رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مفوضية عدم التمييز» يا برلمان


انتظرت أن تأتى سيرة «مفوضية عدم التمييز» على لسان المتحدث الرسمى باسم مجلس النواب، وهو فى معرض تصريحاته الصحفية الأخيرة حول مشاريع القوانين والتشريعات المزمع مناقشتها، واتخاذ ما يلزم بشأنها، ولكن للأسف خلت القائمة من أى إشارة بخصوص تلك المفوضية التى كان المطلوب إنجاز تشريعها من باب الالتزام والوفاء بما جاء فى بنود دستور ثورة ٣٠ يونيو، وإشارته لضرورة إنجازها أثناء فترة انعقاد الدورة الأولى من دورات البرلمان، وها نحن فى بداية دور الانعقاد الرابع.
وبرغم تقديم أكثر من مشروع خلال دورات المجلس السابقة، وما أعلن فى الصحف السيّارة فى الأيام الأخيرة من عام ٢٠١٧، فقد توقف ورود أى أخبار عن تلك المبادرات ومدى الموافقة على أطروحاتها.
لقد اعتبرت النائبة «أنيسة حسونة» عضو مجلس النواب، التى تقدمت بمشروع قانون وإطارات عمل تلك المفوضية، أن إقرار قانون مفوضية المساواة ومنع التمييز، هو أبلغ رد على التقارير المشبوهة، التى تصدر إليها من جهات خارجية بشأن وجود اضطهاد دينى فى مصر، وأضافت فى بيان لها، أن مبدأ المساواة وعدم التمييز غير أنه استحقاق دستورى وفقًا للمادة ٥٣ وغير أنه ملزم لمصر، نظرًا لتوقيعها على الاتفاقيات الدولية التى تُلزم مصر بذلك، فإنه يسهم فى كف يد بعض الجهات الخارجية التى تستهدف إثارة الفتن الطائفية فى مصر، وتستغل الفراغ التشريعى كثغرة تدخل من خلالها لتعزيز أكاذيبها بشأن وجود اضطهاد دينى فى مصر.
لا شك أن دستور ٢٠١٤ قد نص على ضمانات غير مسبوقة للمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين، بل أكد فى مادته رقم ٥٣ على إلزام الدولة بإنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض، ولا نجد أبلغ من إقرار هذا القانون كى يكون درع مصر فى الرد على هذه الترهات.
إن مشروع القانون الذى قدمته النائبة منذ عام ٢٠١٦، وما زال منذ ذلك الحين قيد المناقشة فى اللجنة الدستورية والتشريعية دون الانتهاء منه، قد يترك فراغًا تشريعيًا لا مبرر له لمهاجمة الدولة المصرية، بينما الإسراع فى إقراره يغلق هذا الباب نهائيًا ويخرس الألسنة المغرضة فى هذا المجال.
لقد نص الدستور فى المادة ٥٣ منه على: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض».
نعم، لقد نصت المادة صراحة على إنشاء مفوضية لمكافحة جميع أشكال التمييز التى نصت عليها المادة، ونحن نرى أن قانون إنشاء المفوضية، لا بد أن يكون من أولويات البرلمان المصرى القادم لمكافحة جميع أشكال التمييز الموجودة فى المجتمع المصرى فى الوقت الحاضر، والتى تفشت فى الآونة الأخيرة، منها التعرض للكنائس واستهداف أشخاص بسبب دينهم أو معتقدهم، واستهداف النساء فى المجالين العام والخاص، سواء عن طريق العنف أو التمييز المبنى على أساس الجنس أو النوع وتهميش دور النساء فى المشاركة السياسية، وضعف التشريعات القانونية للتصدى لمثل هذه الممارسات، وعجز الدولة فى التصدى أو طرح حلول للمشكلات العرقية المتفاقمة فى الآونة الأخيرة، التى تسببت فى إزهاق أرواح كثير من المواطنين المصريين.
وأستأذن القارئ العزيز للاستشهاد بما جاء على موقع «نظرة»، حيث عرض ورقة بحثية أشارت إلى إنشاء مفوضيات مماثلة.. مثل: مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية: تأسست مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية بموجب قرار صادر عن البرلمان الاتحادى عام ١٩٨٦ من أجل السعى نحو الوصول إلى مجتمع أسترالى تحترم فيه حقوق الإنسان وتُصان وتعزز، وتتكون المفوضية من رئيس وخمسة أعضاء مفوضين معنيين بتطبيق حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ما بين السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس، ومعنيين أيضًا بالتمييز ضد المعاقين والتمييز العنصرى والتمييز على أساس الجنس والسن.
المفوضية الكندية لحقوق الإنسان: أُنشئت المفوضية الكندية لحقوق الإنسان فى عام ١٩٧٧ طبقًا للقانون الكندى لحقوق الإنسان، وقانون المساواة فى العمل لتطبيق الحقوق والحريات، ما أدى إلى تعزيز الديمقراطية لضمان حماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لجميع الكنديين.
وهذه المؤسسات مستقلة، ولا تخضع سوى للدستور والقانون، ويجب أن تكون محايدة وأن تمارس سلطاتها، وتؤدى مهامها دون خوف أو محاباة. وتقوم الأجهزة الأخرى فى الدولة بمساعدة هذه المؤسسات، وحمايتها لضمان استقلالها وحيادية وفعالية هذه المؤسسات. ولا يجوز لأى شخص أو جهاز فى الدولة التدخل فى عمل هذه المؤسسات. وتخضع هذه المؤسسات لمساءلة الجمعية الوطنية، ويجب أن تقدم تقريرًا عن أنشطتها وأداء مهامها للجمعية الوطنية مرة كل سنة على الأقل. وإذ نتقدم لرؤساء اللجان المعنية بحقوق الإنسان والتشريع بتوليهم رئاستها، نناشدهم سرعة البت والتنفيذ.