رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العتبات المقدسة.. حقيقة هدم أضرحة الصوفية

جريدة الدستور

-٦آلاف ضريح فى مصر حسب إحصائيات أُجريت مؤخرًا

تزايدت خلال الآونة الأخيرة حالات هدم أضرحة ومقامات الصوفيين فى مصر، ما فجر غضب أتباع ومريدى الطرق، الذين خرجوا عن صمتهم وقرروا التصدى بقوة لما يعتبرونه «مخططًا سلفيًا لإزالة تراث الصوفية الروحى». اتهامات الصوفيين طالت وزارة الأوقاف، التى يعتبرونها مشاركة فى المسئولية بسبب قراراتها بهدم بعض المساجد التى تضم أضرحة ومقامات تابعة وغير تابعة للطرق الصوفية، والتى كان آخرها مسجد وضريح القطب الصوفى «الشيخ شطا» فى دمياط. ويشير هؤلاء إلى ما يعتبرونه «تنسيقًا» بين مسئولين فى الوزارة وسلفيين أو أعضاء فى «الجمعية الشرعية» لتسهيل التخلص من هذه المزارات. «الدستور» تسلط الضوء على أزمة هدم الأضرحة والمقامات الصوفية فى مصر، وتكشف تفاصيل هدمها، وكيف سيطر المنتمون للتيارات السلفية على بعض الأضرحة الصوفية فى المحافظات.

1- أبرز الحوادث فى الدقهلية والشرقية.. والدعاة السلفيون على رأس المحرضين

النادى عبدالرءوف النادى، القيادى الصوفى بمحافظة الشرقية، كشف عن هدم عشرات الأضرحة الصوفية بعد ثورة ٢٥ يناير، خاصة بعد وصول جماعة الإخوان للحكم، وسيطرة التيارات السلفية على المشهد الدينى فى مصر.
ولفت «النادى» إلى أن السلفيين يخططون لهدم الأضرحة منذ زمن، وأقدموا بالفعل على هدم ضريح «سيدى على المتيم»، فى قرية «ميت أم صالح» بمركز بركة السبع بالمنوفية، أثناء إحلال وتجديد مسجد «الجمعية الشرعية»، الملاصق له بالقرية.
وأضاف أنه جرى كذلك هدم ضريح «سيدى على أبوطبل» بقرية «أبوطبل» بمركز كفرالشيخ، عن طريق التخلص من الضريح بحجة توسيع المسجد الموجود به، بجانب هدم مقام «سيدى محمد الكرى» بقرية «المساعدة» بمركز منيا القمح بالشرقية، أثناء إحلال وتجديد المسجد المقابل له أيضًا، بحجة أنه مقابل للباب الرئيسى.
وذكر أن «هذا الأمر حصل فى أكثر من مكان من قبل، يقولوا للناس هنعيد بناء الضريح مع المسجد، وبعد الإزالة يبنون المسجد فقط»، مشيرا إلى أن كل هذا كان «بتدبير سلفى»، إذ يتم شحن الناس من قبل هذه الجماعات، بدعوى أن هذه الأضرحة شرك ويجب هدمها.
ويواصل: «منابرهم وخطابهم الدينى المعادى دائما لأولياء الله تشهد على ذلك»، مستشهدًا بأن الداعية السلفى أبوإسحاق الحوينى له محاضرة فى مدرج كلية التجارة بجامعة المنوفية فرع شبين الكوم، فى عصر الرئيس المعزول محمد مرسى، دعا فيها لهدم الأضرحة، ولا يزال يواظب على دعوته إلى الآن.
لأجل ذلك كله، تقدم «النادى» بشكوى إدارية للمشيخة العامة للطرق الصوفية فى واقعة تعيين خادم سلفى لضريح مغلق لأحد الأولياء بمركز منيا القمح بالشرقية، طالب فيها بعزل الخادم، على اعتبار أن قرار تعيينه باطل قانونًا.
وطالب القيادى الصوفى فى شكواه بالتحقيق مع وكيل المركز الذى عيّن الخادم السلفى، ومع الأمين العام للمشيخة الذى ساعدهما فى ذلك، لافتًا إلى أنه سلم نسخًا من الشكوى لكل من الدكتور عبدالهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، ومحمود أبوالفيض، رئيس اللجنة القانونية بالمشيخة، وأحمد لقمة، وكيل عام المشيخة، رئيس جهاز الوكلاء، ومحمد مراعى، وكيل المحافظة، لكن إلى الآن لم يتم التحقيق فى الواقعة مع الوكيل أو المتورطين فى ذلك، ولم يُعزل الخادم، على حد قوله.
مصادر صوفية، أكدت لـ«الدستور»، أيضًا، أن السلفيين هدموا خلال ٢٥ يناير ٢٠١١ أضرحة «سيدى العراقى» و«سيدى أبوغانم» فى قرية منية سمنود بالدقهلية، مشيرًا إلى أن أحمد العدوى، شقيق الداعية السلفى مصطفى العدوى، متورط فى هذه الأفعال، ثم هرب بعدها إلى اليمن.
وحسب المصادر فإن هناك حاليًا مخططًا سلفيًا بديلًا للتخلص من الأضرحة، وذلك بغلقها فى كثير من المدن والقرى، لافتًا إلى أن ذلك يحدث بالتزامن مع تعيين خدام سلفيين من قبل المشيخة العامة للطرق الصوفية، مثل ضريح «سيدى محمد أبوالعائلة الرفاعى»، الشهير بـ«الحجازى» بقرية بندف بمركز منيا القمح، وهو مغلق من سنة ١٩٣٦م بقرار إدارى من مأمور المركز، لمشاكل مفتعلة من أسرة الخادم السلفى، وفوجئ أهالى القرية بأن وكيل المشيخة بالمركز عينه عليه منذ ٢٠١٠.
وقالت المصادر: «كلما قدمنا طلبا للمشيخة بعزل الخادم السلفى المعين غير قانونى على ضريح مغلق، أو ليفتحوه للزوار وينظفوه لا يستجيب أحد»، مشيرة إلى أن هناك أضرحة لأولياء وعلماء كبار بالقاهرة تعانى نفس الوضع، وخصوصا فى «قرافة المقطم».

٢- عددها يصل إلى ٢٠٠.. واتهامات لـ«الأعلى للطرق» بتجاهل الأزمة
الدكتور سيد مندور، نائب الطريقة «السمانية»، يرى أن كثيرًا ممن سماهم «أعداء الصوفية» من المتشددين استغلوا غياب دور المشيخة العامة للطرق، وتعدوا على أضرحة آل البيت والصالحين فى أماكن كثيرة بالبلاد.
وأضاف «مندور» بأسى: «وللأسف، لم يتحرك المجلس الأعلى للطرق الصوفية للحد أو لمنع هذه التعديات، باتخاذ إجراءات احترازية بتعيين خدام وخلفاء عليها استنادا إلى قانون ١١٨ لسنة ١٩٧٦، المنظم للطرق الصوفية، وتكليف الصوفية بحماية الأضرحة أو التوجه إلى الجهات المسئولة بالدولة ومطالبتها بحمايتها»، لافتا إلى أن شباب الصوفية بعد أن رأوا هذا «الموقف المتخاذل» من مجلسهم الأعلى أخذوا على عاتقهم حماية الأضرحة بتنظيم وقفات سلمية لمنع إزالتها.
وأشرك نائب الطريقة «السمانية» وزارة الآثار فى إهمال الأضرحة لسنوات طويلة على حساب الاهتمام فقط بالآثار الفرعونية، على حد قوله، رغم أن هذه الأضرحة مسجلة كأثر يجب الحفاظ عليه، ونفس الأمر بالنسبة لوزارة الأوقاف التى «تجاهلت القانون الذى يقضى بالإشراف على الأضرحة والزوايا الأهلية التى ليست لها أوقاف أو مرتبات من الوزارة والنظر فى شئونها، وتعيين مشايخ وخدام وخلفاء لها وتأديبهم».
ونوه بأن وكيل المشيخة الصوفية العامة ملزم بإخطار المشيخة العمومية بخلو أى ضريح أو زاوية فى نطاق اختصاصه من أحد العاملين لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتعيين من يحل محله، وذلك خلال سبعة أيام على الأكثر من هذا الخلو. ولتدارك الموقف، كشف «مندور» عن أن قيادات طرق صوفية اتفقت على تشكيل لجنة لحصر الأضرحة والمقامات المهدمة، على أن يتم إلزام وزارة الأوقاف ببنائها أو إصلاحها مرة أخرى، لأنها «متورطة فى عمليات الهدم»، على حد تعبيره.
بدوره، قدر مصطفى زايد، الباحث والمهتم بالشأن الصوفى، عدد الأضرحة الصوفية التى هدمت خلال الآونة الأخيرة بـ٢٠٠ ضريح، تقع غالبيتها فى محافظة كفرالشيخ، منتقدًا عدم تحرك أحد من شيوخ الطرق الصوفية للتصدى لهذه «المهازل» التى تحدث منذ ثورة ٢٥ يناير.
واتهم وزارة الأوقاف بالمسئولية عن عمليات الهدم، موضحًا أن هناك إحصائيات وتوثيقًا بكل الأضرحة التى هدمت مؤخرا سواء من قبل الوزارة أو من خلال التيارات السلفية المتشددة، مؤكدًا أيضًا إبلاغ المشيخة العامة للطرق الصوفية بالوقائع، دون أى استجابة. ولفت «زايد» إلى أنه رغم رحيل الإخوان عن السلطة فإن هدم المزارات والأضرحة لم يتوقف، مفسرا ذلك بـ«تنسيق يجرى بين سلفيين وقيادات بالأوقاف، ما نتج عنه هدم ٢٠ ضريحًا داخل مساجد تابعة للوزارة خلال فترة تجديدها مع عدم بنائها مرة أخرى، مثل مسجد سيدى زغلول برشيد». وأكمل: هناك أكثر من مائة ضريح صوفى هدمت بعد ثورة ٢٥ يناير، إذ انتهزت التيارات الإسلامية فرصة غياب الأجهزة الأمنية وقتها، وسيطرة المتشددين على الأوقاف فقاموا بمذبحة للأضرحة والمقامات النائية.
3-مشايخ: صفقة بين «متشددى الأوقاف» و«الجمعية الشرعية»
الدكتور علاء الدين أبوالعزائم، شيخ الطريقة «العزمية»، عضو المجلس الصوفى الأعلى، يرى أن المتورط الأول فى هدم الأضرحة والمزارات الصوفية التيارات السلفية المتشددة، ثم وزارة الأوقاف. واتهم «أبوالعزائم» الوزارة والجمعية الشرعية بمساعدة السلفيين فى هدم مقامات الصوفية، وأنهم ينفقون على تجديد المساجد القديمة، مقابل هدم الأضرحة الموجودة فيها، معتبرًا أن هذه «حرب ومخطط كبير يستهدف القضاء على المقامات والأضرحة الصوفية فى مصر». وحذر من سيطرة المتشددين على المشهد الدينى فى مصر بين عشية وضحاها، إذا استمر هذا الوضع كما هو عليه، مشددًا على أن الصوفية لا يصلح أن يعيشوا دون مقامات وأضرحة، إذ إن تراثهم يتجسد فيها. وقال إن وزارة الأوقاف خدعت الطرق الصوفية بتأكيدها عدم المساس بأى ضريح أو تجديد أى مسجد به ضريح إلا بعد الرجوع للمشيخة الصوفية، لأن «هذا لم يحدث، إذ فوجئنا بإزالة ضريح سيدى زغلول أحد الأضرحة الصوفية المشهورة، بعد تجديد المسجد الذى كان يضمه بمدينة رشيد».
من جانبه، وصف عبدالخالق الشبراوى، شيخ الطريقة «الشبراوية» هدم أضرحة الصوفية بـأنه «مخطط خبيث هدفه القضاء على الفكر الصوفى فى مصر»، مطالبا الدولة ووزارتى الداخلية والأوقاف بالحفاظ على الأضرحة من أى أعمال تخريبية أو هدم، وردع التيارات المتطرفة التى تحاول المساس بهذه «الأماكن المبروكة التى حمت مصر من أفكار المتشددين على مدار سنوات».
واتفق «الشبراوى» مع «أبوالعزائم» فى اتهام وزير الأوقاف بخداع الصوفية بـ«الوعود الزائفة» عن الرجوع لهم قبل تجديد أى مسجد يضم ضريحًا، مستشهدًا بإعلان الوزارة هدم مسجد «الشيخ شطا» بدمياط، تمهيدًا لتجديده، دون أخذ رأى الصوفية أو المسئولين فى لجنة الأضرحة، ما يؤكد وجود «مخطط تقوده قيادات سلفية وهابية فى الوزارة»، وفق قوله.