رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زوتوبيا «1»


ترحل آخر مشتركة فى «الجيم» فى العاشرة مساء، بعدها بربع الساعة ترحل المدربات والمسئولة الإدارية، بعدها بنصف الساعة يكون علىّ أن أرحل بعد التأكد من إغلاق جميع الأجهزة الرياضية، وشاشات التليفزيون، والاستريو، وفصلها عن التيار الكهربى، وتفريغ الجاكوزى، وإغلاق قاعتى الساونا والبخار، وجمع المناشف المستعملة فى سلة لإرسالها إلى المغسلة.
أُنهى مهامى بترتيب دقيق.. غير أننى أترك شاشات التليفزيون حتى اللحظة الأخيرة قبل أن أغيّر ملابس العمل واستبدالها بملابسى، لا تلتزم المسئولة الإدارية بارتداء زى محدد، تلتزم المدربات بارتداء بنطلون كحلى وتيشيرت فوشيا، وتلتزم عاملات النظافة بارتداء البنطلون الأسود والتيشيرت الأسود للتمييز بينهن وبين المدربات.. لكن الحقيقة أن المشتركات فى الجيم لا يُخطئن أبدًا فى التمييز بين المدربات وعاملات النظافة.. فالإدارة تمنع بتاتًا هذا الخلط: تختار الإدارة المدربات: رياضيات، شابات، رشيقات، ويخلطن حديثهن بكلمات أجنبية طوال الوقت: فِتنس، هِلثى، دَايت، كَارب، سيكس باكس، ناترال... إلخ.
تختار الإدارة العاملات: سمراوات، يملن إلى السمنة، عوانس، ومكسورات الجناح أو بلا جناح أصلًا، لا تسمح لهن بالوجود فى استديوهات التدريب إلا للقيام بالتنظيف وبمعدل زمنى دقيق.. كل ٢٠ دقيقة على عاملة التنظيف أن تدخل القاعة بخفة ودون صوت وتلمع الأجهزة التى تنزل من عليها المتدربة. تلميع الأرضية وتنظيف وإفراغ سلال المهملات يتم كل ساعة. لا يوجد تعامل مباشر مع المشتركات، لا توجد إكراميات، ومن تُظهر توددًا للمتدربات بالمساعدة فى غرفة خلع الملابس، يتم لفت نظرها مرة، وفى الثانية تأخذ حسابها آخر اليوم ولا تعود للجيم.
تنتهى مهامى فى خمس عشرة دقيقة، فى العاشرة والنصف مساء، غير أننى أضطر للانتظار إلى الحادية عشرة موعد تسليم المناشف المستعملة لعامل المغسلة، وتسلم المناشف النظيفة منه.
يحكون فى «الجيم» أن عاملة فى وقت ما حاولت أن تسلم المناشف المستعملة فى العاشرة والنصف واتفقت على ذلك مع عامل المغسلة، ويبدو أن موظف الأمن لم يكن يستلطفها، فتركها تغلق «الجيم» وتسلمه المفتاح فى العاشرة والنصف وخمس دقائق. لكنها بعد أن وصلت فى موعدها صباحًا وقامت بكل المهام الصباحية، وبمجرد تأكد المسئولة الإدارية من انضباط كل شىء وتهيىء الجيم لاستقبال المشتركات، قبل الثامنة بخمس دقائق فقط، استدعت المسئولة جميع العاملات ومن بين صفهن المنضبط فى ترقب وانتظار، نادت عليها، أعطتها باقى حسابها وأمرتها بالانصراف بعد أن أخبرت الجميع بأن الأمانة والانضباط هما قوام الاستمرار فى العمل بالجيم ومَنْ لا تستطع أن تلتزم ترحل غير مأسوف عليها.
عاملة وحيدة نجحت فى رشوة موظف الأمن، لكن نصف الساعة انتظارًا لا يتساوى ثمنه مع فضيحة، لا بد أن تنكشف مع وجود كاميرات المراقبة فى مدخل الجيم، أو أن تتسع دائرة المرتشين بما لا تسمح به أخلاق إدارة «الجيم» أو أى إدارة أخرى.
ويبدو أن مسألة الانتظار نصف الساعة أثقلت على جميع العاملات، فقررت إدارة الجيم أن تجعل مهمة الانتظار من نصيب أحدث عاملة تنضم للجيم، كاختبار وامتحان لها قبل تثبيتها فى العمل. وكنت أنا هذه العاملة الجديدة.. عانس، سمراء، ابنة لوالدين مطلقين، أحدهما عامل محارة يصرف يوميته على شرب «الحشيش» وأم تخدم باليومية فى البيوت، أسكن فى «الدرب الأحمر»، وأتنقل بين أتوبيسين وميكروباص، وأمشى على قدمىّ محطة كى أصل لشارع عبدالعزيز آل سعود فى المنيل حيث مقر «الجيم».
أنا عاملة مثالية، خاضعة ومنسحقة تمامًا للتصنيفات والتقسيمات، أنا فى الخانة الأسوأ من كل شىء، لذا فليس انتظار نصف الساعة مشكلة بالنسبة لى.
أنا ملتزمة تمامًا:
فى الصباح تأتى أول مشتركة لـ«الجيم» فى الثامنة، قبلها بنصف الساعة تحضر المدربات والمسئولة الإدارية، قبلهما بساعة ونصف الساعة أحضر أنا.. فى السادسة يفتح لى «صلاح» موظف الأمن باب الجيم.. ساعة ونصف الساعة يكون فيها «الجيم» ملكى.. ويكون علىّ تلميع كل الأجهزة الرياضية، والمرايا والتأكد من نظافة الأرضيات والحمامات وقاعة تغيير الملابس وقاعتى الساونا، والبخار، وإعادة ملء الجاكوزى، وتركيب زجاجة الماء فى المبرد، وتوزيع المناديل الورقية، والمناشف النظيفة، وبخاخات معطر الجو..
أنا ملتزمة تمامًا:
وفى المساء لن أسمح لنفسى بالوقوع فى الفخ.