رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهاب.. والرقص مع الذئاب!


مع عرضه الموجز لحقيقة ما حدث ويحدث فى مصر من تطورات، وموقفها من مختلف القضايا الدولية، طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى تصورًا، عمليًا وبسيطًا، لتعزيز دور الأمم المتحدة، وطالب مجددًا بمعاقبة الدول الداعمة للإرهاب. وكالعادة، لم يكن يخاطب الحاضرين فى القاعة، بقدر ما كان يخاطب الملايين الجالسين أمام شاشات التليفزيون.
الدول الداعمة للإرهاب كانت أيضًا محورًا مهمًا فى كلمات سابقة ألقاها الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما كانت مواجهة الإرهاب على رأس أولويات مصر خلال فترة عضويتها فى مجلس الأمن، عامى ٢٠١٦ و٢٠١٧، وكان لها دور مهم فى صدور قرارات مهمة لمكافحة الإرهاب، اعتمدتها الأمم المتحدة، وانتهكتها بعض الأنظمة، المعروفة بالاسم، وقامت بشكل علنى بالتحريض على الإرهاب، ودعم وتمويل وتسليح إرهابيين وتوفير الملاذات الآمنة لهم. وطبيعى أن تفعل ذلك، وأن تستمر، ما دامت تعرف أنها لن تكون عرضة للمُساءلة أو المحاسبة.
ربما كان سبب الإفلات من المُساءلة أو المحاسبة، وسبب حدوث مفارقات ونكات «جمع نكتة»، هو أن الأمم المتحدة لم تضع، إلى الآن، تعريفًا محددًا لـ«الإرهاب»، لأسباب سياسية معروفة. والإشارة هنا مهمة إلى أن مصر ومجموعة من الدول متشابهة الفكر، سبق أن قدمت عددًا من الاقتراحات والحلول الوسط إلى الجمعية العامة لأمم المتحدة، للتوصل إلى توافق حقيقى، غير شكلى، يضبط المصطلحات ويزيل غموضها، إلا أن إصرار بعض الدول على الإبقاء على هذا الغموض، حال دون تحقيق ذلك، وجعل الدعوة إلى معاقبة الدول الداعمة للإرهاب، أشبه بتوجيه دعوة بالرقص إلى ذئاب!.
وزارة الخارجية الأمريكية كان لها السبق فى إطلاق تسمية «الدول الداعمة للإرهاب» على عدة دول، اتهمتها بأنها «قدمت مرارًا وتكرارًا الدعم لأعمال الإرهاب الدولى»، وأصدرت فى ٢٩ ديسمبر ١٩٧٩ قائمتها الأولى. وفى ثمانينيات القرن الماضى أصدرت إدارة رونالد ريجان «القائمة الأمريكية للإرهاب»، التى شملت أشخاصًا ترى «واشنطن» أنهم يهددون مصالحها وأمنها القومى، كان بينهم نيلسون مانديلا، وظل اسمه بالقائمة حتى بعد خروجه من السجن، وحصوله على نوبل للسلام، وتوليه رئاسة جنوب إفريقيا!.
بهذا الشكل، لم يكن مانديلا وقادة حزب المؤتمر الإفريقى قادرين على زيارة مقر الأمم المتحدة، دون الحصول على إذن خاص، أو استثناء من وزارة الخارجية الأمريكية. والنكتة، هى أنه بعد رفع اسمه من القائمة كان سيضطر، لو كان لا يزال على قيد الحياة، إلى الحصول على الإذن نفسه، ليتمكن من المشاركة فى «قمة نيلسون مانديلا للسلام»، التى أقيمت أمس، الإثنين، على هامش اجتماعات الدورة الـ٧٣ للجمعية العامة للأمم المتحدة، تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى المئوية لمولد الزعيم الإفريقى الراحل!.
مانديلا، الذى رحل منذ خمس سنوات عن عمرٍ ناهز الخمسة والتسعين، قضى ٢٧ عامًا فى السجن لمعارضته سياسة الفصل العنصرى (الأبرتهايد) فى جنوب إفريقيا، وتم إطلاق سراحه فى ١١ فبراير سنة ١٩٩٠، وحصل على جائزة نوبل للسلام، سنة ١٩٩٣، وفى السنة التالية، سنة ١٩٩٤، قاد حزبه، «حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى» فى أول انتخابات متعددة الأعراق، وحقق انتصارًا ساحقًا، أهّله لأن يكون أول رئيس لبلاده فى مرحلة ما بعد حكم الفصل العنصرى. لكنه، رغم مهاراته السياسية لم يستطع علاج كثير من المشكلات المزمنة، مثل إسكان الفقراء، وانتشار الإيدز، ومعدلات الجريمة العالية، فكان أن ترك العمل السياسى بمجرد انتهاء ولايته الأولى فى صيف ١٩٩٩ وسلم الراية إلى ثابو مبيكى خليفته فى رئاسة الحزب.
مع ذلك، وطوال كل هذه الرحلة، ظل الرجل ومعه كل أعضاء حزبه، حزب «المؤتمر الوطنى الإفريقى»، على القائمة الأمريكية للإرهاب، ولم يتم رفع اسمه إلا فى يوليو ٢٠٠٨، أى مع احتفاله بعيد ميلاده التسعين، بقرار وضعه هاورد بيرمان، رئيس لجنة الشئون الخارجية فى الكونجرس. لكن الغريب والعجيب هو أن هذا القرار، الذى جاء متأخرًا، جاء أيضًا مقيدًا، ولم يلغ الحظر المفروض على دخول «مانديلا» إلى الولايات المتحدة، وظل الرجل فى حاجة إلى الحصول على إذن خاص من الخارجية الأمريكية لزيارة مقر الأمم المتحدة فى نيويورك فقط، أو على سبيل الحصر!.
هذه المفارقة أو النكتة، مجرد مثال من عشرات، بل مئات، الوقائع التى أثبتت أن ما يوصف بالمجتمع الدولى، وما تزعم أنها «دول كبرى» لا تعترف إلا بمعادلات القوة. وعليه نكون قد رقصنا مجددًا مع الذئاب، بدعوتنا لمعاقبة الدول الداعمة للإرهاب، التى ستنتهى غالبًا إلى لا شىء. ولا يعنينا من ذلك كله، ومن الدورة الـ٧٣ للجمعية العامة للأمم المتحدة، غير أننا كسبنا تأكيدًا جديدًا على ثبات مواقف مصر ومبادئها تجاه مختلف القضايا الداخلية والخارجية.