رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آدى الخريف عاد من تانى


-فقط فى الخريف تهدأ روحى ويعود لى جسدى الذى أعرفه وترجع إلى وجهى الملامح التى افتقدتها

يخططون لوقوع الطائرات، وإشعال الحرائق، وترويع الناس، يبثون فيديوهات القتل، والذبح والتعذيب ويروجون الشائعات.
يريدون تحويل مصر إلى سرادق عزاء، وبحر من الدم، وكفن متحرك.. يريدون إشعارنا أن الحياة فى الوطن، أصبحت مهمة انتحارية.. نخرج من بيوتنا، ولا نعلم إذا كانت لنا عودة محمودة.. لا تستطيع عقولهم، تصديق أن مصر لم تتفكك، لم تُسلّم الراية، لم ترضخ.
هم بكل وسائل الحرب الحديثة، التى يشترونها، أو التى تُرسل إليهم، وبكل أحدث التكنولوجيا، وبكل الكتب التى ترسم لهم الطريق، والأيديولوجية، بكل التمويل الضخم الذى يتلقونه، بكل حلفائهم فى الداخل والخارج وعلى الحدود، بكل الشهادات الجامعية، وبكل اللغات الأجنبية، عجزوا عن فهم حقيقة تاريخية بسيطة، أن الشعب المصرى، يحترف «المقاومة» ينتجها.. يزرعها.. يصنعها، وأيضًا إلى الخارج يصدرها.
هم يندهشون- ومعهم كل الحق- كيف تمكن شعب، يأكله الفقر، تشربه قسوة الزمن، تتحرش به الأزمات من كل نوع، أن يكون هو «الصخرة»، العصيّة، التى تكسر «خطة» وُضعت منذ مائة عام، رسمتها أذكى عقول العالم، المدنية، والعسكرية، هم لا يعرفون، وهم غير مؤهلين لهذه المعرفة، أن بناء الأهرامات، ليس هو «العجيبة» الأخيرة، للشعب المصرى.
هم عصابات الإرهاب، هم مصاصو الدماء، هم منْ يجدون فى الخراب لذة.. هم منْ يجدون فى التدمير متعة، هم المنتشرون مثل السرطان الخبيث.. هم المسلحون المفخخون الملثمون الملتحون متعددو الجنسية.. هم أعداء الفرح، والمرأة، والِغناء، والورود، والحب، والابتسامات، والسنابل، والسلام، والبناء.
منْ يكونون؟، من أى نسل أتوا إلينا؟، منْ هن أمهاتهم؟، منْ هم آباؤهم؟، وكيف جاءت ولادتهم، قيصرية أم شيطانية؟، هل رضعوا من أثداء الأمهات، أم من أثداء وحوش متنمرة؟. منْ يكونون؟ من الإنس، أم الجن، والعفاريت؟، أَهُم ديناصورات رجعت لهم الحياة؟، أم كائنات فضائية هبطت على كوكب الأرض؟، أَهُم نتاج اللعب بالجينات؟.
منْ يكونون؟ وما هذا السائل الغريب، الذى يجرى فى عروقهم؟. فى كل مرة، يضربون الضربة، ويختفون، تجدد مصر الرسالة نفسها، رسالة مباشرة، قوية، تعلن أن «المشاكل تزيدنا صلابة».. و«التحديات توحد الوطن» و«الصعاب تنير الطريق».
■ أكتب مقالى هذا يوم الجمعة ٢١ سبتمبر ٢٠١٨. إنه أول يوم فى فصل الخريف.. موسمى المفضل، الذى أنتظره من عام إلى عام. فى الخريف، تنكمش فى ركن بعيد، الأشباح التى تهاجمنى، والأفكار التى تلوث دمى، وتعكر مزاجى، وتعطل حركتى. فى الربيع، والصيف، أتحول إلى إنسانة أخرى، غير التى تعيش فى فصل الخريف. إنسانة تشعر بالغربة القاتلة، وعدم الانسجام مع الأشياء حولى. تنتابنى الهواجس، والكوابيس، والضجر.
■ يأتى الخريف، وتحدث المعجزة، أن أعثر على نفسى، التى كانت تائهة، ضائعة، متشردة، لا بيت لها، ولا وطن، ولا أسرة، ولا انتماء، ولا ذكريات، ولا جدار أستند إليه.
فقط فى الخريف، تهدأ روحى، ويعود لى جسدى الذى أعرفه. وترجع إلى وجهى الملامح التى افتقدتها.
كل شىء فى الخريف أحبه. حتى الأحزان، تتحول فى الخريف إلى شجن عذب المذاق، والألم الذى عرفته فى الربيع، والصيف، يتحول إلى حكمة.
أكتب سطورى هذه، فى ٢١ سبتمبر ٢٠١٨، اليوم الأول فى فصل الخريف. إنه «الساحر»، الذى أنتظر خفة يده، لكى ينتشل عذاباتى المخبأة، فى جيوبى، وقلبى.
وأغنية فريد «الربيع»، استأذنته لتغيير عنوانها إلى «الخريف». وبالطبع وافق. هو يعلم جيدًا أن موسيقاه، وصوته، هما «واحتى»، المريحة، فى عالم متعب، وزمن لا ينصفنى.
هذه اللحظة، وأنا أختم مقالى، توقفت لأسمع أغنية فريد، «مر الخريف بعده، دبل زهور الغرام، والدنيا من بعده، هوان ويأس وآلام». فأبكى دون بكاء.. «البكاء الخريفى» هو صديقى الوحيد، الحميم، المخلص، الذى يمدنى بطاقة على الاستمرار فى حياة لا تعنينى، ولا تهمنى، لا تعزينى.