رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المثقف والكلاب

جريدة الدستور


لستُ كلبًا الآن، لستُ كلبًا على الإطلاق، هذا ما أود أن أقوله لكم، فأنا أحب الصراحة، وأحب الرجل، ولا أتمنى له أى مكروه، إنه بمثابة الأب الروحى لكثير من الكُتّاب، صحيح أنه جعل البطولة لذلك المثقف!! أقصد اللص الذى أسماه: سعيد مهران، وجعلكم تتعاطفون معه، بفعل تلك الحيل السردية القديمة: البطولة، والتضاد فى الأسماء.
لكننى لست كلبًا، وما توقيعى الآن على بيان سحب كتبه من الأسواق إلا دفاعًا عن الآداب العليا العامة، ورأفة بالمجتمع الذى يراد تغريبه، وأنا أحب المجتمع أكثر مما أحب الرجل.
ألا تزخر قصصه بالمشاهد الفاضحة؟! ألم ينتصر لعرفة فى روايته تلك؟! ألم تلاحظوا أنه يحترم المومسات ويجعلكم تتعاطفون معهن أيضًا؟! بل جعل أحد المنحرفين بطلًا فى إحدى قصصه!
لست كلبًا الآن، لستُ كلبًا على الإطلاق، كما يقول، ومع ذلك فقد حزنت قليلًا عندما تعرض إلى حادثة الاغتيال، كم تمنيت ألا يموت، ولم يمت فعلًا، وكم تمنيت أن يقرأ هذه القصة التى أكتبها الآن، فقد صرت ساردًا جديدًا فى السردية الإقليمية، وتجاوزت منطقة التأثر الحرجة إلى نقطة التأثير المحلى، وكتب عن تجربتى السردية الكثير من النقاد الخافرين فى ردهة الحداثة العربية، وما بعدها، وليس هو وحده القادر على كتابة القصة الحديثة، التعبيرية أو الرمزية، رغم أنه حاول تهميشى، فلم يدعُنى إلى مهرجان القاهرة الجديدة، أو حفل حصوله على الجائزة.. وأنا الذى كنت أنشر كتاباتى فى جريدة الزهرة، على وزن الثورة، وهو مثلى يحب الثورة، صحيح أننى كنت مع الوضع القائم، وعملت محررًا، ومديرًا للتحرير فى عدد من الصحف والمجلات، وكتبت بعض التقارير الأدبية للمؤتمرات، فلا أريد لأحد ما أن يدنّس أسماء رموزنا التى سنّت الشرائع الإلهية لحماية المجتمع من الضياع والجاهلية.
لكننى لستُ كلبًا، لستُ كلبًا على الإطلاق، أنا جبانٌ فقط، وليست لدى القدرة على المواجهة، كما يستطيع هو، لكنه همّشنى فى روايته تلك، وأنا المركز، لم يعطنى الفرصة كى أتحدث عن نفسى كما منحها لسعيد مهران، وليست لدى الهامش القدرة على البقاء كما تعرفون..
لست أكره سعيد مهران، فقد كان تلميذى.
لكننى لست كلبًا، لستُ كلبًا على الإطلاق، وقد كان عليه أن يجعلنى السارد الأول فى القصة، وأنا أستحق ذلك، فأنا أفضل من سعيد مهران، وأنا أعظم صحفى كتب عنه، صحيح أننى تقاعدت الآن وحوّلت دكان أبى فى سوق خان الخليلى من محل لبيع الكتب القديمة إلى محل لبيع الكتب الرائجة، لكننى ما زلت قادرًا على الكتابة، ولى عمودى الصحفى فى جريدة «الربيع الجديد».
ما زلت قادرًا على الوصول إلى أهل الحل والعقد كما تقولون، أستطيع الآن أن أنتمى إلى أى حزب حاكم مناسب لى، وسيفرحون بى حقًا، فأنا من الموالين للمشايخ وغير المشايخ، وأنا لا أكتب ضد السلطة.
أنا مع السلطة القائمة، مع الربيع العربى، مع الشريعة السمحاء، مع العشائر الموالية، مع الإخوان الحاكمين، وأنا مع العسكر القوى، مع الملك الدستورى، مع الديمقراطية الخلاقة، مع الأحزاب السلفية، وقانون حظر الخمور؛ بل مع القانون ودولته دائمًا، وأنا مع الطربوش الأحمر، والسلطان الأكبر، مع التيار السائد، مع عصائب الطير، والبرلمان السعيد، مع السدارة الفيصلية، ومع المجلس السيادى، والمجلس السياسى، والمجلس البلدى، وبيرم التونسى، واللا مركزية، وأنا مع الدولة المدنية الفاضلة المؤمنة الملتزمة.
وهو لا يستطيع أن يكون مثلى، إنه ضد الحرب كما تعلمون، ووافق على ترجمة رواياته إلى العبرية، العبرية؟! وهم الذين يكرهون العربية، وأنا أحب الأولياء والشهداء والصالحين، وأزور مراقدهم فى كل ليلة جمعة، وأصلى مأمومًا فى الحضرة المقدسة، والجامع الكبير، وأستمع إلى خطبة الجمعة، ومحاضرة الشيخ، وأعظم الشعائر؛ فإنها من تقوى القلوب، وأحب الشيخ الراحل على الجنيدى طبعًا، الولى المجدد والقطب الأوحد المقدس، وأراه صالحًا لحل مشكلاتنا فى كل زمان ومكان، وإذا ما كتبت تقريرًا عنه فيما مضى، فإنكم لم تستطيعوا أن تدافعوا عنه أيضًا، وبعضكم كان كلبًا مثلى، فلم يأت أحدكم ويقول لى لم كتبت ضد الشيخ على الجنيدى فى جريدة الزهرة، على وزن الثورة؟!
والشيخ الجنيدى يحب الثورة أيضًا، لكننى ما زلت مؤمنًا بما قلت له فى القسم الداخلى للطلبة، أنا أود أن أكون شيئًا ما، شخصًا مميزًا فى هذا المجتمع الرتيب، كل الذين استلموا المناصب ليسوا بأفضل منى، لذلك تقربت إلى السيد رئيس مجلس الإدارة، ساعدته فى خدمة بيته عندما يكون فى إيفادٍ إلى الخارج، وبالمقابل منحنى الوظيفة المناسبة، ومساحة أكبر فى الجريدة، وحصلت على شهرة كبيرة وأموال أكثر، لكننى أستحق ذلك وأكثر، فليس ذنبى أنه كان يكتب فى جريدة النذير، وهى جريدة لا تمنح المكافآت المجزية لكتابها، مع أنها تُقرأ من كل طبقات المجتمع، حتى أنا أضطر لقراءتها، لكنه لا يقرأ الزهرة.
لستُ كلبًا الآن، لست كلبًا على الإطلاق، أريد أن أعيش بسلام، لا أريد لأحد أن يذكرنى بالماضى السعيد، أريد أن أكون سعيدًا الآن، ليس كسعيد مهران طبعًا، صحيح أننى كنت حقيرًا كما يقول لكم...
لكننى لست كلبًا، لستُ كلبًا على الإطلاق، غير أنى ما زلت قادرًا على العض!!