رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شاشة الأمم المتحدة!


بزيارته الحالية إلى نيويورك لرئاسة وفد مصر فى اجتماعات الدورة رقم ٧٣ للجمعية العامة للأمم المتحدة، يكون الرئيس عبدالفتاح السيسى هو أول رئيس مصرى يحضر خمس دورات متتالية للمنظمة الدولية، ويكون قد شارك فى جميع الدورات منذ توليه رئاسة مصر.
قد تقلل من أهمية ذلك، أو تقول «وإيه يعنى؟!». لكن عليك أن تعرف أولًا أن ١٢٨ من رؤساء الدول والحكومات (٨٤ ملكًا ورئيسًا و٤٤ رئيس حكومة)، توافدوا هذا الأسبوع على المدينة الأمريكية، بعضهم ذهب للفرجة أو للتسلية أو تضييع الوقت. وبعضهم يريد أو يحاول إيجاد حلول دبلوماسية وسياسية للتحديات أو التهديدات التى تواجه العالم، أو «الكوابيس»، حسب وصف أنطونيو جوتيريش، أمين عام المنظمة الدولية. وهناك ٦٥ رئيس دولة وحكومة، قرروا عدم الذهاب وإراحة أدمغتهم، أبرزهم رؤساء روسيا، الصين، وكوريا الشمالية: فلاديمير بوتين، شى جين بينج، وكيم جونج أون.
سأتفق معك فى أن دور الأمم المتحدة، على المستويين الموضوعى أو الشكلى، لم يعد له وجود، خاصة فى الفترة الراهنة التى يمر فيها النظام العالمى بتغييرات متتالية فى توازن القوى وطبيعة ونمط العلاقات الدولية. ولا خلاف على أنه لم يعد هناك شك فى أن المصالح السياسية والاقتصادية لأطراف بعينها هى التى تحكم أداء المنظمة الدولية، وتتحكم فيه، وتحول دون محاسبة منتهكى قواعد ومبادئ الميثاق الأممى، وتتجاهل جرائم ثابتة، سابقة ومستمرة، كتلك التى ارتكبتها ولا تزال الدول الداعمة للإرهاب. بل وبات فى حكم المؤكد أن للإرهابيين ظهرًا قويًا داخل المنظمة الدولية، يستطيع توجيه بوصلتها، إلى حيث يريد.
قد تتذكر أيضًا، أننا أوضحنا، مرارًا، كيف أن منظومة العلاقات الدولية كانت وستظل قائمة على معادلات وضعتها عصابة إجرامية وأنتجتها وحققتها، خارج القانون وضده، وتمكنت من اختطاف مؤسسات صنع القرار الدولى، وحوّلتها إلى شركات خاصة لا تخدم غير مصالحها. وحتى لو صدرت قرارات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو عن مجالسها وهيئاتها، فإنها تكون غير ملزِمة (بكسر الزاى)، ولا يترتب على انتهاكها أو خرقها أى عقوبات إلا حسب الهوى. ومع ذلك، لا يمكننا أن نتجاهل أهمية ما حققته مصر فى الزيارات الأربع السابقة وما سيتحقق فى الزيارة الخامسة.
حققنا بالفعل الكثير. ولو تجاهلنا عشرات اللقاءات التى أجراها الرئيس مع قادة وزعماء ومسئولين من جميع قارات العالم، لا يمكن أن نتجاهل أهمية كلمة (بيان) مصر، أمام جلسة الجمعية العامة، وفى المؤتمرات والقمم التى انعقدت خلال فترة انعقاد الجمعية العامة. إذ كان واضحًا، بدءًا من الكلمة الأولى التى ألقاها فى ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤، أن الرئيس يخاطب شعوب العالم، التى تتابع ما يدور فى اجتماعات الجمعية العامة، ويشرح لها حقيقة ما حدث ويحدث فى مصر من تطورات.
الأرجح هو أن الرئيس لم يكن يخاطب الحاضرين فى القاعة الرئيسية للأمم المتحدة، بقدر ما كان يخاطب الملايين الجالسين أمام شاشات التليفزيون. ولا نبالغ أو نجامل، لو قلنا إنه نجح إلى حد كبير فى أن ينقل إلى الرأى العام الدولى صورة حقيقية لمصر، تختلف كليًا عن تلك الصورة المشوهة التى نقلتها وسائل إعلام أجنبية، ثبت بشكل يقينى أنها تحت مستوى الشبهات. كما نقل بالنيابة عن الإعلام المصرى، الخاص والرسمى، ما قطعته مصر من خطوات على طريق بناء دولة مدنية حديثة. كما تواصل أيضًا مع وسائل إعلام دولية كبرى، خاطب من خلالها شرائح مختلفة من شعوب العالم، لم تكن تعرف شيئَا عن القضايا الداخلية والخارجية لمصر، غير ما يصلها من أطراف معادية.
خلال زيارات الرئيس الأربع الماضية، طرح مواقف مصر من مختلف القضايا الدولية. وقام بتوضيح سياسات مصر الداخلية والخارجية فى مكافحة الإرهاب. وفى الخامسة، الزيارة الخامسة، سيتناول، فى الكلمة (أو البيان) كالعادة، المواقف المصرية تجاه مجمل تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية. والأهم هو أنه سيطرح رؤية مصر لتعزيز دور الأمم المتحدة، وسيطالب مجددًا بمعاقبة الدول الداعمة للإرهاب. ومع أننا نعرف مثل غيرنا أن المنظمة الدولية وهيئاتها وأجهزتها عاجزة عن القيام بذلك. ومع أن عشرات، بل مئات، الوقائع أكدت أن ما يوصف بالمجتمع الدولى وما تزعم أنها «دول كبرى» لا تعترف إلا بمعادلات القوة. لكن، يكفينا شرف المحاولة.
سنة ١٩٥٥، وفى الجلسة الافتتاحية لمؤتمر دول «عدم الانحياز»، وصف الزعيم الهندى، جواهر لال نهرو، «الأمم المتحدة»، بأنها مجرد نادٍ يذهب إليه المندوبون ليشربوا الشاى ويلعبوا بالكلام، بدلًا من أن يلعبوا بالورق. وبعد ستين سنة، قدّم الرئيس عبدالفتاح السيسى تصورًا مختلفًا، أثبت من خلاله، بشكل عملى، أن المنظمة الدولية مجرد شاشة أو محطة تليفزيونية، واسعة الانتشار، يذهب إليها الرؤساء ليخاطبوا شعوب العالم.