطالة والفقر، حيث تُشكل هذه الأسباب مُجتمِعَة ضغوطًا نفسيّة كبيرة على مُعيلي الأُسرة، التي تتصادم في كثير من الأحيان مع نزعة المرأة الاستهلاكية.
ومن أبرز الإحصاءات التي توصلت إليها كل من منظمة الصحة العالمية، وكلية الطب وطب المناطق المدارية في لندن، ومجلس البحوث الطبية في جنوب أفريقيا، أن أكثر من 35% من نساء العالم تعرضنّ للعنف الجسدي أو الجنسي على يد أحد الأقرباء لهنّ، من شريك حميم أو غيره من الأشخاص.. تعرضت 30% من نساء العالم للعنف الجسدي على يد شريكهم في العلاقة.. 38% من جرائم قتل نساء في العالم كانت على يد الرجال الذين كانت تربطهم بهنّ علاقة.. تعرضت 7% من نساء العالم للاعتداء الجنسي من قِبَل شخص لا تربطهم به علاقة.. وصلت احتمالية ولادة النساء اللواتي تعرّضن للعنف الجسدي لأطفال ذوي وزن ناقص لـ 16%، بينما وصل احتمال إصابتهن بالاكتئاب إلى الضعف.
ويزيد الطين بلة لهذه الظاهرة، عدم وجود قوانين رادعة لأي مظهرٍ من مظاهر العنف ضد المرأة، مما ساهم في نشوء العنف ضد المرأة، والإساءة لها وسلبها حقوقها، كما يُلاحظ وجود بعض القوانين التي تُنصف المرأة، لكنها ظلت حبرًا على ورق، دون تطبيقٍ أو تفعيلٍ لأسبابٍ عديدة.. وقد يدفع الجهل بالدين بعض رجال الدعوة أو الدين، إلى زيادة حقد الأزواج على زوجاتهم مثلًا، أو دعوة الأب إلى تشديد الخناق على بناته، أو تحميل المرأة بشكلٍ مُطلقٍ مسؤولية الفواحش، ما ظهر منها وما بطن في المُجتمع وحياة الناس.
وتلعب بعض النساء دورًا مُهمًا، في تطور ونشوء ظاهرة العنف ضدهن، من خلال الاقتناع بالأمر الواقع، وعدم التصدي لهذه الظاهرة بأي شكلٍ ممكن، فترى بعض الزوجات يصمتن عن تعرّضهن للعنف الجسدي، من أجل البقاء إلى جانب أطفالهنّ، مع العلم أنّ سكوت الزوجة، يُعرّض نفسيّة الأطفال للضرر الفادح، بفعل الضغوط الكبيرة التي ينشأ الطفل وهي تُحيطه من كلّ صوب، كما قد تصمت المرأة العاملة عن تحرش موظف أو مدير بها، خشية خسارة الوظيفة، أو أنّها تُفضّل الانسحاب من العمل، بدلًا من اتخاذها لتصرفات إيجابية، بالشكوى إلى الأدارة العامة التي تتبعها، أو الشكوى لجهات الاختصاص الرسمية، كمراكز الشرطة أو مجالس حقوق المرأة.
لكن ثالثة الأثافي، تكمن في تلك التربية التي تقوم في مجتمعاتنا على مبدأ «اكسر للبنت ضلع، يطلّع لها أربعة وعشرين».. مبدأ خاطئ، تعتنقه الأم التي تغرس في نفوس أبنائها مفاهيمًا ذكورية، تُعلي من سلطة الابن على أخواته، فإذا ما ارتكبت الابنة خطأً، ولو كان تافهًا، دفعت بهذا الأخ إلى أن «يكسر رقبتها»، فإذا ما اشتكت البنت لأمها سوء حالها، ردت عليها «تستاهلي قطع رقبتك».. هذه التربية الخاطئة، تصنع بها الأم أجيالًا خانعة من بناتها، وذكورًا، من أبنائها، اعتادوا على الاستهانة بقيمة المرأة والاجتراء عليها، دون اعتبار أنها كائن كرمه خالقه، وفضله الله عما عاداه في مواضع كثيرة، وأنها، بفعل ما آلت إليه المجتمعات، ربما تكون أكثر مساهمة في بناء المجتمع من شريكها الذكر.. وتتفاقم الأزمة، حينما تُقر بعض المجتمعات بعدم أحقية البنت في ميراث أبيها، وإنما هو ملك خالص للأبناء دون البنات، وهو ما تُساعد عليه الأم وتشجعه، فمن غير المعقول خروج (الطين) أو العقار أو الأموال إلى (الغريب)، الذي هو زوج هذه البنت، وللأسف، يقف المجتمع شاهدًا على تلك المهازل، دون أن يُحرك ساكنًا، وقد صارت هذه السلوكيات عُرفًا أقوى من القانون.
وقبل أن يكون القانون رادعًا لهذه الظاهرة، يجب العمل سريعًا على دحر الثقافة القائمة على تهميش المرأة والإساءة لها، عبر خططٍ اجتماعيةٍ وتنمويةٍ تشاركية، تُساهم فيها المؤسسات الرسمية الفاعلة، والمنظمات الأهلية والمدنية في المجتمع، ورجال الإصلاح والدين، ووسائل الإعلام المحلية كذلك.. دفع الناس إلى ممارسة الحياة، جنبًا إلى جنب بمشاركة المرأة، حيث تخشى العديد من العائلات منح المسؤولية للنساء، أو معاملتهن بشكل مختلف عن الآخرين، خشية مهاجمتهن بالكلام وتشويه السمعة، وهذا ما يُعزز من وجود التخلف الاجتماعي والثقافي، وجعله ينخر في عقول المجتمعات لعقودٍ طويلة.. وبعد ذلك يمكننا التحدث عن تفعيل القوانين الخاصة بحفظ حقوق المرأة، سواء على صعيد الأُسرة، أو على صعيد العمل، والحقوق المشروعة، بالإضافة إلى إجراء العديد من التعديلات على القوانين القديمة، أو التي لم تعد مُجدية في الوضع الراهن.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.