رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلب الفيلسوف.. مراد وهبة: زوجتي حبي الوحيد.. و«جمعية الشبان المسيحيين» وراء تكوينى الفكرى

مراد وهبة الكاتب
مراد وهبة الكاتب الصحفى تصوير طارق الجباس

مصر هى همه الأول، ولا يزال يثمر من فيض عشقها فى كتاباته التى تنير العقول، ولا عجب فى ذلك، فالدكتور مراد وهبة نبتة الأرض الطيبة فى أسيوط بالصعيد، قبل أن ينتقل إلى الإسكندرية ليدرس الفلسفة، ويصبح فيما بعد واحدًا من أشهر ٥٠٠ شخصية على مستوى العالم.
وبرغم زخم فكره الفلسفى والاجتماعى الممتد بامتداد عمره الذى يتجاوز الخمسة والتسعين عامًا، فإن حديثه لا يخلو من الجانب الإنسانى.
«الدستور» تحاور الفيلسوف المصرى عن الحب والمرأة والفن و«السوشيال ميديا» وعلاقته بأبنائه وأحفاده.

■ بداية.. كيف يقضى الدكتور مراد وهبة وقته حاليًا؟
- أقضيه فى القراءة وكتابة المقالات وبين الكتب التى تساعدنى على إنتاج مقال جيد يحترم عقلية من يقرأه.
■ من الذى أسهم فى تكوين فكرك؟
- يعقوب فام، أسهم فى تكوين شخصيتى، وأعتبره هو المرجع الأول فى حياتى، كان يعلمنى قبول الهزيمة، والتفكير المنطقى، وكيف أواجه الحجة بالحجة، وأن أعمل وسط فريق، وأخرج طاقتى أيًا كان استقبال المجتمع للأفكار التى أنشرها.
كما كانت انطلاقتى الأولى من «جمعية الشبان المسيحيين» التى يرجع لها الفضل فى تكوين الكثير من أفكارى، وتعلمت منها كيف أكون شخصية مستقلة، وأتفرغ لتكوين شخصيتى، ومن ثم دراسة الفلسفة.
■ ما الذى دفعك لدراسة الفلسفة تحديًدا؟
- حين كنت طالبًا فى السنة النهائية بالمرحلة الثانوية «شعبة أدبى» رسبت، فطلبت تحويلى إلى شعبة «علمى»، لكن ناظر المدرسة اقترح علىّ البقاء لمدة أسبوع فى «أدبى» قبل تنفيذ قرار التحويل.
فى هذا الوقت، اخترت حضور درس فلسفة، وكنت أستمع إلى الأستاذ صامتًا وأتأمله، وفجأة قال لى المدرس: «من يتأمل يصبح فيلسوفًا عظيمًا». أخبرته بأن حضورى أمر مؤقت لحين الانتقال لشعبة «علمى»، إلا أننى بقيت فى «أدبى» وحرمت من دخول «علمى» لعدم انتظامى فيه، فقرأت فى الفلسفة، وقررت التبحر فى هذا المجال الذى أحببته كثيرًا.
■ ماذا عن قراءاتك فى الفلسفة وقتها؟
- كنت أقرأ ما يزيد على ١٣ ساعة يوميًا فى الصيف و٨ ساعات فى الشتاء، وكنت أستمع إلى المحاضرات، وكان لدىّ كثير من التعليقات على ما أسمعه بحكم قراءاتى.
■ هل توجد فى مصر دراسة حقيقية للفلسفة؟
- لا يوجد فلاسفة بالمعنى الحقيقى للكلمة فى مصر، الكثيرون يدرسون الفلسفة، أساتذة جامعات، وطلاب، لكن هناك ندرة فيمن نطلق عليهم أصحاب فكر فلسفى.
■ هل تتابع أى أعمال فنية أم لديك فنان مفضل؟
- مشغوليات القراءة والكتابة تعطينى مساحة ضيقة للمتابعة، ومنذ ٧٠ سنة وأنا متفرغ بشكل كلى لهما، فلا أجد الوقت لمتابعة التليفزيون.
■ ماذا عن الحب فى حياتك؟
- الحب فى حياتى كان من خلال زوجتى التى رحلت منذ عامين ولم أحب غيرها. تعارفنا فى بدء فترة الدراسة الجامعية، كنت أدرس الفلسفة، وهى تدرس فى آداب لغة إنجليزية بجامعة القاهرة، والتقينا كجيران، وتزوجنا عام ١٩٥٤ بعد مقابلات وأحاديث عاطفية جمعتنا، وأنجبنا ابنًا الدكتور مجدى، وابنة منى وتزوجا وأنجبا، وأحفادى تزوجوا وأنجبوا، فأصبح لدىّ جيلان من الأحفاد.
■ كيف تتواصل مع ابنيك؟
- بحكم السن لا أستطيع أداء مهام كثيرة، وأنا متفرغ حاليًا للقراءة وكتابة المقالات، لكن من وقت لآخر أتواصل معهما وأحرص على الاستماع لهما، ومناقشة أحوالهما.
■ هل توجد روشتة لضمان حياة زوجية سعيدة وممتدة لوقت طويل؟
- إذا كان هناك ما يجعل الحياة الزوجية سعيدة فهو وجود حلم أو رسالة تغير المجتمع أو تغير الأفراد المحيطين. ونحن كنا مشغولين طيلة الوقت برسالتنا فى تربية أبنائنا وإرساء الأفكار التى تغير العقول.
■ هل يستحق الزواج كمؤسسة اجتماعية وحق إنسانى إلى تدخل من المؤسسات الدينية والمدنية فى تفاصيل إجراءاته؟
- العلاقة العاطفية بين اثنين هى أمر وقرار شخصى، لكن الزواج هو إعلان تكوين مؤسسة اجتماعية، لذلك من حق المجتمع أن يحدد إجراءات هذا الكيان، ويتم ذلك من خلال الإجراءات المختلفة التى تحددها الجهات المدنية والدينية، وعلى الراغبين فى الزواج الخضوع لها وفق كل دولة طالما أنهما ارتضيا الزواج فيها.
■ هل توافق على أن تنتهج مصر نهج تونس فى بعض القضايا.. مثل المساوة فى الميراث وزواج المسيحى بمسلمة؟
- مطالبات غير مدروسة، لأن الشعب المصرى يختلف عن التونسى، فتونس دولة علمانية بمفهومها الواسع، الشعب نفسه لديه هذه الثقافة ومتقبلها، أما مجتمعنا المصرى فما زال يوصم كلمة العلمانية ويربطها بالانحلال، وما زال أمامنا الكثير حتى ننهض بفكر رجل الشارع، لأن الناس العاديين هم المقياس، وليس المثقفين، فحين يدرك الرجل البسيط حقوقه المدنية والعلمانية وقتها يمكن أن نناقش مثل هذه القضايا.
■ على ذكر العلمانية.. هل ترى أن بعض المثقفين يخدعون البسطاء بكلمة «مدنية»؟
- بالطبع يخدعونهم، لأن كلمة مدنية ليس لها أى مدلول على تغيير الثقافة الفكرية لقبول الآخر أو العيش كدولة حديثة، فكلمة مدنية يمكن أن تطلق على كل شخص ترك الريف أو القرية ليعيش فى المدينة، فليس لها علاقة إذن بالعلمانية.
ورأينا هذا التلاعب تستخدمه جماعة الإخوان والسلفيون فى الانقضاض على الحكم، لكننى فى هذا لا ألقى باللوم على الجماهير لكن على المثقفين، الذين يخدعون الشعوب البسيطة ويخشون النداء والتعليم بكلمة «العلمانية».
■ هل هناك فرق بين الحب قديمًا وحاليًا.. أى من عصر الجوابات إلى الرسائل الإلكترونية السريعة؟
- أعترض على فكرة أن الحب متغير فى عصر التكنولوجيا. زمان كنا نكتب «جوابات حب»، لكن حاليًا يبعثون برسالة فى وقت أقصر، كلها وسائل وأدوات، لكن الحب فى النهاية لا يتغير، هو نفس المشاعر فى البدايات، التى يمكن أن نعبر عنها بأكثر من شكل وطريقة.
فى النهاية الحب لا يتحقق إلا بالتقاء الأفراد بعيدًا عن وسائل التواصل. الحب فكرته التقاء الأرواح والأشخاص، وباقى الطرق الخاصة بالتعبير عنه مجرد أدوات كل حسب عصره.
■ كيف ترى وضع المرأة المصرية.. قديمًا وحاليًا؟
- المرأة هى التى ابتدعت الحضارة وتغيير الأرض لزراعية وأصبحت هى الحاكم، بينما الرجل كان مشغولًا بالصيد، وبالتالى كانت هى المتحكمة، حتى الآلهة التى ابتدعها الإنسان أغلبها نساء آلهات، ولما حصل انقلاب من الرجل على المرأة تغيرت النسب، وأصبحت الآلهة الذكورية أكثر من الأنثوية.
■ ماذا فعل الرجل حين تسيّد الصورة؟
- نسخ من القيم ما يصعب جدًا على المرأة أن تتحرر منها، ووضع القوانين المكبلة لحريتها. إذا اكتشفت المرأة سر نسخ القيم التى ابتدعها الرجل يمكن وقتها أن تتمرد عليه، وتعيد الريادة إلى نفسها مرة أخرى.
■ ما رأيك فى التحركات النسائية الحالية.. هل يمكنها استعادة هذه الريادة؟
- غير مجدية، لأن أى حركة تحررية لا بد أن يصبح لها تأثير فى الجموع ومباشرة، وحتى الآن لم تتحرر المرأة بعد من الهيمنة الذكورية على الحياة.
■ هل تعتقد أن مظهر المرأة قديمًا كانت له علاقة بنمط تفكيرها أم أن التحرر كان ظاهريًا فقط؟
- سؤال يصعب الإجابة عنه، لكن بشكل عام لكل من المرأة والرجل خصائص، ولا يعنى أن مظاهر الأنوثة فى الملبس تحرر فى العقل، لأن العقل والتفكير أمر آخر.
■ هل تتعامل مع التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى؟
- الحقيقة أنا مبهور بها وبكل ما تقدمه من سرعة وإتقان فى حفظ المعلومات، لكننى أجهل التعامل معها تمامًا، ولا أرغب فى معرفتها لأن ٧٠ سنة من عمرى قضيتها فى القراءة والكتابة بالطريقة الكلاسيكية بالورقة والقلم، ويصعب تغيير هذا النمط بعد كل هذا العمر، ففى النهاية هذه الطريقة تريحنى وتفى بما أقوم به.
■ بماذا تنصح الشباب لقراءته؟
- يقرأون فى كل شىء، أنا لا أعرف التخصص، أقرأ أدبًا وفيزياء وكيمياء وفلسفة. القراءة بوجه عام تغير الفكر وتطور طرق الإنسان ونمط حياته، وأنا غرفتى كلها مليئة بالكتب، فهى أفضل ما يمكن أن أقضى الوقت فيه.
■ ما تقييمك لوزارة الثقافة مع الدكتورة إيناس عبدالدايم؟
- هى فى بداية عملها، وتغيير الذهنية يستلزم وضع برنامج عمل حتى نصل إلى تحقيقه.