"أقسى الشهور".. رواية الموت الذي يرتدي ما لا يعد من الأقنعة
صدرت حديثًا عن منشورات المتوسط رواية "أقسى الشهور" للكاتب العراقي شاكر الأنباري.
الموتتيمة يومية في بلاد الرافدين على امتداد عقود وعقود، لكنه خلال الألفية الراهنة، أصبح هاجسا يوميا لبني البشر.
تدور أحداث الرواية في العاصمة العراقية بغداد، شارع الدير، حيث تعيش الشخصيات في جو كابوسي، كافكوي، فموجة التهديد والقتل المتفشية في تفاصيل حياتهم اليومية تجعل تلك الشخصيات تسقط في مستنقع الريبة من الآخرين، ومراقبتهم في أدق التفاصيل. يتحول الآخرون إلى علامات موت، وشفرات اختطاف غير مفهومة.
تبدأ الرواية باكتشاف "جلال مَلَك"، وهو الشخصية الرئيسة في هذه الحكاية الميلودرامية، رصاصة ملقاة في سيارته، قرأها على أنها رسالة تهديد، قادته إلى وعي جديد، إذ تجلّى له الزيف الذي حكم حياة مجتمعه سافرا، تجلى العنف، والوهم الذي عاشه بحياة أفضل، بعد حقبة الحروب والغزو الأميركي، وتمزقات المجتمع، والصراع المستشري بين هيمنة القتلة والمتزمتين وطموح الأغلبية الساحقة في الحرية، والاستقرار، والسعادة، والانسجام المجتمعي.
أحداث الرواية تدور في شارع قديم اسمه شارع الدير، يقع في منطقة الدورة، وهي ضاحية بغدادية معروفة، وقد أصر المسلحون على تغيير اسم الشارع إلى شارع الزير، فهم يمقتون الأسماء المسيحية كونها لا تتماشى مع أصول الدين وحرمة دياره. فنجد أنفسنا في بغداد المتاهة، والفخاخ المستبسلة في موتها: الاغتيالات، والاختطافات المباغتة، والتهديد غير المعلن، حتى يجد الفرد نفسه في مستعمرة عذاب جديد، وكأنه لا ينتمي إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهذا ما عاشه جلال ملك في أزقة، وشوارع، تلك العاصمة المكفهرة، الحانية، الجميلة، البشعة، المشطورة بنهر دجلة مثل عروس مختطفة بفعل سحر قادم من ليالي ألف ليلة وليلة.
لقد كتب على ذلك المواطن أن يعيش عالمه الكابوسي بروح قلقة متوجسة، وفي سعي دائب للهروب من الأرض، نحو سماء كان يراها من سطح بيته مكتنزة بالأسرار، والنجوم، والخلاص اليوتوبي الصوفي، والرفعة. لكن أصداء المعارك اليومية في شارع الدير، وبغداد العاصمة، سرعان ما تملأ سماءه، سماء الحلم، بكوابيس القتل، وقصص عصابات الاختطاف، وتجار الأعضاء البشرية، وبيئة الإرهاب والميليشيات، والصراعات المضمرة في وجوه المحيطين به، في مدينة تتمخض كل يوم عن أقسى ما في خزينها من عذابات، وكوابيس، وأحلام. هي رواية المتاهة الكابوسية، رواية الموت الذي يرتدي ما لا يعد من الأقنعة، في شرق فاقد للتوازن.