رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طعام الرهبان.. ماذا يأكل «رجال الرب» فى أيام الإفطار وفترات الصوم؟

جريدة الدستور

- يبدأون الأكل بتناول «السلطة».. ويتجنبون المكرونة والأرز والمخللات والسكريات
- يفضلون الفواكه خاصة البرتقال.. يشربون النعناع بعد الأكل.. وأسقف يلقبه بـ«النعناعون»


يشغل الصوم مساحة كبيرة فى الديانة المسيحية، حتى إن الأقباط الأرثوذكس يصومون معظم أيام السنة، ويبلغ إجمالى عدد أيام صومهم ما يقرب من ٢١٠ أيام كل عام، يمتنعون فيها عن المأكولات الحيوانية ومشتقاتها.
وتحرص شريحة كبيرة من المسيحيين، وفى مقدمتهم رجال الدين والإكليروس «الرُتب الكهنوتية»، من أساقفة ورهبان وغيرهم، على الالتزام بالصوم كعلامة على التقشف والزهد فى الحياة، لكنهم فى غير أيام الصوم يتبعون نظامًا غذائيًا تكشف «الدستور» أسراره فى السطور التالية.

الإفطار شاى وخبز كنسى.. العشاء جبن قريش وفول وبطاطس.. والأسماك المشوية حاضرة دائمًا على «موائد العزومات»
يهتم معظم رجال الدين المسيحى بالحفاظ على نمط غذائى معين حتى خارج أيام الصوم، يكون بطله «الأسماك المشوية»، وفق فادى يوسف، الباحث المتخصص فى الشئون القبطية. يقول «يوسف»: «بحكم حضورى الكثير من العزومات الخاصة بالأديرة ورجال الإكليروس، فإن الأسماك المشوية هى البطل الرئيسى على سفرة الأساقفة، رغم أن البعض قد يضيف السمك المقلى».
ويضيف: «الغالبية العظمى من رجال الأديرة يكتفون فى الإفطار- بعد الانتهاء من القداس- بكوب شاى مع (قربانة) وهى عبارة عن خبز يصنع فى فرن خاص بالكنيسة يسمى (بيت القربان)»، لافتًا إلى أن كثيرًا منهم يتجنب تناول وجبة عشاء، فيما يفضل بعضهم تناول «الجبن القريش» فى أيام الإفطار، والفول والبطاطس المقلية أيام الصوم. ويكشف أن حتى الآباء الكهنة -الذين تُفرض عليهم عزومات معينة- يختارون دائمًا «الأكلات والمشروبات الصحية»، خوفًا من الإصابة بـ«القولون» لكثرة تناولهم المأكولات البقولية فى الصوم، لذا «يبدأون الأكل بالسلطة، ويتجنبون النشويات مثل المكرونة أو الأرز، ويبعدون عن المخللات والسكريات، سواء المشروبات المُحلاة أو الحلويات المصنعة، ويستبدلون بها الفواكه الطازجة، وبالأخص البرتقال». ويتذكر قول الأنبا متاؤوس، أسقف دير السريان، بعد انتهائه من وجبة الغداء: «نعناعون ونستريح»، أى أنه يفضل شرب النعناع الساخن بعد الغداء والابتعاد عن كل المشروبات الغازية أو المُحلاة.
ومن عادات الأساقفة قبل الأكل أداء صلاة قصيرة أو مباركته برسم «الصليب»، كما أنهم يفضلون عدم التحدث على المائدة، ويأكلون ما يقدم لهم دون شروط معينة.
وترحب الغالبية منهم بتناول المقبلات مثل شربة العدس، والسلطات، وفى الإفطار «شوربة لسان العصفور وشربة الخضروات»، وبشكل عام لا يميلون للحوم حتى خارج أيام الصوم، ويميلون إلى أن يكون الطعام مطهوًا بالزيت وليس السمن الدهنى أو النباتى.
من جهته، فرق كمال زاخر، الباحث فى الشأن القبطى، بين كل من الرهبان داخل الدير، والأساقفة أو الآباء الكهنة خارجه، قائلًا: «يكون لدى الرهبان نسق عام للمعيشة، وفى الغالبية العظمى من الأديرة يوجد مطبخ عام لتحضير الأكل والكل ملتزم بالصوم والإفطار فى المناسبات الدينية، لذلك يأكل الجميع من الأطعمة ذاتها».
وتنقسم «القلاية»- مكان سكن الرهبان- إلى نصفين، الأول داخلى يسمى «المحبس»، ويكون مخصصًا للنسك والعبادة ولا يدخله إلا الراهب «صاحب القلاية»، أما الخارجى فبعض الرهبان يعتبرونه مضيفة لاستضافة المقربين، ويكون لديهم فى هذا الجزء أدوات بسيطة للأكل «أطباق، ملاعق، وكاتيل لتسخين المشروبات»، ويمكنهم الاحتفاظ بالقليل من الأطعمة مثل «العيش، والجبن، والأسماك، والفول»، وتأتيهم هذه المأكولات من خلال الزوار أو المصروف الخاص بالراهب الذى يتحصله من الدير، وفق «زاخر».
ويضيف: «فيما يتعلق بالأساقفة والآباء الكهنة خارج الدير، فإنهم أيضًا يلتزمون بالأصوام بدقة، كما لا يختلف نمط حياتهم كثيرًا فى أيام الإفطار، كذلك تتميز المطابخ الموجودة بالأسقفيات التى تستقبل الزوار بوجود تجهيزات لا تلتزم بالبعد النسكى الموجود فى الأديرة».
ويتابع: «نفس الحال ينطبق على الأساقفة الكبار، ومن لديهم شعبية واسعة أو أنشطة اجتماعية وسياسية- مثل استقبال قيادات وطنية- كالأنبا أرميا الأسقف العام، أو الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة، فغالبًا ما يكون لديهم طاقم للعمل فى المطبخ الخاص بالأسقفية سواء من أبناء الكنيسة أو محترفين، حرصًا على حسن استضافة الزائرين بشكل لائق».

الأمراض وراء إصابتهم بـ«السمنة» ومعظمهم يعانى «القولون»
كان البابا الراحل شنودة الثالث معروفًا بالحفاظ على الأكل القليل، والتزامه بنمط غذائى صحى، وفق كمال زاخر، الباحث فى الشأن القبطى.
ويقول «زاخر» إن الأنبا فيلبس، أسقف الدقهلية الراحل، كان رجلًا نباتيًا من الطراز الأول، وحتى فى الأيام العادية البعيدة عن الأصوام التى كان يحرص فيها على تنظيم عزومات لقيادات الدولة أو الزوار الرسميين كان يخدمهم ويشرف على تقديم الأطعمة بنفسه، ومع ذلك لم يكن يأكل من السفرة شيئا.
وعن ظاهرة «السمنة» لدى بعض الأساقفة والكهنة، يقول فادى يوسف إنها ليست بالضرورة مرتبطة بالرفاهية أو الشراهة فى الأكل، خاصة أنهم ملتزمون بالأصوام الكنسية.
ويرى «يوسف» أن السمنة لدى هؤلاء تكون مرتبطة أكثر ببعض الأمراض، وأحيانًا تكون من قلة الحركة، لكن يصعب ربطها بالشراهة فى الأكل، لأن ما يأكلونه لا يمكن أن يتسبب فى زيادة الوزن.
ويضيف: «البابا شنودة الثالث، البطريرك المتنيح، أصيب فى سنواته الأخيرة ببعض السمنة فى منطقة البطن، ومع ذلك كل القريبين منه يعرفون مدى حرصه فى الأكل وتجنبه كل ما هو معتمد على الدهون والتسبيك والقلى، والاكتفاء بأقل القليل فى الأطعمة، وفى معظم الأوقات كان يتناول وجبة واحدة فى اليوم، ما يعنى أن سمنته لم تكن ذات صلة بكميات الأطعمة ولا بنوعيتها بل بأمراض من هم فى مثل عمره». وأشار «زاخر» إلى احتمالية أن يكون تناول البعض لـ«القربان» يوميًا سببًا فى زيادة الوزن. القس «ر. م» قال إن طبيبه الخاص يحذره من السمنة بسبب إصابته بـ«القولون»، خاصة فى أيام الأصوام لاعتماده على أطعمة مقلية مثل الطعمية والسمك، أو البقوليات، أو المشبعة بالدهون الصناعية مثل الموجودة فى الحلويات الصيامى، وكلها أغذية غير صحية تسبب السمنة حتى إذا كانت كمياتها قليلة.
ويواجه الكهنة إصرار المسيحيين على عزومتهم كنوع من كرم الضيافة، خاصة أثناء فترات زيارتهم فى «خدمة الافتقاد»، ما يسبب للكثير من الكهنة خاصة الجدد منهم السمنة وأتعاب القولون والتخمة لعدم رغبتهم فى إحراج من يزورونهم.

من «البيتزا» لـ«الحواوشى» والجاتوهات.. انتشار موضة «الأكل الصيامى» فى الكنائس والمطاعم
رغم أن الصوم فى المسيحية ليس فرضًا دينيًا، لكنه وسيلة لقمع الشهوات والزهد فى المغريات حتى يقترب الناس من الله ومع مرور الوقت تنوعت الأنماط الغذائية، وأصبح الأكل متداخلًا فى صميم الحياة الإنسانية، وبالتالى أصبح الابتكار فى الأصناف النباتية الخاصة بالصوم حاضرًا فى رحاب الكنائس والأديرة ومنافذ البيع التابعة لكبرى المؤسسات الدينية المسيحية، ولم يعد الصوم يمارس بتقشف فى الكثير من الأحيان.
ففى العصور الأولى للمسيحية، كانت المأكولات تطهى بالملح والمياه، وبعدها أصبح استخدام الزيت فى أضيق الحدود، ومع الوقت اجتاح السمن النباتى البيوت المصرية وبالتالى المسيحية.
تنوع الاختيارات الغذائية والخامات المستخدمة فى الأطعمة، دفع الكثيرين لاستغلال فترة الصوم فى المسيحية لابتكار مأكولات شهية من خامات نباتية وانتشرت موضة «الأكل الصيامى»، وازدهرت بالفعل هذه الصناعة فى منافذ البيع التابعة للكنائس أو الأديرة.
تقول مريم بطرس، العاملة بمنفذ بيع «مريم» للأكل النباتى فى منطقة جسر السويس، إن هذه الأطعمة تصنع بمكونات نباتية تعطى مذاقا قريبا من الحيوانية، وتزدهر فترة بيعها فى أيام الصوم المتقطعة على مدى العام، خاصة الصوم الكبير «مدته ٥٥ يوما».
وتكشف أن أحدث صيحات المأكولات الصيامى هى «الكفتة، الشاورمة، اللانشون، الكوبيبة، الحواوشى، والبيتزا»، بخلاف الحلويات «التورتة والجاتوهات».
الأمر لم يقتصر على منافذ بيع الكنيسة، فتجد الأفران الخاصة بالمخبوزات وكبرى محال المأكولات فرصة الصوم الكنسى للتنافس على إنتاج «أكل صيامى».
ويقول بيشوى رزق، الشيف المتخصص فى صناعة المأكولات وتوزيعها على منافذ بيع الكنيسة، إن هذه التجارة لم تعد مقتصرة على الكنائس فقط، فغالبية المحال الشهيرة العالمية تعرف جيدًا مواعيد الصوم، وتعد قائمة بالمأكولات التى ابتكرتها كل عام، وتضع على واجهة محلاتها «يوجد أكل صيامى».
ويضيف: «أحيانًا تباع منتجات الحلوى الصيامى بالاتفاق، حيث ترفض سلسلة لابوار أو مونجينى -على سبيل المثال- عمل تورتة أو جاتوه إلا بعد الحجز قبلها بيوم».
ويرى أن المنافسة أصبحت كبيرة، حتى إن الأمر أصبح به جزء من الإبداع فى استخدام الخامات، وطرق تشكيلها، وهو ما يحقق الهدف فى النهاية لصالح الزبائن، الذين يحصلون على مأكولات ذات طعم جيد وقريبة من نمط حياتهم العادى.