رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحق في التخفي


بعد رفض البرلمان المصري لمشروع قانون حظر النقاب.. التخفي صار حقًا !!.. ومطلبًا ينشده البعض ويشرع له البرلمان بل ويعطيه شرعية !!.. التخفي.. صار حرية شخصية يطالب بها الناس !!.. وبالتبعية أصبحنا نناقش ونتباحث حول البديهيات.. وكأن البديهي يحتاج لشرح أو توضيح أو حتى تبرير.. البعض يتحدث عن حقه فيما هو باطل ويريد التشبث بما قد يعتبره آخرون جريمة.. متشدقًا بالحرية الشخصية التي تضر غيره.. رسول الإسلام منذ قرون شرح وبشكل مبسط مفهوم الحرية النافعة والضارة مستشهدًا بالمركب وراكبيه.. ورغم ذلك يعمد الكثيرون.. وبعد قرون على تكسير مقاعدهم ليغرق المركب بالجميع.. المجتمع كالمركب الذي يتأرجح الآن ولن يقوى على الصمود طالما ظل المعنيين بشئون البلاد وقاطنيها يرسخون للخطأ ويعطون له مشروعية !!.
محاولات تكسير وهدم المركب وتفتيته من كل جوانبه تنبؤ بغرقه ومن عليه جميعا.. نوح راح والطوفان مستمر !! ولا قوارب نجاة سوى سيادة الدولة وسيادة القانون وإلزام ذلك القانون للجميع.. فرنسا العلمانية التي علمنها فولتير وأحسن تعليمها منعت الرموز الدينية في مدارسها ومصالحها الحكومية منذ سنوات فهبت الضباع لنهشها والبكاء على الإسلام والإخطار المحدقة به والتي تقاس عند هؤلاء بأمتار الأقمشة التي تغطي الرقاب والرؤوس.. وكأن الله يريد لنا ان نربح التجار ونروج لبضائعهم وصيحاتهم التي تطاردنا لا أن تستقيم الحياة لمن يحياها فيحيا الناس جميعا في أمان الله وسيادة القانون بقدرة هؤلاء الكاذبة صار الختان مكرمة للإناث وصار النقاب فضل والتشبث بالتخفي حق وصار الحجاب للعقل والقلب والروح والبصيرة !!.
و صارت برلماناتنا لا تمثلنا..بل توقع الشرور بمن تمثلهم.. فتتربص بالمفكرين وتهددهم بقوانين سيئة السمعة كخدش الحياء العام وازدراء الدين وترفض الآن منع التخفي وتبيحه !! فهل ستتحمل هي أوزار القاتل المتخفي وراء ذلك النقاب ؟!.. هل سيتحمل البرلمان المصري وزر القاتل المتخفي أن تخفى وقتل ؟.. ووزر الطفل المخطوف من مجهول ملثم ارتدى زيًا الصق كذبًا با لشرع والفضيلة ؟!.. تخيلوا معي مجتمع كامل من الملثمين.. رجالا ونساء !! ام هو حق للمرأة وجريمة للرجل ؟!
فمن باب الحرية الشخصية المفتوحة على مصراعيها.. بلا ضوابط او تقنين يصبح أيضا من حق الرجل إخفاء وجهه " هويته ".. فوجه الإنسان هو جواز عبوره للآخر.. وإخفاء الوجه يعني التخفي وراء ستار آو آيا كان اسمه.. والتخفي له مبرر واحد.. وهو إخفاء هوية ذلك المتخفي كي يفعل ما يحلو له خيرًا كان ام شرًا.. وبما أن الخير لا يخفيه صاحبه بل يتباهى ويفخر به صانعه.
فالتخفي يعني إذن أن ذلك المتخفي يريد ان يكون خافيًا عن أعين الناس ليفعل ما قد يضر الناس ولا ينفعهم.. خلال الثورة المصرية ظهرت جماعة " البلاك بلوك " التي اخفت وجوهها وصدرت للآخرين أنهم مجموعة من المواطنين الدونكيخوتية التوجه وأنها ستجلب الخير حتمًا للجميع.. فظهرت أمامها حينئذ جماعة مناهضة زايدت عليها وأسمت نفسها بال white block islam وكادت الجماعتين أن تتناحرا على أرضية الوطن الواحد وهي أرضية مشتركة رمادية اللون ليست سوداء وليست بيضاء.. فالوطن ومفهوم الدولة اكبر وأعمق بكثير من رقعة الشطرنج تلك التي أراد طرفيها التناحر على أرضية ليست ملكًا لهم وحدهم وليس من حقهم وحدهم أن يقودوا آو يسودوا آو يفرضون ثقافتهم على الغير.
هكذا يفعل المتخفي دومًا.. فالمتخفي لديه رفاهية تميزه عن غيره وتجعله يرى هو الآخرين ولا يراه احد !!.. يفعل هو ما يريد ولا يعرفه ليحاسبه احد !!.. ماذا لو طالب طرفي رقعة الشطرنج من جديد أن يكون لهم الحق في التخفي ؟!
كيف سيمنعهم البرلمان ؟!.. وكيف سيبيح للنساء شيء غير مباح هو للرجال ؟!.. والرجل والمرأة متساوون في الحقوق والواجبات أمام المجتمع والدولة والدستور والقانون.. كيف يرفض برلمان الشعب حماية الشعب من الأضرار الناتجة عن ظاهرة التخفي وما يمكن أن ينتج عنها من جرائم شرع لها وأباحها البرلمان ومنحها صك القبول مختومًا بختم الدولة التي تقر القوانين أو تحجبها.. البرلمان يشارك ويشرع اليوم لجريمة لا يعرف الآن حدودها أو مداها وما يمكن أن تؤول إليه الأمور في الغد القريب.. التخفي جريمة كبرى تتصدى لها المجتمعات المتمدينة التي يسود فيها القانون.
اما مجتمعاتنا فيرزح قاطنيها تحت مطرقة الأصولية وسندان التلكؤ بل والتواطؤ أحيانا مع جرائم هؤلاء وابتزازهم للدولة ومواطنيها !!.. فهل من مغيث ؟ هل من مخرج أو نهاية لكل هذا العبث غير المبرر ؟.. هل من قرار سيادي يقره صانع ومتخذ القرار.. فيسود ليخرس وللأبد كل متشدق متذرع بالحرية وله فيها مآرب أخرى.. وبالتالي يستفيق كل متواطىء خائف يستمرئ عدم التصدي للخطأ فنحيا جميعا حياة تهددها الأخطار والأخطاء والجرائم التي يُشرع لها وتبرر بعيدًا عن حسابات العقل والبصيرة وبعيدة أيضًا كل البعد..عن مفهوم القانون والسلم الاجتماعي !.. لابد لكل هذا العبث بل والخبل من نهاية نهاية حازمة حاسمة وشيكة لا بديل لها ولا بدائل عنها.