رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر كهف الشيطان


قرأتُ لبعض الناشطين فى مجال حقوق الإنسان صيحات اعتراض على حكم الإعدام الذى صدر ضد بعض قيادات إخوانية، ارتكبوا جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات بالإعدام، حينما احتلوا ميدان رابعة، وحملوا أسلحتهم وقطعوا الطرق، وقاموا بتعذيب مواطنين وقتل آخرين، انتهاء بقيامهم بالتحريض على قتل ضباط الشرطة وقت فض هذا الاعتصام المسلح الإجرامى.

من العجيب أن تعترض جمعيات حقوقية على فض الاعتصام المسلح فى الوقت الذى لم تصدر عنهم أى اعتراضات على الاعتصام المسلح نفسه، وكأنما الأصل أن يحمل المواطنون الأسلحة ويقطعوا الطرق، ويقتلوا رجال الشرطة، ورغم أن اللائمة ينبغى أن توجّه فى المقام الأول إلى قيادات الإخوان التى بادرت بارتكاب هذا العمل الإجرامى والتحريض على هذا الاعتصام المسلح، ثم عدم قبول تلك القيادات الدعوة السلمية التى وجهتها الشرطة للمعتصمين كى ينسحبوا من هذا التجمع الإجرامى آمنين مطمئنين، ما ترتب عليه أن حرَّضوا أتباعهم على البدء فى إطلاق النار على الشرطة، فاضطرت الشرطة لتنفيذ القانون ومواجهة تلك العصابة الإجرامية بالقوة التى يقرها القانون، ليس فى مصر فحسب ولكن فى كل بلاد العالم، ومع ذلك فإن المنظمات الحقوقية المشبوهة تركت المجرم الحقيقى وأخذت توجّه اللوم للنظام المصرى، ثم إذا بها تتجاوز وتوجّه اللوم للقضاء المصرى الذى حكم فى القضية، وفقًا لقانون العقوبات والأدلة التى كانت مطروحة أمامه، ثم إذا بمفوضية حقوق الإنسان فى الأمم المتحدة تسير على نفس نهج المنظمات المشبوهة، وتُصدر تقريرًا تدين فيه حكم الإعدام!

يبدو أن تلك الجهات وهؤلاء الأشخاص الذين تعودوا فى كل مناسبة على الدفاع عن الإخوان، والبحث عن تبريرات لجرائمهم، لا يعرفون حقيقة تلك العصابة الإجرامية، ويبدو أن هؤلاء يصدقون الخطابات المعلنة من تلك الجماعة الإرهابية.. أقول هذا من باب حُسن النية ليس إلا، لأن كل الظواهر تؤكد أن تلك التقارير وهذه الإدانات لحكم الإعدام ما هى إلا إدارة للمؤامرة المستمرة على مصر منذ سنوات، والتى كان الإخوان الطرف الأكبر فيها، ولمخابرات بريطانية وأمريكا الدور الأعظم فيها، ومع هذا فإننى أقول لبعض المصريين الذين وقعوا فى فخ تصديق تلك الجماعة إنهم لكى يعرفوا مدى صدق تلك الجماعة فيجب أن ينظروا إلى سلوكها وألا ينظروا إلى قولها، فهناك أشياء تُقال ولا تُمارس، وهناك أشياء تُمارس ولا تُقال، لذلك صدق من قال: أقيموا الإسلام الحقيقى فى قلوبكم يقم فى بلادكم، وكان حكيمًا من قال: لا تكلمنى عن الإسلام ولكن دعنى أراه فيك.. ولكن عندما وصلت جماعة الإخوان للحكم، إلى اللحظة التى نعيش فيها حاليًا، هل رأينا الإسلام فيها.. أدعو المتعاطفين مع تلك الجماعة، المخدوعين فيها، أن ينظروا لأفعالهم ومدى اتفاقها مع الدين، ساعتئذ سيعرفون أن الإخوان والإسلام ضدان لا يجتمعان، فحكم الدين يستشرف القيم، والأخلاق، والصدق، الدين يحرك نوازع الخير فى الإنسان، ولكن فعل الإخوان كان مختلفًا عن هذا. ولذلك، فإنه حين يختلف الشعار المعلن والأدبيات المكتوبة عن التطبيق الحقيقى فلا تركن إلى الشعار ولا تأخذ من الأدبيات والأقوال، ولكن انظر إلى الأفعال، حينها ستعرف ما هى الحقيقة، فحين تتدحرج كرة الثلج من فوق الجبل تكون فى بدايتها هى الكرة الحقيقية ولكنها مع تدحرجها تتحول إلى شىء آخر، كذلك كرة الإخوان تتدحرج بزعم الرغبة فى إقامة دولة الإسلام، ثم تتحول هـى بذاتها بعــد ذلك إلى الإسلام ذاته، وفـى سبيل الإخوان تهون الهنَّات، والقاعدة الفقهية التى تقول «الضـرورات تبيح المحظورات»، والتى من معانيها أن المفسدة فى بعض الأحيان لازمة لتحقيق المصلحة الراجحة، وما حُرِّم للذريعة يُباح للمصلحة الراجحة، والحرام لذاته تُبيحه الضرورة، والحرام لغيره تُبيحه الحاجة أو المصلحة الراجحة، هذه القاعدة الفقهية تتحول على يد الإخوان، وهم يوازنون بين المصالح والمفاسد، إلى «الغاية تبرر الوسيلة»، لذلك مـــــن يـُرِد أن يفهم أفكار الإخوان السياسية وما فعلته فينا وما ارتكبته فى حق بلادنا فعليه أن يدرس هذه القاعدة جيدًا ليعرف كيف يفكر الإخوان ولماذا يرتكبون جرائمهم. الانحراف بهذه القاعدة الفقهية إلى الغاية تبرر الوسيلة، هو الذى يقودنا إلى ذلك الكهف السرى القابع فى دهاليز جماعة الإخوان، آن الأوان للكشف عن هذا الكهف، ولينظر مَنْ لا يصدق إلى أوراق التاريخ.. كان الملك فؤاد فى تقدير الإخوان مفسدة صغرى ولكنه كان مفسدة ستتحقق من خلالها مصلحة راجحة، هى تمكين الإخوان، وعلى النسق ذاته كانت علاقتهم بالملك فاروق وإسماعيل صدقى والإنجليز والضباط الأحرار وعبدالناصر والسادات ومبارك، فإذا أثبتت الأيام عندهم أن هذه المصلحة الراجحة مشكوك فى تحقيقها من خلال هذه الوسيلة، أو أن الوسيلة استنفدت أغراضها، فليس هناك مانع من تغييرها أو التخلص منها بلا أى شعور بالحرج! وقبل يناير ٢٠١١، كانت الضغوط الأمنية تتوالى على الإخوان، لم يكن الأمن المباركى فى أى وقت يستهدف القضاء على الجماعة، ولكنه كان يستهدف إضعافها، وكان الإخوان يفكرون فى وسيلة يخففون فيها من سطوة هذه الضغوط، وكان من ضمن أوراقهم وقتها التلويح بورقة البرادعى، ليس حبًا فى البرادعى ولا اقتناعًا به، ولكنهم رأوا أنه يمثل مصدر قلق لمبارك ونجله، وقد يكون تلويحهم بهذه الورقة مفضيًا إلى فائدة إخوانية كبرى، لأن النظام القلق وقتها قد يضطر إلى مهادنة الإخوان والتفاوض معهم حتى يتخلوا عن البرادعى، أما بعد الثورة فقد أصبحت هذه الورقة لا فائدة منها، فقد استنفدت أغراضها بقيام الثورة، لذلك ينبغى للجماعة أن تبحث عن وسيلة أجدى حتى ولو كانت فى فهمهم «مفسدة»، لذلك نظروا للثورة قبل أن تقوم على أنها مفسدة كبرى من الممكن أن تفسد غايتهم، فوقفوا ضدها ولم يشتركوا فيها فى الأيام الأولى، وبعد أن ترجح لديهم أنها ستنجح اشتركوا فيها وركبوها، وتحولت إلى مفسدة صغرى تتحقق من خلالها مصلحة راجحة، هى تمكين الإخوان من الحكم، وبالطريقة نفسها كان موقفهم من المجلس العسكرى، وهكذا هى نظرة الإخوان بالنسبة إلى كل تحالفاتهم.
وعندما قرر الإخوان فى البداية عدم خوض انتخابات الرئاسة، كان ذلك بالنسبة لهم محققًا مصلحة الحفاظ على توازن الجماعة، وإذ حرضتهم أمريكا على خوض تلك الانتخابات «لحسوا» تصريحاتهم وخاضوا الانتخابات، إذ أصبح وقوف أمريكا معهم- وهى فى الأصل وفقًا للظاهر عدوة لهم- ضامنًا لنجاحهم بما يحقق هدف وصولهم للحكم، وعندما ثار الشعب عليهم لم يقبل «مرسى» أى موافقة على مطالب الشعب، لأن هذه الموافقة كانت تعنى لهم مفسدة كبرى، تضيع من أجلها مصلحة قائمة، هى مصلحة الحكم، ومن بعد الثورة عليهم نظروا لكل الحلول التى طُرحت على أنها مفاسد كبرى لا يمكن القبول بها، وعندما رفضوا فض اعتصامهم المسلح سلميًا كانوا يعلمون أن الفض الجبرى من الشرطة سيتم وفقًا للقانون لا محالة، لذلك طلبوا من أتباعهم البدء فى إطلاق الرصاص على الشرطة وهم يعلمون أن هذا الأمر سيترتب عليه وقوع قتلى من الإخوان، ولكن مسألة وقوع القتلى هذه تعتبر عندهم مفسدة صغرى يظنون أنهم من خلالها سيحققون مصلحة مرجوة، وهى الضغط على النظام المصرى لكى يعود الإخوان للحكم مرة أخرى، لذلك لا ضير من سقوط قتلى فى سبيل الحكم، ومن أجل الاتجار بتلك المظلومية مستقبلًا، وسيظل الإخوان يعيشون تحت نظرية المفسدة الكبرى لن يغادروها أبدًا.