رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين نحن من جودة تعليمنا؟



فى آخر إصدار للمنتدى الاقتصادى العالمى للعام ٢٠١٧ ٢٠١٨، وفى دراسة كاملة وشاملة تتعلق بالتعليم والتدريب والذى يشمل ١٣٧ دولة حول العالم، ووفقا لمعايير علمية ومن بينها جودة نظام التعليم بداية من التعليم الأساسى وحتى التعليم الجامعى-شملت الدراسة البنية التحتية للتعليم الأساسى، والتعليم الجامعى ودور التدريب للتقدم والمنافسة الجادة للوصول إلى الهدف.
فعلى الصعيد العالمى تنافست هذا العام ثلاث عشرة دولة على ست درجات من الرقم الأعلى وهو رقم سبعة، وحازت قارة أوروبا أعلى الدرجات وهو رقم ستة، ومنها ثمانى دول إضافية هى أمريكا الشمالية وكوريا ودولتان أخريان هما نيوزيلاندا وأستراليا ودولة واحدة من آسيا هى سنغافورة التى حصلت هذا العام على المرتبة الأولى عالميا بحصولها على ست وثلاث من عشرة من الدرجة النهائية وهى سبع درجات. بينما جاءت موريتانيا فى المرتبة الأخيرة بحصولها على واحد وتسع من عشرة، وكان مركز دولة قطر فى المركز السادس بحصولها على خمس وسبع من عشرة، وتليها دولة الإمارات العربية التى احتلت المركز التاسع عالميا بحصولها على خمس وخمس من عشرة درجة.
أما البحرين فقد حصلت على المركز الثامن والعشرين والمملكة العربية السعودية على المركز الرابع والخمسين، وغابت بعض الدول عن التصنيف مثل سوريا والعراق.
أما مصر فمع كل الأسف والحزن والألم فكان ترتيبها قبل الأخير، أى المائة والتاسع والعشرين وبدرجة اثنين وتسع من عشرة، وبعدنا تأتى اليمن برقم مائة وسبعة وثلاثين وحصولها على اثنين وسبع من عشرة، أى بفارق عن مصر اثنتان من عشرة. أما عن سبب تدهور التعليم فى المغرب فيقول زايد التيجانى «إن المعلمين القدامى يتذكرون أيام المحبرة والمناشف، أيام الكراسة الواحدة والكتاب الوحيد، فقد كانت الوسائل قليلة للغاية ولكن فى المقابل كانت هناك جهود كبيرة يبذلها كل من المعلمين والمتعلمين، فكان المعلم يقوم بواجبه خير قيام، وكان المتعلم يكد ويجتهد، وكان الآباء يحفزون ويتوعدون».
«ومن منا لا يذكر فى زماننا أن تعبير كلمة درس خاص يصيب متعاطيه بالكثير من الخجل لمن يضطر لهذه التجربة، حيث لا يجد مثل هذا الطالب معلما من ذات المدرسة يشجعه على ذلك، بل كان المعلم يطلب من تلاميذه الحضور، ساعة مبكرا قبل بدء الدراسة لشرح بعض المناهج أو يطلب من مدرس التربية الرياضية أن يسمح له باستخدام زمن حصته حتى يساعد تلاميذه وليضيف إلى معلوماتنا ما يراه لازما؟!. نعم كانت هناك جهود تبذل من المعلمين ومن الطلاب. لا شك أن القارئ سوف يظن أن عالمنا لم يكن على هذه الأرض، والحق يقال إن تدهور التعليم لم يبدأ إلا عندما فتح باب الإعارات إلى دول الخليج والمملكة العربية السعودية، ومن العام الأول يعود المعلم حاملًا أو محمولًا على سيارته الخاصة، والأجهزة الكهربية المختلفة ومنها الثلاجة والبوتاجاز الكبير والسجاد الفاخر، وهنا كانت كارثة الدروس الخاصة لتعوض من ليس له نصيب فى الترحال خارج البلاد، فأقل ما يمكن هو تعويض من باب الدرس الخاص، وفى الحقيقة يأتى هذا الدرس بديلا لدرس الفصل، وكانت بداية التدهور الكمى والنوعى.
ومما زاد الطين بلة حجم الكتب التى تقوم الوزارة بطباعتها، وهى تعلم أنها ليست للاستخدام، لأن لها بدائل أفضل منها، وضعها من لهم الأمر والنهى فى مستقبل أبنائنا وبناتنا، فالوزارة تنفق الملايين على الكتب وطباعتها، وهى تعلم أنها ليست السلاح الناجز، كما هو حال كتب أخرى حملت ذات المعنى يراها المعلم والمتعلم أنها أفضل كثيرا من كتب تسمى بكتب الوزارة، وهذه الكتب تعود بالربح الوفير على واضعيها.
نعم لم تعد المحبرة التى يمر عمى سالم على الفصول لملء محابرنا المثبتة على مكاتبنا، وبيد كل منا ريشتان، واحدة للخطوط العربية والأخرى للخطوط الإفرنجية (الإنجليزية)، كان كل ما لنا من أدوات المحبرة والريشة وورق النشاف لتجفيف الحبر بعد الكتابة، وها قد تغيرت الأحوال وزادت الأحمال والأهوال من الكتب التى تكاد تحنى ظهور الأطفال، وانتهى عهد الريشة والمحبرة ودخلت الأجهزة الحديثة حتى صارت الوزارة توزع ما يعرف بالكمبيوتر الصغير يحمله الأطفال، وحتى الطفل الرضيع لا يفارقه جهازه الصغير، وكان المتوقع أن يصير حال التعليم إلى الأفضل، فإذا بِنَا نرى عكس ما كان متوقعًا، وإلا ما وصل بِنَا الحال إلى تلك الأهوال، فيتراجع مستوى طلابنا وتتراجع معه مكانة الدول عندما توضع مع قوائم البلاد التى انحدرت إلى قاع القوائم، فنرى مركزنا التعليمى فى القاع أو قبله بدويلة أخرى.
وهذا ما ناقشه المنتدى الإسلامى العالمى للتربية وهو يتعرض إلى مشكلات السياسة التعليمية، رؤية تحليلية ناقدة والخطايا الاثنا عشر التى ترتكب فى حق التعليم، وسوف نتعرض لها فى الأعداد القادمة لا للتجريح أو حتى التلميح، ولكن لإعادة النظر واليقظة حتى نرقى إلى المستوى اللائق بمصر ومكانتها، لا سيما وأن لمصر رئيسًا ينحت فى الصخر ويحلم لمصر بمستقبل يليق بها تاريخا وحضارة ومكانة، حتى إن غالبية الدول المحيطة إذا كانت قد نهضت تعليميا لتسبقنا، فالفضل كل الفضل لمعلمينا الذين أعطوا من علمهم وعملهم الكثير، وبالطبع نحن لا نمن على من استفاد وأفاد من أبنائنا وبناتنا الذين اغتربوا وأعطوا، وإن كانوا اقد استفادوا ماديًا، فقد أعطوا علما وفكرا وجهدا لا ينكر ولا ينسى، فهكذا مصر كانت ومازالت طباع أهلها إكرام الضيف قبل أصحاب البيت، وهكذا بذات الروح خدموا ولايزالون، فليت من استفاد من علومنا وجهودنا لا يتنكرون لمعلميهم وعلمائنا.
وعودة إلى المنتدى الإسلامى العالمى للتربية والخطايا الاثنى عشر، التى ترتكب فى حق التعليم فسوف نتعرض للمزيد فى العدد القادم، لا للنقد كما ذكرنا مسبقًا، ولكن لتدارك الضعف وصولا للقوة، ولصحوة المعلم والمتعلم من أجل مصر التى تنتظر الكثير من أبنائها، وهذا حقها علينا وحقنا على أنفسنا.