رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رفض حظر النقاب مثالًا


لا شك أن انتشار فكر الكراهية عبر دعاوى أشاوس التطرف المقيت غالبًا ما يصيب هدفه للأسف إلى وجدان شباب ليتم تلويث أفكاره بعد تهيئة مناخ مساعد في بعض مؤسسات الدولة الثقافية والإعلامية والتعليمية والأهم الدينية باستخدام محفزات مادية ومعنوية و روحية جاذبة عبر عناصر لازال وجودها في دواوين الحكومة وفي مواقع بالغة التأثير على الصالح العام لم يتم التعامل معهم بالشكل الحازم ، وجميعنا ندرك صعوبة ذلك التعامل لأننا أمام ميراث أخطاء وخطايا أنظمة سابقة قد رأت عقد صفقات لتبادل المصالح يضمن لهم البقاء والعمل بشكل مستتر في مقابل ضمان فرض حالة سلمية شكلية لتقديم ما تصورته تلك الأنظمة لتأمين حالة من الاستقرار ، وهو استقرار مميت يوحي بوجود مناخ هادئ يوفر حالة سلام اجتماعي وهمية تسمح لجماعات التطرف الإرهابية بغزو كل المؤسسات السابق الإشارة إليها ، ووصولاً لخطف كراسي البرلمان ( 88 عضو إخواني ).

وما على تلك الأنظمة السابقة إلا إطلاق وصف " الجماعة المحظورة " لغسل أيديها من التبعات المادية والمعنوية والفكرية البشعة من جراء انتشارهم ليعبثوا بالاقتصاد لتكوين ممالك خاصة بهم ، و ليؤثروا فكريًا عبر إعلام حكومي وخاص يستضيف نوابهم وأشاوس نضالهم الشرير ، ويربون الكوادر منذ مراحل التنشئة الأولى في مدارسهم ومساجدهم ، ثم امتلاك وسائط إعلام بمسوح دينية ( فضائيات وصحف ومطبوعات ومواقع على الشبكة العنكبوتية ) وجميعها ممولة من الداخل والخارج ، و بذكاء شرير وتخطيط منظم حرصت تلك الجماعة الشريرة على تشكيل جمعيات أهلية تتبعها مستوصفات صحية ودور حضانة توفر لمواطنينا الغلابة الكثير من الخدمات اليومية الملحة ، والتي ليس بوسع مرافق ومؤسسات الدولة تقديمها بالتيسيرات المادية التي تتيحها تلك المؤسسات الإخوانية والسلفية ، وعبر كل تلك المنافذ الاجتماعية والثقافية والتعليمية والإعلامية بات من السهل امتلاك عقل ووجدان أعداد لا بأس بها من شبابنا ، واستطاعوا بالتعاون الوثيق مع زعامات التيارات السلفية في إلهاء الرأي العام في قضايا التحليل والتحريم ، والطاهر والنجس ، و الاستثمار والفوائد الربوية .. إلى غير ذلك من عشرات الأسئلة التي تطالب بفتاوى ولا يتوافقوا في الكثير منها مع ما تطرحه مؤسسات الأزهر الشريف الرسمية المعنية بأمر إصدار الفتاوى والإشارة لتعاليم صحيح الدين.

و عبر تلك الحقب الأخيرة قبل اشتعال أحداث ثورة 25 يناير ، ظلت تلك الجماعة الباغية بالتعاون مع تيارات التشدد الديني الأخرى تقوم بتدبير كوارث إجرامية و تفجيرات طائفية ومذهبية تخلف على الأرض ضحايا وأصحاب عاهات ، وحرمان عائلات من رجالها وأمهات من أولادها وزوجات من أزواجهن ، وطرطشات دماء على أستار الكنائس وبواباتها و تفجير مساجد بمصليها .. تدبر وتقوم تلك الجماعات بتنفيذ مثل تلك العمليات لاستعراض إمكانياتها لترهيب الدولة ومؤسساتها وإثارة الفتن بين الناس في الشارع المصري ، للحصول على مزيد من المكاسب السياسية والاجتماعية مقابل عودة الهيبة الشكلية لمؤسسات الدولة وأنها مازال لها اليد العليا المسيطرة والحاكمة في ظل حكم تلك الأنظمة السابقة !!!.

و عليه ، أسفر ذلك النضال الشرير عبر أكثر من 8 حقب زمنية منذ نشأة تلك الجماعة الإرهابية عن حصولهم على الجائزة الكبرى التي طالما حلموا بها منذ نشأتها أن يحكموا البلاد والعباد ، وتصوروا أن مصر العظيمة وشعبها الأبي باتوا ملك أياديهم إلى منتهى الأيام ، وكان لهم أن يحكموا البلاد بالفعل لمدة عام أسود تأكد لهم فيها التمكن من ملكية وإدارة نسبة لا بأس بها من مؤسسات تنشئة وتعليم وتجارة وتصنيع ومؤسسات مالية وإدارية حتى تحقق لهم حالة احتلال جانب كبير من مصالح البلاد والعباد.

نعم كانت فرصتهم هائلة في الزمان والمكان ليتسللوا بفكرهم إلى وجدان أجيال ينشرون وسطهم فيروسات الغل والحقد والتخلف والتراجع الإنساني والحضاري بعد أن امتطوا جواد التدين الشكلي فكان محاصرة عقول وقلوب أعداد لا بأس بها من أجيالنا الطالعة باتوا يشكلون خلايا للتطرف غلاظ القلوب وبليدي المشاعر يستحلون الأموال وفق قناعات زائفة بآيات يرددونها بنعومة المدلس الأفاق أعدها للتسويق الاستهلاكي أمراء التطرف وقياصرة تجار الأسلمة الشكلية للمشاريع الإنتاجية ، بعد تجريف العقول فباتوا مشاريع لصناعة الإرهاب .. ولم يعد كافيًا الآن تعقب أجهزة إنفاذ القانون لرموز الإرهاب القتلة وتصفيتهم أو القبض عليهم بقدر أهمية محاصرة أهل التحريض ومن يشيعون بيننا ثقافة التعصب والكراهية للخير والحق والجمال .

وعليه ، أتعجب من أمر النائب الرائع " محمد أبو حامد " وطموحاته المستنيرة التي دعته لتقديم مشروع لحظر ارتداء النقاب في المصالح الحكومية لمناقشته في البرلمان ، وكأنه لم يعايش رفض أعضاء البرلمان لعدد من مشاريع تصحيح مواد وقوانين مماثلة تناسب أحلام مواطنينا في العيش في ظلال أحكام دولة مدنية ... ألم يلاحظ معالي النائب المحترم أن برلماننا العتيد أرجأ مناقشة قانون لإنشاء مفوضية لتنظيم آليات تضمن عدم التمييز ، حتى من باب احترام ما جاء في الدستور بضرورة الانتهاء منه في الدورة الأولى لانعقاد المجلس ، وهانحن في دور الانعقاد الرابع ولا حس ولاخبر يا معالي النائب ؟!!

لقد أسعدني مداخلة السيد الرئيس " السيسي " أمام منتدى الشباب العالمي ، وتأكيده على ملامح دولة تفكر ، قال " قبل كده مكنش فيه أبدا دولة بتفكر.. أنا بتكلم عن مصر، مكنش فيه دولة بتفكر إنها تبنى دور عبادة لمواطنين غير المساجد ، دلوقتى لأ.. الدولة معنية بإنها تبنى فى كل مجتمع جديد الكنائس لمواطنيها لأنهم لهم الحق فى العبادة كما يعبد الجميع ، لأنه حق المواطن إنه يعبد كما يشاء أو لا يعبد، لأن ده موضوع إحنا مندخلش فيه " .. وّ ذكرنا " الرئيس " أيضًا في سياق مفهوم الدولة التي تفكر بما سبق وقاله في مناسبات أخرى " ولما اتكلمنا وأطلقنا هنا فى مصر تصحيح الخطاب الدينى ،لابد أن يكون لدينا القدرة على أن نرى الواقع بشكل متجرد بدون أى غرض لإطلاق الأمر ده و تحمل تبعات ما نتكلم به في مجال تصويب الخطاب الديني كأحد أهم المطالب اللى إحنا بنرى فى مصر إننا محتاجينها ، مش ممكن يكون مفردات وآليات وأفكار تم التعامل بها من 1000 سنة وكانت صالحة فى عصرها ونقول إنها تبقى صالحة فى عصرنا ، و بعد 50 سنة هنبقى محتاجين كمان إننا نطورها بتطور المجتمعات".. ويبقى السؤال : لماذا كل تلك الفجوة بين فكر الرئيس وحال عموم القيادات و كمان عن لجان البرلمان ؟!