رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شعب يعلو وإخوان يسقطون


منذ ستة أعوام كتب التاريخ إنه في يوم الأربعاء الموافق 21 نوفمبر من عام 2012 أصدر محمد مرسي عيسى العياط الذي كان وقتها رئيسا للبلاد إعلانا دستوريا، لم يكن له سابقة في تاريخ مصر الحديث، وبه يعيد قول فرعون الذي قال "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي" ثم تطور به الأمر فقال "أنا ربكم الأعلى" ! وهذا هو دأب الفراعين والقياصرة والكياسرة الطغاة من كل الأجناس، ولكي لا ننسى وتذهب هذه الأحداث التاريخية بعيدا عن ذاكرتنا، ولا يبقى لها مكان إلا في كتب المؤرخين نحكي من البداية قصة هذا الإعلان الدستوري والذي احتوى عليه دون زيادة أو نقصان، خاصة أن هذا الإعلان الدستوري كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار حكمهم وزوال سلطانهم.
كانت شعبية الإخوان قد تآكلت تماما، فقبل أن يحكموا البلاد زعموا أنهم يحملون الحل السحري لكل المشاكل والعقبات، ووضعوا في أماني الناس أن لديهم المشروع الأكبر والأعظم، وأطلقوا عليه "مشروع النهضة" ! وزعموا أنهم يحملون الخير لمصر وأنهم من أجل ذلك أعدوا هذا المشروع العملاق منذ سنوات بعيدة، وأنهم استعانوا في إعداده بأكثر من ألف عالم كلهم من الإخوان ! وقبل يوم الانتخابات النهائي قال مرشحهم محمد مرسي: سأقضي على كثير من المشاكل في المائة يوم الأولى من حكمي، واختار بعض المشاكل الثانوية وجزم بأنها ستنتهي تماما.
وجاء مرسي حاكما، وجلس الإخوان على سدة الحكم، وإذا بهم بدلا من حل المشكلات يفتعلونها، وبدلا من أن يرفعوا الأعباء عن كاهل المواطنين يزيدون من ثقلها، ومرت المائة يوم الأولى الذي وعد وأقسم عليها محمد مرسي، فلا مشاكل حُلت، ولا أعباء رفعت، ثم إذا بخيرت الشاطر نائب المرشد والمتصرف الأكبر في تلك الجماعة يصرح أنه ليس لديهم ما يسمى بمشروع النهضة، وأن الإعلام فهم الأمر خطأ فأشاع أن هناك مشروعا للإخوان، في حين أنه لم يكن لديهم إلا بعض تصورات عامة، وليس مشروعا كاملا !.
وفي حكم البلاد يجب لكي تنجح أن تعمل على تحقيق طموحات شعبك، قد لا يطالبك الشعب بالنتيجة، ولكنه قطعا يريد أن يراك وأنت تأخذ خطواتك الأولى صوب هذه الطموحات، ولكن جماعة الإخوان لم تدرك هذه الحقيقة، إذ كانت قد وضعت الشعب في خانة "الدرجة الثالثة" وهذه آفة الديكتاتوريات الحمقاء، فمنذ زمن وبعضهم لم يكن يحسب حسابا لشعبه، فإذا بالشعب بعد أحداث يناير يصبح طرفا أصيلا ومؤثرا ولا يمكن التغاضي عنه أو عن طموحاته، وحين جاء حكم الإخوان وقع في ظنه أن الشعب لا يزال بعيدا عن التأثير، أو أنه لم يصبح طرفا في معادلة الحكم بعد، وظني في ذلك أن الإخوان لم يعتمدوا على الشعب أبدا في أي مرحلة من مراحلهم، لأنهم كانوا لا يثقون فيه، بل إنهم كانوا يعتبرونه عدوا لهم، ألم يقل لهم حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس "إن الشعب حين يعرفكم ويعرف صدق عقيدتكم سيقف ضدكم"! لذلك كان رهان الجماعة دائما على التنظيم لا على الشعب، أما غاية ما تمنوه في الشعب أن يكون طرفا محايدا سلبيا لا يتحرك، وقد سوَّل لهم غرورهم أن أقنعوا أنفسهم أنهم هم الذين حركوا الثورة، وهم الذين انقضوا على الحكم، وأن الشعب لم يكن إلا عرائس خشبية بين أيديهم، وهل العرائس الخشبية تستطيع أن تثور عليهم أو تغضب منهم، لذلك كانت تحركات الإخوان ومرسي في مقدمتهم تتجه دائما صوب طموحات الجماعة لا طموحات الشعب، فقرار عودة مجلس الشعب الذي أبطله حكم الدستورية لم يكن يتغيا مصلحة الجماهير، ولكنه كان يبحث عن مصلحة الجماعة، وحصار المحكمة الدستورية لم يكن أبدا لتحقيق صالح الشعب، ولكنه كان خطة ترمي إلى الحفاظ على مكتسبات الجماعة، وقرار إقالة النائب العام لم يكن استجابة للثوار، ولكنه كان استجابة لقرار مكتب الإرشاد، ومن أجل ذلك أخرجوا المظاهرات ليكون القرار وكأنه استجابة لشعب !.
ومن أجل البحث عن غنائم للجماعة صدر الإعلان الدستوري في وسط جو شديد الاحتقان، فقبله حدثت بعض الكوارث التي أغضبت الرأي العام وقطعت أن مرسي والإخوان لا يهمهم في شيئ مواجهة الفساد الكامن في بعض مؤسسات الدولة العتيقة، وكان من هذه الكوارث حادث تصادم قطارين في الفيوم بين قريتي سيلا والناصرية ونتج عنه مقتل أربع مواطنين وإصابة العشرات، ثم حادث قطار أسيوط البشع عند قرية المندرة التابعة لمركز منفلوط، والذي أدى إلى مقتل سبع وأربعين تلميذا، مما أغضب الرأي العام الذي صب نقمته على رأس مرسي وجماعة الإخوان التي فشلت حتى في إدارة منظومة النقل العام بالبلاد وتفرغت لخلق مشاكل مع القضاء والقضاة من أجل أخونة المنظومة القضائية، ثم كان بعد ذلك أن تعرض المتظاهرون في ذكرى أحداث محمد محمود للبلطجة والإرهاب من أفراد جماعة الإخوان، وقد أعاد هذا الأمر الذكريات المؤلمة للرأي العام، إذ عندما كانت أحداث محمد محمود الأولى تستعر، كان افراد جماعة الإخوان بعيدين تماما عنها لانشغالهم بمصلحة الجماعة التي كانت متمثلة وقتئذ في انتخابات البرلمان، حينها تركوا الثوار ونفضوا أيديهم منهم !.
في ظل هذه الأجواء صدر الإعلان الدستوري الآتي:
(بعد الاطلاع على الإعلان الدستورى الصادر في 13 فبراير 2011 وعلى الإعلان الدستورى الصادر في 30 مارس 2011 وعلى الإعلان الدستورى الصادر في 11 أغسطس 2012 لما كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 قد حملت رئيس الجمهورية مسئولية تحقيق أهدافها والسهر على تأكيد شرعيتها وتمكينها بما يراه من إجراءات وتدابير وقرارات لحمايتها وتحقيق أهدافها، وخاصة هدم بنية النظام البائد وإقصاء رموزه والقضاء على أدواته في الدولة والمجتمع والقضاء على الفساد واقتلاع بذوره وملاحقة المتورطين فيه وتطهير مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية مصر وشعبها والتصدى بمنتهى الحزم والقوة لرموز النظام السابق والتأسيس لشرعية جديدة تاجها دستور يرسى ركائز الحكم الرشيد الذى ينهض على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية ويلبى طموحات الشعب ويحقق آماله.
ثم وضع في بداية مواد هذا الإعلان بعض مواد تضمن له تثبيت حكمه للأبد، وكان أكثرها فجاجة المادة الثانية التي جاء فيها تحصين كل القرارات التي تصدر منه من الطعن عليها، وأيضا تحصين كل القوانين من الطعن عليها بعدم الدستورية ولو كانت تخالف الدستور بشكل فج، وبعدها وضع في المادة الخامسة منه أول حصار ارتدى ثوب الدستور جاء فيه أنه لا يجوز لأي جهة قضائية حل مجلس الشورى أو مجلس الشعب أو لجنة وضع الدستور، حتى ولو كان تشكيل تلك الجهات بالمخالفة للقانون، وحتى لو كانت تلك الجهات باطلة في أصلها، فالباطل في هذا الإعلان الدستوري سيكون صحيحا ولو كره القانون، وعلى القضاء أن يغلق أوراقه ولا يفكر في أي قرار للحل، فكان أن أصدر الشعب كله قراره الأبدي بحل محمد مرسي نفسه، وحل حكم الإخوان للبلاد، ثم حل جماعة الإخوان، وكأن الحكيم الهندي الكبير "طاغور" كان يقرأ هذا الإعلان الدستوري حين قال: "حين تظن أنك تخدع شعبك، فإنك تخدع نفسك"