رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجيم



ليس بوسع أى أحد أن يكون أى شىء..
تعمل أمى خادمة باليومية فى أكثر من بيت، تحمل موبايل تعطى رقمه للبوابين وأصحاب محلات البقالة، وتتركه لدى المشرفات بالجمعيات الخيرية التى تأخذ منها شهرية.
ترفض أمى أن تكون خادمة بدوام أى تذهب كل يوم لشقة محددة، لا تريد أن تتقيد ولا أن تلزم نفسها. وعندما تحسبها تجد أن ما تتحصل عليه شهريًا يساوى القيمة نفسها.
قد يكون بيت صاحبة الجيم البيت الوحيد الذى تمنّت أمى بعد سنوات من العمل به أن تعمل به بدوام كامل، عادة ما تذهب أمى للبيت الكبير يومين فى الأسبوع للقيام بالأعمال الثقيلة، كغسل الحيطان وتنظيف الأرضيات والسجاد، أسرّّت أمى برغبتها للمُشرفة على البيت، لكن الهانم الكبيرة رفضت، ونقلت عنها الخادمة المقيمة أن لديها ملاحظات كثيرة عليها، فهى ليست خادمة «مأصَّلة»، خادمات هذا الزمن غير مؤهلات للخدمة، الحاجَة المادية هى ما دفعتهن للعمل فى البيوت، الخادمة الآن تخجل من مهنة الخدمة، لم تعد لديهن خبرات اكتسبنها من بيوت كبيرة، كل واحدة تأتى وفى أول مقابلة تقول: أنا أصلًا مش شغالة، لكن الظروف جبرتنى على كده. من اللحظة الأولى تضع نفسها من حيث لا تدرى فى مكانة أقل، هى نفسها تنظر لمهنتها باحتقار وعدم كرامة.
هذه الهانم الكبيرة التى لا ترى الشمس إلا من خلف ستائر حجرتها والتى يوحى بياضها بأنها تستحم باللبن، تتحدث عن كرامة الخدمة والخادمات.. عن أى كرامة تتحدث عنها؟ هذه التى لم تسمع «تعيير» الناس لمن تخدم فى البيوت.. وكيف تصبح متاحة للمعاكسات والتحرش فى الشارع أكثر من واحدة أخرى، تصبح متاحة، لأنه حتمًا هناك «بيه» صغير أو كبير يتحرش بها.. عند أول خناقة فى الشارع، تندلق المعايرة: «على إيه يا أختى، ده أنت حتة خدامة».
خدّامة وليست شغالة، كما تقول الهانم الكبيرة، أو مُساعِدة كما تطلق عليها ابنتاها، تعبيرًا عن تمدنهما، لكن الحفيدة تعيد الأمور لنصابها وتسمى الأسماء بأسمائها.. كلنا نعرف أننا وأهلنا نخدم فى البيوت، ونعرف عناوين المناطق التى نعمل بها، لكننا ندعى أننا نعمل فى محلات الملابس فى وسط البلد، الزمالك وجاردن سيتى والمنيل كلها وسط البلد الذى نخدم فيه.
وكما رفضت الهانم الكبيرة أن تعمل أمى بدوام كامل، رفضت أن أعمل لديهم، فتعطفت ابنتها الصغرى، وقالت لأمى: هاتيها فى الجيم، أنا محتاجة عامِلة، والمرتب واحد.
الجيم.. ماذا يفرق عن الكوافير، الهانم الكبيرة غضبت وكادت تطرد أمى من بيتها لأنها أخطأت، وقالت لها «يا مدام»، فصاحت فى الخادمة الكبيرة: اطرديها، لا أريد أن أرى وجهها، مدام!! هل تعتقد أنها تعمل فى كوافير.
ليس الجيم مجرد منتجع صحى، أو مكان لأداء التمرينات الرياضية.. إنه عالم يتوه من يدخله فى تفاصيله، فى دور أرضى كامل مساحته ألف متر، يقع «السنتر» الذى يضم الجيم، وكافيه ومكتبة، وقاعتى الندوات والمحاضرات، الجيم للسيدات فقط، أما بقية السنتر فللجميع، حتى الأطفال الصغار الذين يأتون بصحبة والدتهم، لم تنس إدارة الجيم تخصيص منطقة ألعاب لهم فى الحديقة التى تحيط «السنتر» وحولها سور من الأشجار والنباتات المتسلقة، يشغل «السنتر» دورين وفى الدور الثالث تسكن العائلة مالكة الجيم فى جزء من الألف متر، والباقى رووف.
تقول أمى إن هذا «الجيم» تأسس حديثًا منذ عشرة أعوام فقط، عندما عادت ابنة سيادة اللواء الكبرى من مدينة بورسعيد مُطلّقة ومعها طفلة. قبل ذلك كانت الفيلا تقطنها عائلة واحدة، البيه والهانم، وابنتاهما.