رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأنبا مكاريوس: نطالب بتعويض المتضررين فى «دمشاو هاشم» وبناء كنيسة.. والجلسات العرفية إهانة للدولة

جريدة الدستور

- أسقف عام المنيا قال إنه واثق فى وجود حل يرضى الجميع لدى الرئيس السيسى
- رفضنا تبرعات أهلية لأن هذا دور الدولة تجاه كل المواطنين
- المنهوبات فى «دمشاو هاشم» تزيد على 100 ألف جنيه
- مرور اعتداءات 2005 دون حساب شجع المتطرفين
- فيديوهات وتدوينات وبيانات قديمة استخدمت فى الأزمة
- قلبى مع أمهات المحتجزين المسلمين.. ونبلاء مسلمون وإعلاميون وحقوقيون وقفوا بجانبنا فى الأزمة

اعتبر الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا وأبوقرقاص، ما جرى فى قرية «دمشاو هاشم» بمحافظة المنيا «تطورًا نوعيًا» فى الأحداث الطائفية، لأن «المعتدين احتجوا استباقيًا على إنشاء كنيسة لم تُبن بعد». ونفى أسقف المنيا، فى حواره مع «الدستور»، تحويل أى منزل بالقرية إلى كنيسة، مرجعا أسباب ما حدث إلى التحريض من قبل متطرفين على موقع التواصل الاجتماعى ضد الأقباط. وأكد ثقته فى تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى لحل الأزمة بصورة مرضية، بما يضمن تحسن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
وكشف أنه سيصدر بيانًا فى وقت قريب على هامش الأزمة يرصد فيه مواقف نبلاء المسلمين فى الأزمة، مشددًا على رفضه الجلسات العرفية باعتبارها إهدارًا للقانون.

■ ماذا جرى فى «دمشاو هاشم»؟
- لا يمكن النظر لما حدث فى القرية خلال الأيام الأخيرة منفصلًا عما جرى قبل ١٣ سنة، وما جرى إلى جوارها، فالقرية شهدت أواخر عام ٢٠٠٤ وأوائل ٢٠٠٥ أحداث تعدٍ على المسيحيين بسبب شائعة عن بناء كنيسة، وعلى إثر هذه الأحداث هاجر عدد كبير من أهل القرية لخارجها، ولأن ما حدث مر مرور الكرام، كانت هناك خبرة سابقة بأن الخاسر هم الأقباط. ومنذ عامين، أصبح للإيبارشية فى المنيا نهج بأن القرى التى ليس بها كنائس يقوم رجل دين بزيارتها أسبوعيًا، وفى بعض الأحيان أكثر من مرة فى الأسبوع ليرى احتياجات أبنائها، وهذا يحدث فى «دمشاو هاشم» من وقتها، ولم يتعرض أحد من أقباط القرية لأى أذى منذ ذلك الوقت، بالعكس كان رجال الدين يدخلون منازل المسلمين ويجاملونهم فى المناسبات ويتجولون فى القرية دون أى مشاكل.
إلا أنه منذ أسبوعين تقريبًا، فى قرية مجاورة لـ«دمشاو هاشم» هى «عزبة سلطان» وقعت أحداث مشابهة وتعديات، وأبلغنا عن ٩ محرضين، والمحرض أخطر من المنفذ، لأن المنفذ ينساق وراء المحرض، الذى يقوم بعملية غسيل مخ للمنفذ، الذى قد يندم بعدها، ولكن لم تتم محاسبة الجناة، فانتقلت العدوى إلى «دمشاو هاشم»، وترددت الأنباء عن أن حدثا كبيرا سيقع فى القرية، قبل الجمعة ٣١ أغسطس بـ٤ أيام، وللأسف لم يتم اتخاذ أى إجراءات احترازية. وفى يوم الجمعة تجمع نحو ألف شخص ورددوا هتافات معادية، وبعدها وقعت الاعتداءات على ٥ بيوت، وأحداث نهب لأموال ومشغولات ذهبية، وإطلاق نار تسبب فى حريق، وتحطيم للمنازل، والجديد فى الأحداث أنه رغم الاحتجاجات المتكررة على بناء كنيسة فى المنيا وغيرها، فإن اعتداءات «دمشاو » كانت استباقية من أجل ألا تسول أنفس الأقباط لهم إقامة كنيسة فى هذه القرية، وهو ما يعد تطورا فى نوعية الاعتداءات لأنها استباق لمجرد النية.
وأعتقد أنه كان يمكن تجنب وقوع الأحداث بإجراءات احترازية، لأن ما جرى كارثة. أنا قلبى مع ٣٨ أمًا، أبناؤهن محتجزون الآن، فى النهاية هن أمهات، وقلبى مع قلوبهن المحترقة على أبنائهن لأن ما جرى للأقباط لا يمنعنى من التعاطف مع أمهات المحتجزين، لأنه ربما يكون الأب والأم شخصين بسيطين مهتمين فقط بتأمين قوت يومهما، وكما أن لإجراءات الاحتجاز بُعدا مجتمعيا سيئا، وفى الوقت ذاته فإن تركهم أمر سيئ أيضا.
■ ما حجم الخسائر فى القرية؟
- تقدر المنهوبات بنحو ١٠٠ ألف جنيه، وما تم تحطيمه يقترب من نفس المبلغ، وهناك ٣ منازل تحتاج لإعادة إعمار أو بناء، لسببين الأول أن المنازل تضررت وثانيًا حتى لا ترتبط لدى أصحابها بالحادث.
■ ماذا قدمت الكنيسة للأقباط المتضررين فى القرية؟
- موقف الكنيسة كان رفع الضرر النفسى، فهناك ١٠ أطفال بين المتضررين فى «دمشاو» كانوا عرضة للترويع، خاصة أن الحدث لم يكن فيه اشتباك، وإنما معتدٍ ومعتدى عليه، وهذا سيترسخ فى ذاكرة الأطفال ووجدانهم أن المسلمين فعلوا بنا هذا وذاك. وقد استقبلت ٣٢ شخصًا من القرية من نساء وأطفال ورجال، وتحدثت معهم كنسيًا عن التسامح والصبر، ومصريًا عن أننا لا نقبل ذلك على بلدنا، وأن الحكومة والدولة لن تقبل بذلك، واتفقنا معهم عن أن الكنيسة لن تعوضهم وستترك تعويضهم للحكومة كمواطنين مصريين، وهم اتفقوا على ذلك راضين، ورفضنا جمع أى تبرعات لهم.
■ هل هناك بالفعل عرض لتعويض المتضررين؟
- هناك العديد من الشخصيات من الأقباط ونبلاء المسلمين الذين عرضوا مساعدات ولكننا رفضنا، وطلبنا الانتظار حتى تعوضهم الدولة، كما تفعل مع كل المصريين المتضررين من أى حادث. ويمكن القول إن أحداث «دمشاو» حركت عددا لا حصر له من نبلاء المسلمين، والشخصيات العامة الإعلامية والحقوقية، ومن كتب عما جرى من المسلمين أكثر بكثير من المسيحيين، وهذا كان له أثر بالغ على المتضررين من المسيحيين الذين شعروا بأن هناك من يشعر بآلامهم، كما أن الحكومة نفسها فى حالة استنفار، لأن ما جرى من شأنهم تشويه صورة مصر وهو ما لا ترتضيه الدولة.
■ بالحديث عن صورة مصر.. كيف ترى ما يُنشر عن الحادث؟
- للأسف هناك أشياء غير حقيقية نُشرت، فهناك فيديوهات من أحداث سابقة، وهناك صورة لى ليست من القرية تم نشرها، كما تم تداول صور من تدوينات وبيانات لى منذ عدة سنوات، وللأسف فإن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى لا تتوخى التاريخ بدقة.
■ هناك روايات تقول إن هناك منزلا كان يعد للبناء ككنيسة وإنه كان دار حضانة للمسيحيين فقط.. أهذا صحيح؟
- ليس لدينا دار حضانة فى المنطقة، لكن لدينا أب كاهن يصلى فى أكثر من مكان، فى كل مرة يصلى فى منزل من منازل الأقباط، والصلاة فى المنازل ليست ممنوعة، ويمكن أن يكون أحد الأشخاص أشاع أن أحد هذه المنازل سيتم تحويله لكنيسة، وهذا غير صحيح. ولكن سأفترض أن ذلك صحيح، السؤال مَن مِن حقه أن يمنع ذلك؟ الدولة وليس الأفراد، لأننا دولة ذات سيادة ومؤسسات وقانون.
وأنا أحب أن أفرق بين الدولة والحكومة، والحكومة لا بد أن تغار على الدولة وسيادتها، ولا تترك أشخاصا ينصبون أنفسهم مشرعين وقضاة وجلادين، فيقررون أن الأقباط مخطئون ويخرجون لمحاسبتهم وعقابهم.
■ لماذا ترفض الجلسات العرفية لحل الأزمة؟
- الجلسات العرفية إهانة للدولة وللقانون، أنا أوافق على الجلسات العرفية لعلاج البعد المجتمعى، ولكن بعد أن يطبق القانون، لأن الترضية فى الجلسات العرفية غالبا ما تكون على حساب الأقباط، وحتى إذا قبل الأقباط لا بد أن ترفض الدولة، لأن ذلك إهانة لها.
■ على مستوى الحكومة.. كيف كان رد فعل الدولة على الأحداث؟
- التقيت مندوبًا عن وزارة الداخلية، وأكد لى أن الوزير يتابع ما يحدث، وأن الأزمة ستُحل، وتساءل حول مطالبنا، فقلنا إن المطلوب تعويض المتضررين، وكذلك رد ما تم نهبه، وإقامة كنيسة فى القرية، وتساءلت ما هو الضرر من إقامة كنيسة فى القرية؟ أليس هذا أفضل من انتقال نساء وأطفال وعجائز من قرية لأخرى للصلاة فيها؟.
للأسف الكنيسة عند أهل القرية «مكان للكفر»، وبعضهم وزع على مدخل القرية كتيبا حول حكم الدين فى بناء كنائس، وبه أنه من المحرم بناء كنيسة جديدة أو تعمير ما دمر، والبعض الآخر كتب على حوائط القرية «دمشاو ستظل طاهرة»، وكأن الكنيسة مكان نجس، وهذا تحريض على الأقباط، رغم أن الكثير من عقلاء المسلمين رأيهم مختلف والكثير من آيات القرآن توصى خيرًا بالمسيحيين، وإذا كانت هذه هى ثقافة القرية أو المحافظة، فلا يغير الثقافة والعرف سوى إعمال القانون.
■ بالعودة إلى «عزبة سلطان».. ماذا جرى هناك؟
- فى «عزبة سلطان» توجد كنيسة تهدّم جزء كبير منها، فبنى كاهنها مبنى ملاصقًا لها وعلى أرضها كمبنى خدمات، وأراد أن ينقل الصلاة لمبنى الخدمات ويترك المبنى المهدم، لكن أهل القرية رفضوا وخرجوا فى مظاهرات وتم إطلاق أعيرة نارية ورددوا هتافات معادية.
وللأسف هناك من أعلن أنه حتى لو تم القبض على أحد فإنه سيخرجه حتى لو استدعى ذلك دفع كفالة. وكان المفترض على الدولة أن توصل للمحتجين رسالة أنه ليس من شأنكم لأن هذا شأن الدولة، لأن أى مسئول على الكرسى مصرى ومسئول عن المسيحى والمسلم والسلفى والشيعى وحتى الملحد.
وأنا واثق أن السيد الرئيس غير راض عن ذلك، وكذلك وزير الداخلية، وأثق أنهما سيتدخلان لحل الأزمة بشكل مرضٍ، وهذا التدخل سيحسن علاقة المسلمين والمسيحيين.
وأحب أن أقول إن نبلاء المسلمين كانت لهم مواقف جيدة أثناء الأحداث، فمثلا شخص مسلم جذب الضابط من يده لإخلاء سيدة مسنة وعاجزة من المنزل المعرض للهجوم، وقبلها بشهرين جاء اثنان من الشباب المسلم بالقرية كانا يزوران والدتهما المسنة ووجدا سيدة مسيحية كانت تحتاج لمساعدة فجاءا إلى المطرانية ليطلبا أن يتوجه لها مسئول من المطرانية، وذهبنا للمستشفى لمجاملة أم الشابين ومساعدة السيدة المسيحية.
وقريبا، سأنشر مواقف نبلاء المسلمين بـ«دمشاو هاشم» على هامش الأزمة للتأكيد على أن الأهالى ليسوا كلهم متطرفين.
■ فى تفسيرك.. لماذا تتكرر حوادث الفتنة الطائفية فى المنيا؟
- لا أعلم، ولكن وضع المنيا يجب أن يُدرس: هل هناك سيطرة لتيار سلفى وهل هناك قيادات للتيارات المتطرفة مختبئة فى المنيا؟ لا أعلم، أو أن المنيا صدرت قيادات للتيارات المتطرفة؟ لا أعلم أيضا، لا بد من دراسة ذلك كله.
ومن العلاجات المطروحة للأزمة عدم بقاء الموظفين فى الهرم الوظيفى لفترات طويلة، لأن المحافظ ومدير الأمن يتم تغييرهما بصورة مستمرة، ولكن من ينفذ توجيهاتهما ويعطى لهما البيانات هم أشخاص مازالوا فى مناصبهم منذ ما يقرب من عشرين سنة، وأصبح لديهم «تربيطات» ومصالح مع الكثيرين، وهؤلاء أخطر ما فى الأزمة لأنهم هم الرؤساء الصغار للمنيا، خاصة أن المحافظة أهملت لسنوات طويلة حتى أصبحت صداعا فى رأس الدولة، وهناك مقولة فى ذلك هى أنه «إذا لم تذهب الدولة للمنيا فإن المنيا ستذهب للدولة».

هل للتيار الإسلامى سيطرة داخل القرية؟
- يقال إن القرية ذات طبيعة خاصة، لكن يجب على الدولة ألا تتركها لسيطرة تيار معين، سواء كان فيها مسيحيون أم لا، خاصة أن المجموعات الخاصة بالقرية على مواقع التواصل الاجتماعى تحت سيطرة أفراد يغلب عليهم التوجه المتطرف، وهو ما اتضح من التحريض على هذه المجموعات، وقد أخذنا نسخا من هذه التدوينات التحريضية التى حذف عدد كبير منها بأسماء من كتبوها، إذ قررت هذا المجموعات بعد ما وقع عدم إعطاء فرصة لإمساك ما يمكن أن يسىء لصورة القرية.