رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الملهمة".. أيام الحب فى حياة جيهان السادات

السادات وجيهان
السادات وجيهان

ما بين الحب والسياسة، خلال فترة من أهم فترات تاريخ مصر الحديث، عاشت السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

فى الحب غنى لها زوجها أغنية لـ«فريد الأطرش» وهى فى عمر الـ١٥، وفى السياسة فاجأها- بعد زواجهما- باستقباله ورقة كتب عليها «المشروع يبدأ اليوم»، إيذانًا بـ«الثورة على الملك فاروق».

قبلها بيوم، وخلال «خروجة» مع «السادات»، تنبأ لها أحد العرافين بأنها ستصبح «سيدة مصر الأولى»، وهو ما تحقق لها بعد ذلك، طوال سنوات أصبحت خلالها أول «سيدة أولى».
حكايات وكواليس وأسرار عديدة فى حياة «السيدة جيهان»، تلقى «الدستور» الضوء عليها فى السطور التالية، بالتزامن مع إعلان منح زوجها «ميدالية الكونجرس الذهبية»، التى ستتسلمها خلال الفترة المقبلة بالولايات المتحدة.

أحبت السادات على السمع.. عرض الزواج منها على الشاطئ.. وانتقاده تشرشل كاد يفسد «الخِطبة»
«يا ريتنى طير وأنا أطير حواليك.. مطرح ما تروح، عيونى عليك.. ما اخلّى غيرى يقرّب ليك.. لكن يا ريت، عمرها ما كانت تعمر بيت».. هذه الأغنية الشهيرة لفريد الأطرش، تغنى بها البكباشى محمد أنور السادات فى ذكرى الميلاد الـ١٥ للشابة الصغيرة «جيهان».
حملت الأغنية بين طياتها ما شعر به «السادات» تجاه الشابة الصغيرة، ومخاوفه من الإفصاح لها عن حبه، فالفتاة الصغيرة المدللة، حتى وإن وافقت على الزواج بمن يكبرها بنفس سنوات عمرها (١٥ سنة)، فإن أهلها من الصعب أن يقبلوا ذلك، خاصة بعد إعلان ميوله وموقفه من الإنجليز، الذين تنتمى لهم والدة «جيهان»، لكن الحب القوى دائمًا ينتصر.
قبل ذلك بقليل، وقبل أن ترى «جيهان» البكباشى أنور السادات للمرة الأولى فى منزلهم -قادمًا مع زوج ابنة عمتها الضابط طيار حسن عزت- سمعت عنه فى منزل ابنة عمتها فى السويس وقت أن كان محبوسًا على ذمة اتهامه بقتل «أمين باشا عثمان» وزير المالية آنذاك، وأنصتت لحديث «عزت» عن بطولاته ونضاله وشخصيته الفريدة، ما جعلها تقع فى حبه قبل أن تراه.
خفق قلبها فى المرة الأولى التى رأته فيها، بعد مرات كثيرة كانت علاقتها به مجرد معلومات تصلها من خلال زوج ابنة عمتها، عندها أيقنت أنها تحبه فعلًا، ولم يؤرقها فارق السن الكبير بينهما، فقط ما جعلها تشعر بالخوف أنه متزوج ولديه أولاد، قبل أن تعلم بانفصاله عن زوجته وهو فى السجن، ما اضطره إلى اللجوء إلى صديقه «عزت» عقب خروجه من السجن وعدم ذهابه إلى زوجته، ساعتها تنفست الفتاة الصغيرة الصعداء. وفى الليلة الأولى لإقامته معهم، كانت «جيهان» تحضر الطعام بسعادة، قبل أن تفاجأ بـ«السادات» أثناء خروجها من المطبخ ولم يبدْ حينها أى رد فعل على وجهه، بل كان صامتًا، حتى عندما خرجوا فى زيارة إلى الطبيب فى اليوم التالى، كانت تسأله كثيرًا فيكتفى بالإجابة على السؤال فقط، دون إسهاب. عرض «السادات» الزواج على «جيهان» وهما على الشاطئ، بعد احتفالات عيد ميلادها، اللحظة التى انتظرتها طويلًا تتحقق الآن، لكنه أعرب لها عن مخاوفه: «أنا خايف يا جيهان».
لم تكن أزمة «السادات» الوحيدة وسبب إبدائه خوفه هذا، أنه يكبرها بـ١٥ سنة، بل لأنه كان فقيرًا أيضًا، فراتبه بالكاد يكفى لإعاشة زوجته السابقة وأولاده منها، لكنها لم تكترث ووافقت، وبقى التحدى الأكبر والأهم، الأهل.
أسرة «جيهان» كانت بسيطة للغاية، فنشأت مع أخت وشقيقين مع أم إنجليزية مسيحية اختارت أن تكون ربة منزل بعد أن كانت مدرسة فى بلادها، أما والدها فكان موظفًا بوزارة الصحة، وكانا مهتمّين بتنشئة اجتماعية وأسرية جيدة لأبنائهما.
زرع اختلاف ديانتى والديهما فى «جيهان» حالة من احترام الأديان الأخرى، فوالدتها مثلًا كانت تصوم رمضان، ولم تذهب إلى أى كنيسة فى مصر احترامًا لديانة زوجها وأولادها، بل كانت تكتفى بالصلاة فى الليل، قبل أن تنام. حالة الاحترام والود الكبيرة داخل عائلة «جيهان»، سهلت مهمة «السادات»، وفى نهاية الأمر خضع الأب لرغبة ابنته، ولم تمانع الأم حتى حدث موقف كاد ينهى الأمر تمامًا أمام الحبيبين، عندما سألته والدة «جيهان» عن رأيه فى «ونستون تشرشل» رئيس وزراء إنجلترا آنذاك.
وقتها، أجاب «السادات» بأنه «لص سرق بلادنا»، وهو ما أثار غضب الأم الإنجليزية منه، فهى كأى إنجليزية تعتبر «تشرشل» بطلًا قوميًا، لذا احتاج الأمر وقتًا طويلًا حتى أقنعت «جيهان» والدتها بشخصية العريس.
ولأن عمرها الصغير وقتها حال رسميًا دون إتمام الزواج، أجبرهم هذا على الانتظار حتى صارت فى الـ١٦.

أخفت فقر حبيبها عن عائلتها.. وعرّاف تنبأ لها بأن تصبح «السيدة الأولى» فى مصر
تزوجت «جيهان» الرئيس الراحل، وعاشت ظروفًا صعبة فى بداية زواجها، بسبب أزمة اقتصادية قاسية، بطلها الأول الالتزامات المادية تجاه أبناء «السادات» من زوجته السابقة، لكنها كانت تخفى ذلك عن عائلتها، لأنها يجب أن تتحمل اختيارها لزوجها، الذى كانت تعلم ظروفه قبل أن يتم الزواج.
وذات مرة، قرر «السادات» أن يصطحب «جيهان» فى نزهة على النيل، وأثناء وجودهما بأحد الكازينوهات يشربان الليمون، مر عرّاف، فطلبت من «السادات» أن يستقدمه ليقرأ لها الكف، فوافق وبذل من أجل ذلك آخر ما تبقى معه من قروش. «ستكونين رقم ١ فى مصر، وستنجبين ٤ أطفال أغلبهم من البنات».. كلمات فاجأها بها قارئ الكف، قبيل ثورة ١٩٥٢ بيوم واحد، وكأنه رأى مستقبل سيدة ستصبح «سيدة مصر الأولى» فيما بعد، فسألته: «هل سأكون الملكة؟»، فأجاب: «معرفش». ضحكت وضحك «السادات» على ما قاله هذا الرجل، ولم يكن يعرف أن هذا المُنجّم رأى مستقبله فى كف زوجته. قامت الثورة فى اليوم التالى، وقت وجودهما فى السينما، وعند عودتهما إلى المنزل وجدت ورقة مدونًا عليها: «المشروع يبدأ اليوم»، فتركها «السادات» وذهب إلى زملائه ليذيع نبأ سقوط عرش الملك، وتمكين «الضباط الأحرار» وبداية عهد جديد.
مرت الأيام وتحققت نبوءة «العرّاف»، فإذا بها «السيدة الأولى»، بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر وتولى محمد أنور السادات حكم مصر.
وبعدما أصبحت «السيدة الأولى»، ثارت أحاديث كبيرة ولغط كثير على نفوذها وتأثيرها فى القرار السياسى أثناء فترة حكم زوجها، وهو ما تنفيه مؤكدة أنها لم تتدخل سوى فى حالات محدودة، مثل «قانون الأحوال الشخصية».
وتعترف بأنها تدخلت أيضًا من أجل إعادة العلاقة الجيدة بين «السادات» ومحمد حسنين هيكل، بعد الخلاف الذى نشب بينهما، على خلفية استقبال الرئيس الاتصالات الصحفية من عدة صحفيين آخرين، مثل مصطفى وعلى أمين، وهو ما لم يعجب «هيكل»، الذى اعتاد أن يكون الصحفى الأول فى الاتصال بالرئيس، فى فترة حكم جمال عبدالناصر.
تدخل ثالث لـ«جيهان»، كان فى صورة تقديم الدكتور صوفى أبوطالب، رئيس جامعة القاهرة، التى قضت بها فترة دراستها، وأستاذها بالجامعة صبحى عبدالحكيم إلى «السادات»، وهو ما أعقبه تعيين «أبوطالب» رئيسًا لمجلس الشعب، و«عبدالحكيم» رئيسًا لمجلس الشورى، ورغم ذلك لا ترى وجود أى رابط بين الأمرين، قائلة: «قدمت له الشخصيتين، لأننى رأيت أنه من الجيد أن يتعرف عليهما، كقامتين علميتين».
ورغم ما جاء فى كتاب «عرفت السادات» لمؤلفه الدكتور محمود جامع، من أن «جيهان» كانت وراء اختيار منصور حسن وزيرًا للإعلام والثقافة، وأنها عرضت فكرة تعيينه نائبًا للرئيس السادات، تنفى ذلك أيضًا، وتوضح: «كنت سعيدة باختياره، لكنى لم أتدخل، كما أن الرئيس السادات اختار مبارك نائبًا له».

تنفى تسميم زوجها لـ«عبدالناصر».. وترفض شائعة غيرتها من أم كلثوم
ارتبطت جيهان السادات بعلاقة قوية مع قائد ثورة يوليو، الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، بصفتها زوجة نائبه «السادات»، الذى كان «ناصر» يزوره كثيرًا فى منزله، ويتناول معه الغداء مرات عديدة كل أسبوع، وهو ما تستند إليه فى نفى ما أثير عن «فنجان القهوة» الذى أعده زوجها للرئيس الراحل قبل وفاة الأخير، فى إشارة إلى اتهامه بـ«تسميمه».
وتسببت قوة شخصية «جيهان»، فى تناثر حكايات كثيرة عن خلافاتها مع شهيرات ونجمات عصرها، وعلى رأسهن كوكب الشرق «أم كلثوم»، وهو ما يكشفه مصطفى أمين.
يقول «أمين» إن خلافًا نشب بين جيهان السادات وأم كلثوم، بسبب رغبة زوجة الرئيس فى السيطرة التامة على لقب «سيدة مصر الأولى»، فى الوقت الذى كانت فيه أم كلثوم الواجهة الأولى لنساء مصر، باعتبارها سيدة الغناء العربى، بجانب علاقتها القوية بـ«عبدالناصر» و«السادات»، لدرجة أنها كانت تناديهما دون لقب «سيادة الرئيس»، بل وقالت لـ«السادات» فى إحدى المناسبات: «منور يا أبوالأنوار».
لكن «جيهان» تصر على أن العلاقة بينها وبين أم كلثوم كانت جيدة للغاية، وتقول: «كنت أذهب بشكل دائم إلى سيدة الغناء العربى فى منزلها لأتناول معها العشاء، وعندما مرضت ذهبت لزيارتها فى المستشفى، على عكس ما يقال عن الخلاف بيننا».