أول غواص مصرى كفيف: لا أشعر بالحياة إلا تحت الماء
«الحقيقة سعد اتولد كفيف ومفيش عمليات جراحية هتقدر تعالجه. هيكمل حياته كده».. هذه الكلمات تلقتها أذنا الصغير «سعد عبدالمنعم» فى مستشفى قصر العينى، ولأنه لم يكن قد بلغ عامه الثانى بعد لم يفهمها ويدرك معناها، وكان كل همه أن يعود إلى قريته التابعة لمدينة طنطا بمحافظة الغربية، ليستكمل لعبة البحث عن الكرسى ويصطدم به للمرة المليون.
«سعد» الآن شاب فى الخامسة والعشرين من عمره، تمرد على ظلام العالم من حوله وحوّله إلى نور، ورفض أن يستسلم للسجن المظلم الذى فُرض عليه منذ طفولته، فدخل إلى مدرسة «النور والأمل» للمكفوفين، وتعلم بطريقة «برايل» وتفوق فى دراسته بصورة أبهرت كل من حوله.
لم يكتف صاحبنا بالتفوق فى الدراسة وحسب، بل أعلن الحرب على الظلام بتعلم الكثير من الرياضات التى لا تتفق ولا تجتمع مع العتمة، مثل ركوب الخيل والسباحة والجمباز والكاراتيه. «كل ما تعلمته من الرياضة بالرغم من صعوبته لأنى كفيف، تقبله الجميع، لكن ما اعتبروه جنونًا حقًا هو أننى تعلمت الغوص. هى رياضة صعبة على المبصر، فما بالك بمن لا يرى ما حوله فى أعماق البحر من أخطار؟».. يقول «سعد» متحدثًا عن هذه الرياضة التى اختارها وأدهش بها الجميع، لافتًا إلى أنه أصبح «أول كفيف يحصل على رخصة فى الغوص، والذى وجدت فيه متعة لم أجدها فى أى رياضة أخرى». ويضيف: «الناس كلها بتنزل تحت المياه تشوف السمك والشعب المرجانية أنا بقى بنزل علشان أسمع. لا أشعر بالحياة إلا عندما أكون تحت سطح الماء، ولا أستطيع وصف إحساسى بالمتعة عندما أرتدى بدلة الغطس، لكن كل ما أقدر على قوله هو إن الغوص من أهم الأشياء فى حياتى». «إبراهيم مكاوى» هو الاسم الذى يذكره «سعد» بالخير دائمًا، كونه قائده ومدربه على رياضة الغوص ورفيقه فى الرحلات إلى مدينتى شرم الشيخ والغردقة حيث المتعة المطلقة: «تعرفت عليه من خلال فعالية بالجامعة تتيح لذوى الاحتياجات الخاصة ممارسة كل أنواع الرياضة حتى الخطير منها». خلال هذه الفعالية، سمع «سعد» عن ذوى الاحتياجات الخاصة الذين يتسلقون الجبال، ليقرر أنه ليس أقل منهم عزيمة، لكنه لن يصعد إلى قمة جبل بل سيغوص فى الأعماق.
يصل للحديث عن أمنياته ويقول: «عايز أبقى مدرب غطس. عارف إنه صعب لكن مش مستحيل»، مشددًا على أن هذا هو هدفه المقبل وحلمه الذى سيسعى لتحقيقه خلال الفترة المقبلة، ومهما تعرض للفشل لن يستسلم، خاصة أنه يستمتع بالفشل ويعتبره بداية النجاح، وفق قوله.
ويختتم: «الإنسان يتعلم من فشله، ويقيم المواقف التى لا يمكنه نسيانها، لذا أنا فى انتظار تلك اللحظة، التى سأغوص بها فى الأعماق ومعى أشخاص يشبهوننى ولديهم نفس ظروفى، كى أجعلهم يسمعون صوتًا ما تحت البحار».