رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة والرجل معاً فى ملحمة الحرية


إننا فى أيام تاريخية يصنعها المصريون رجالا ونساء

إن التاريخ قد بدأ مع المصريين وهو يتوقف الآن ليكتبه المصريون بحروف من نور ضد قوى الظلام والإظلام.

هناك فرق كبير بين أن تشارك فى الثورة، وأن تشاهدها أمام شاشات التليفزيون.

إنه إحساس رائع يمدك بطاقة هائلة ويرتفع بك فوق الأرض، فوق كل الصعاب وفوق ذاتك لتجد نفسك فى مواجهة القدر، فإما أن تكون على مستوى اللحظة التاريخية فتنسى الخوف وتتجه إلى قلب الحدث الذى يتشكل أمامك وبك مع الملايين، وإما أن تظل مشاهدًا فقط. ولأننى مررت كغيرى من ملايين المصريين الذين يحبون هذا الوطن ويعشقون ترابه ونيله وسماءه وأهله، فإننى نزلت لأشارك فى ملحمة الحرية والتغيير من أجل إسقاط نظام فاشى مستبد وقمعى أساء لمصر وللمصريين طوال عام كامل.

لقد رأيت الابتسامة على وجوه ملايين من الأسر المصرية التى انطلقت إلى الشوارع لتشكل إرادة شعب عظيم يطالب برحيل السلطة الحاكمة وأتباعها، هذه الابتسامة كانت غائبة عن الوجوه طوال عام كامل مضى، مر علينا كأنه دهر كامل، لقد عشت لحظات تمتزج فيها الفرحة بالحماس بالأمل وبالشجاعة ولكنها جميعاً تحت عنوان واحد هو «الوطنية».

لقد رأيت سلاسل بشرية تحمل أعلام مصر وتصيح «تحيا مصر»، تضم الأسر المصرية بكافة أفرادها، الآباء يحملون أطفالهم فوق الأكتاف والنساء بجوار الرجال والكل يتجه معًا إلى ميدان التحرير...حيث لا تجد موقفًا لقدم.

كل فئات المجتمع المصرى شاركت بدون تردد؛ المثقفون والعمال والفلاحون والمدرسون والصحفيون ورجال الأعمال وربات البيوت والأطباء والمهندسون، كل الميادين فى كل المحافظات إمتلأت عن آخرها، كما إمتلأت الاتحادية بحيث لا ترى الأرض.

لقد ارتفعت فى ميدان التحرير يوم ٣٠ يونيو الصيحات العالية «تحيا مصر» لتشق عنان السماء، كما ترددت الأغانى الجميلة الوطنية التى يحبها المصريون، ارتفع صوت الشابات والنساء ليصبح أعلى من صوت الشباب والرجال، أكدت نساء مصر أن صوت المرأة ثورة، وأنهن صانعات للتاريخ وشريكات فى النضال وفى الثورة.

رأيت صديقات من أيام الدراسة الجامعية ومن أيام المدرسة فى الميدان، رفضت نساء مصر أن يمس أحد حقوقهن أو حريتهن أو كرامتهن، أو إعادتهن إلى عصور الظلام واعتبار المرأة عورة... فى قلب الثورة يمكنك أن تشاهد أيضاً الجدات المسنات يحملن الأعلام ويجلسن على مقاعد بجوار أسرهن.

إنها ملحمة تاريخية كتبها المصريون الذين قرروا أن يتمسكوا بهويتهم المصرية وبالتعددية الثقافية التى تميز المجتمع المصرى عبر العصور.

قال المصريون إنهم يرفضون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ويرفضون العيش فى عصور الظلام، لقد صنع الشعب المصرى المعجزة وخرج فى حشود هائلة إلى الشوارع ليؤكد أن البعد الاجتماعى هو الأهم وأن المجتمع المصرى يرفض الفاشية والاستبداد والقهر وقتل أبنائه، وأنه يبهر العالم مرة أخرى، إذ خرجت الفضائيات والمواقع الاجتماعية والمواقع الإخبارية لتصف الثورة المصرية بأنها الأكبر فى تاريخ مصر.

إن فكرة عبقرية على ورقة صغيرة ابتكرها شباب مثل الزهور، ووقعها الشعب المتطلع إلى التغيير جمعت الشعب حولها وحققها على أرض الواقع يوم ٣٠ يونيو وقبلها بأيام.

أما بيان القوات المسلحة فإنه كارت أحمر كبير فى وجه النظام، إنه بيان يذكرنى ببيان انتصارأكتوبر، بيان استقبله الشعب بالفرحة والزغاريد لأنه من درعه الواقى، استجابت القوات المسلحة لمطالب الشعب المصرى المنتفض من أجل التغيير، ولكن الرئاسة لم تستجب ولم تتوقف لتراجع نفسها أمام مطالب الشعب. إن يوم ٣٠ يونيو هو يوم تاريخى فى مسيرة نضال شعب مصر، إنه يوم الحرية، فدعونا نجعله عيداً للحرية نحتفل به كل عام لنراجع فيه ما فات، ونتذكره كيوم سطعت فيه شمس الحرية لتضىء ربوع مصر، والآن علينا أن نواصل الصمود من أجل التقدم لبناء مصر من جديد على أسس سليمة، ولكن من ناحية أخرى لابد من الحذر أمام دعاوى التفرقة والفرقة والكراهية التى عانى منها الشعب طوال عام كامل، لابد من الحذر أمام محاولات بث الفتنة الطائفية واستخدام الدين لإثارة العنف والتطرف وتقسيم المجتمع مرة أخرى.

إنها دعاوى لأجندات مشبوهة فطن إليها الشعب الذكى الشجاع ورفضها فى كل صورها، إن الطريق لايزال شائكًا وطويلاً ولكن عزيمة هذا الشعب العظيم قد أصبحت غير قابلة للانكسار.. ولهذا فإنها ستحقق كل المستحيلات، لأنها ملحمة الحرية