رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تحضر الاحتفال بـ«مولد السيد البدوى»

جريدة الدستور

روحانيات فياضة يعيش فى شذاها المريدون الذين يشدون الرحال إلى طنطا، حيث يحتفلون بمولد القطب الصوفى الشهير أحمد البدوى، فعلى مدار أسبوع كامل يتوافد نحو مليونى زائر إلى المسجد الأحمدى بعاصمة الغربية، وهناك يقضون سبعة أيام إقامة كاملة بجوار مقام «أبوالكرامات». وتقيم الطرق الصوفية مؤتمرها السنوى فى رحاب «بحر العلوم والمعارف»، الأربعاء المقبل، قبل ساعات من الليلة الختامية، الخميس، فى حضور ١٠٠ شيخ طريقة صوفية ومئات الآلاف من محبى «البدوى» من كل الفئات من مصر وخارجها. «الدستور» كانت هناك حيث بدأت الاحتفالات بأحد الموالد الأكثر جذبًا فى المحروسة، الجمعة الماضى، وسط حالة طوارئ وتأهب دائمة من الأجهزة التنفيذية لـ«العيد الدينى» السنوى فى الغربية، الذى يشهد أيضًا أكبر سوق تجارية سنوية فى المحافظة.



«أبوالكرامات» مغربى الأصل جاء من مكة إلى طنطا.. ونسبه يرجع إلى الإمام على
اسمه الحقيقى أحمد بن على بن يحيى، وُلد فى مدينة فاس بالمغرب عام ٥٩٦ هـ ١١٩٩م، وجاء إلى طنطا عام ٦٧٥ هـ ١٢٧٦ م، وهو إمام صوفى سُنى عربى، وثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى المتصوفين، وإليه تنسب الطريقة الأحمدية ذات الراية الحمراء.
هاجر «البدوى» إلى مكة مع عائلته وعمره سبع سنوات، واستغرقت الرحلة أربع سنوات، منها ثلاث سنوات أقاموها بمصر. وعندما بلغ الثمانية والثلاثين سافر إلى العراق مع شقيقه الأكبر حسن، ورجع بعد عام واحد إلى مكة، ثم قرر فى نفس عام رجوعه الهجرة إلى مصر، وتحديدًا إلى مدينة طنطا لتكون موطن انتشار طريقته.
وتكشف اللوائح الموضوعة فى طرقات المسجد الأحمدى بمدينة طنطا، وعلى جدران وحوائط ضريح القطب الصوفى، عن معالم أساسية من مقتطفات حياته ونشأته طوال الأعوام الهجرية.
ويستقر جسد القطب الصوفى داخل مسجده بطنطا. ويُلقب بعدة ألقاب منها: «البدوى، شيخ العرب، الملثم، أبوالفتيان، أبوالعباس، أبوفراج، السطوحى، عيسوى المقام، القطب النبوى، باب النبى، بحر العلوم والمعارف، الصامت، القدسى، الزاهد، جياب الأسير، العطاب، ولى الله، ندهة المضام، محرش الحرب‏، والأسد الكاظم».
وتحيط بـ«البدوى» كرامات عدة، أشهرها ما يتداوله العامة عن أنه كان ينقذ الأسرى المصريين فى الحروب الصليبية من أوروبا، ولذلك انتشرت مقولة فى التراث الشعبى المصرى هى «الله الله يا بدوى جاب اليُسرى»، أى أن البدوى قد جاء بالأسرى.
ولُقب بـ«البدوى» لأنه كان دائم تغطية وجهه باللثام مثل أهل البادية صيفًا وشتاءً، لذلك عُرف أيضا بـ«الملثم».
يُقام له فى مدينة طنطا احتفالان سنويًا، أحدهما فى شهر أبريل ويُسمى بـ«المولد الرجبى»، والثانى فى أكتوبر وهو الاحتفال بمولده، ويُعد من أكبر الاحتفالات الدينية فى مصر على الإطلاق، إذ يزور مسجده الكائن بقلب المدينة أكثر من مليونى زائر فى المتوسط خلال أسبوع.
ويُجمع علماء الأنساب والمؤرخون على اتصال نسب القطب البدوى بالحسين بن على بن أبى طالب، فهو «أحمد بن على بن يحيى بن عيسى بن أبى بكر بن إسماعيل بن عمر بن على بن عثمان بن حسين بن محمد بن موسى بن يحيى بن عيسى بن على بن محمد بن حسن بن جعفر الزكى بن على الهادى بن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب».


أسطول أتوبيسات لنقل الصعايدة.. والجِمال وسيلة متصوفة الوجه البحرى
الشيخ سيد مندور، نائب الطريقة «السمانية»، قال إن رحلة المريد إلى مولد «البدوى» تبدأ من باب منزله وليس عند وصوله للمقام، وشرح: «يستحضر الزائر أو المريد النية الخالصة للزيارة، ويختم القرآن كاملًا ويقرأ الأذكار والأدعية، مثل لا إله إلا الله ألف مرة والصلاة على النبى ألفى مرة والله أكبر، ألفى مرة، حتى يقبل الله هذه الزيارة المباركة».
وأضاف «مندور»، أن زيارة أولياء الله الصالحين تكون مغفرة للذنب وتوبة نصوحة عن كل الذنوب التى ارتكبوها، بالإضافة إلى أن كل من له سؤال بمجرد وصوله إلى مقام «البدوى» وقراءة الفاتحة وصلاة ركعتين بالمسجد يستجيب الله لدعوته، وهذا يدل على أن أماكن الصالحين مباركة، بحسب قوله.
وتابع: أن هناك طقوسًا معينة يفعلها الصوفية خلال زيارة «البدوى» من أهمها قراءة «الأوراد الأحمدية» التى كتبها الشيخ كاملة، لافتًا إلى أن لها أسرارًا خفية، إذ إنه «عند قراءتها تحدث حالة عجيبة وغريبة للمريد فينتقل من عالمه الدنيوى إلى عالم آخر».
وذكر أن الطرق الصوفية تجهز أسطول أتوبيسات لنقل مريديها وأتباعها إلى طنطا للمشاركة فى المولد، تخرج من محافظات الصعيد مثل سوهاج وقنا وأسوان والأقصر، وتظل فى انتظار المريدين لمدة سبعة أيام متواصلة، لافتًا إلى أن المريدين يسهمون فى الدفع من أموالهم الخاصة للسفر والمشاركة فى الزيارة التى ينتظرونها كل عام.
وأشار إلى أن هناك سيارات مكيفة ومجهزة خاصة بكبار رجال الصوفية والأعمال ونواب مجلس الشعب من التابعين للطرق الصوفية، الذين يأتون من كل محافظات مصر، واصفًا المناسبة بأنها «عيد دينى كبير وموسم للتجارة والبيع»، حيث يلتقى التجار ورجال الأعمال من الصوفية ويبرمون الصفقات التجارية خلال أيام المولد.
وفى عادة صوفية متوارثة، يرتحل المريدون من محافظات الوجه البحرى القريبة من طنطا مثل الشرقية والبحيرة على ظهور الجِمال لحضور الاحتفال بمولد السيد البدوى، وهى رحلة اعتادوا عليها جيلًا بعد جيل.
وينتظر سكان تلك المحافظات رحلة الجِمال هذه، إذ يخرجون فى مظاهرة لتوديع الراحلين إلى طنطا، ويوزعون عليهم المشروبات والحلويات، ويستضيفهم سكان القرى التى يمرون عليها وتقام لهم الموائد، مما يوفرون للجمال الغذاء أيضًا، وتعتبر هذه من الأمور الفلكلورية فى الطرق الصوفية.


موسم خير وروحانية للملايين.. ورجال الطرق يستقبلون الزوار فى الليلة الختامية
الصوفى النادى عبدالرءوف النادى، قال إن مولد أحمد البدوى هو احتفال شعبى بذكراه، يأتى فيه الزوار كل عام، ليلتمسوا منه البركات ويعودوا لأوطانهم فى عز وهناء. وأضاف: «مهما تباعدت البلدان تجد زوار سيدى أحمد البدوى قادمين مسرورين، فالمحب تطوى له الأرض طيًّا، فلا يشعر لا بتعب ولا مشقة، بل حالة وجدانية من القرب والاتصال الروحى والراحة النفسية التى قلما نشعر بها فى زخم الحياة المرهقة».
ونقل «النادى» عن القطب الصوفى عبدالوهاب الشعرانى هذه الحكاية: «أردت التخلف عن مولده فى عام، فرأيت سيدى أحمد البدوى فى المنام معه جريدة خضراء وهو يدعو الناس من سائر الأقطار وهم خلفه يمينًا وشمالًا، أممًا وخلائق، فمر علىّ وقال: أما تذهب معنا؟ فقلت: بى وجع، فقال: الوجع لا يمنع المحب».
واستكمل على لسان «الشعرانى»: «أرانى خلقًا كثيرًا من الأولياء وغيرهم من الأحياء من الشيوخ، يحضرون معه المولد ومرضى يزحفون للحضور ولا يتخلفون، فقوّى عزمى على حضور المولد وأخبرت شيخى سيدى محمد الشناوى فقال: سائر الأولياء يدعون الناس بقصادهم وسيدى أحمد يدعو أرواح الناس بنفسه».
ويرى «النادى» أن المولد حالة روحية من الصفاء والنقاء والكرم، إذ تجد الناس- حتى البخيل منهم- يذبح الذبائح ويتصدق وينتشر الخير وإطعام الطعام، فيدخلون فى حضور وسرور للمقام الأحمدى وتتعالى الزغاريد ويعيشون أيام هذا الأسبوع فى سعادة وهناء». وواصل: «تنتاب البعض لحظات الخشوع والرقة، فتذرف دموعهم، وترى آخرين يقبلون الأعتاب محبة وإخضاعًا لنفوسهم. ومن المعلوم عند المحبين أن تقبيل الأعتاب كتقبيل يد الولى هو رفعة، وآخرين يحزمون الأمتعة وأدوات المأكل والمشرب لعمل خدمات وساحات استضافة للزوار ورواد المسجد الأحمدى، وفى المولد يطعم جائع ويسر حزين ويشفى مريض ويداوى جريح بمدد صاحب الفرح ونور رسول الله».
فى المقابل، يوضح مصطفى الهاشمى، شيخ الطريقة «الهاشمية المدنية»، أن مولد البدوى له طقوس مختلفة عند مشايخ الطرق، إذ يصلون قبل الليلة الختامية بيومين. وأضاف: «يدخل شيخ مشايخ الطرق المقام للاعتكاف ويتضرع ويناجى ربه أن يغفر للمسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها. كما يأخذ كل شيخ موضعه داخل خيمته وخدمته فى الليلة الختامية، ليستقبل الزائرين والمريدين الذين يأتون من كل أنحاء مصر ومن خارجها أيضًا».
وأضاف: «يجلس الزائرون فى حضرة شيوخ الطرق، ويسمعون منهم أفضال وعلوم سيدى أحمد البدوى وبركاته وكراماته التى حيرت العقول، وجعلت السلفيين يهاجمونه ليل نهار، بسبب أنه كان من شيوخ الصوفية المجاهدين، وليس الدراويش».