محمد العسيري يكتب: موسم زرع الفتاوى
ماذا نفعل وقد وصل بنا الحال إلى من يطلب فتوى فى موضع «الشخرة» هل هى حلال أم حرام؟.. والأدهى أن هناك من تكرّم وأجابه
الحمد لله ما عدش عندنا حد بيفتى ف الاقتصاد ولا السياسة ولا العلوم.. الحمد لله الذى خلّصنا من معاتيه التوك شو إياهم.. ويا رب ف الأيام المفترجة دى نخلص من بتوع الكورة وفتاويهم وبتوع الفن ونظرياتهم.
لكن قلبى لا يطاوعنى أن أتمنى أن يتوقف أهل الفتوى عن صميم عملهم.. لا يطاوعنى لا قلبى ولا عقلى.. ولكن ماذا نفعل وقد وصل بنا الحال إلى من يطلب فتوى فى موضوع «الشخرة» هل هى حلال أم حرام؟.. والأدهى أن هناك من تكرّم وأجابه.
ألا توجد ضوابط لما يجيب عنه أهل العلم؟.. ألا يمكن ترك ما هو تافه وضار بعقول الناس جانبًا؟.. هل سيُعاقب الشيخ إذا أخبر طالب مثل هذه الإجابة بأن أعمارنا ليست «سداح مداح»، وأن إلهاء الناس بتوافه الأمور يُعد من قبيل تعطيل الخلق عن تعمير أرض الله؟!.
لقد قرأتُ، والعهدة على من كتب، أن المصريين عرفوا شرب البُن- القهوة يعنى- عن طريق طلبة اليمن فى الأزهر، لأنهم كانوا يستخدمونها كمنبه يساعدهم فى المذاكرة، فلما انتشرت أفتى أحدهم بأنها بدعة لأن الرسول لم يشرب البُن.. وجاء المفتى الأكبر، وكان اسمه الشافعى، وذهب إلى أنها تؤثر فى العقل فحرّمها، وخرج المصريون على المقاهى ودشدشوها.. وهاج التجار ومستوردو البُن وأصحاب المقاهى، فصارت فتنة.. قُتل على إثرها أحد التجار الذى حاصر أصحابه وأتباعه الشيوخ فى المسجد، فتدخل السلطان العثمانى وأقال المفتى وجاء بمفتٍ أباح شرب القهوة!.
أتصور أننا لن نصل إلى هذا الحد.. لكن وقبل أن يبدأ الوزير طارق شوقى مشروع مصر لإصلاح تعليمها.. هل سيقوم بتنقية المناهج مما فيها من فتاوى لا تبتعد كثيرًا عن فتاوى تحريم القهوة؟!.
وهل سنترك التعليم الأزهرى دون تطوير ليصبح عندنا تعليم على كل شكل ولون؟..
لا أريد أن أتورط أنا شخصيًا وأقوم بدور المفتى، لكن عشرات من الأسئلة ما زالت فى حاجة الى أجوبة عاجلة.. فما صرّح به المتحدث باسم وزارة التعليم حول تلقى المعلمين دورات تدريبية للتعامل مع «التابلت» أمر يبدو طريفًا.. لأنه ترك المهم ومسك فى شرب البُن!.
الأهم يا سادة ماذا سنفعل فى مناهج أبنائنا؟.. هل ستظل كما هى؟.
وإذا كنا سنغيّرها فمتى؟.. ومَنْ سيفعل؟.. وكم سيستغرق ذلك؟.
لا نسأل لنستنكر بل لنفهم.. أفتونا يا أهل العلم يرحمكم الله ويبعد عنّا وعنكم أصحاب فتاوى الشخرة.. دام علمكم.