رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«لو عينه مش زايغة يبقى لا مؤاخذة مش راجل»


شاهدت على إحدى قنوات ماسبيرو، مذيعًا، كل شىء فيه يلمع، إلا عقله وأسئلته.. فى ابتسامة لزجة، يسأل الممثل الشاب المشهور: «إنت صحيح بتحب الستات؟ متخفش.. قول بصراحة.. مراتك مش قاعدة بتتفرج علينا».. يضحك الممثل الشاب المشهور، قائلًا: «طبعًا.. كل الناس عارفة إنى باموت فى الستات».
ما هذا التفسخ الأخلاقى؟ أنا لا أفهم، سؤال «هل بتحب الستات»؟ ترى لو المذيع، يحاور ممثلة شابة مشهورة، هل يسألها بالأريحية نفسها: «إنتى صحيح بتحبى الرجالة.. متخافيش جوزك مش قاعد بيتفرج علينا؟». ولنفترض جدلًا، أن الممثلة أجابت بالضبط، مثلما أجاب الممثل، وقالت: «طبعًا كل الناس عارفة إنى باموت فى الرجالة».. فى هذه الحالة، لن تهرب من وصفها بالانحلال الأخلاقى، وإثارة الفحش الجنسى، وسوف تطالب نقابة المهن التمثيلية بالتنكر لها، وتشطبها من ممارسة الفن، وسوف تطالب قنوات الاتصال الاجتماعى بمحاكمتها، وسوف تفتى التيارات المتأسلمة والسلفية والإخوانية، بأن إهدار دمها واجب شرعى، لأنها تعلن عن نزواتها الجنسية الشهوانية على الملأ، وهذا إفساد فى الأرض.
هذا غير تعرضها للشتائم البذيئة، والسب والقذف، والسخرية المهينة. وفى الوقت نفسه، لن يتعرض المذيع الذى سألها، لأى هجوم، أو إدانة. ربما فقط، يتم لفت نظره بعدم استضافة مثل هؤلاء الفنانات اللائى يسئن إلى الفن، والفضيلة، وعفة النساء المصريات.
إن هذا التفسخ الأخلاقى هو من حصاد الدولة الذكورية غير الأخلاقية، التى تتمسح بالفضيلة طوال الوقت، مع أنها هى سبب الانحلال الأخلاقى، والازدواجية الأخلاقية، والتناقضات الأخلاقية. إن الإعلام، والدراما، والفن بشكل عام، تمدح الرجل «اللى مقطع السمكة وديلها»، والرجل «اللى كل يوم ماشى مع واحدة».. والزوج «اللى بيخون مراته عشان يجدد شبابه».. والشاب «اللى لا يترك فتاة أو امرأة دون مغازلة».
وفى كل الأحوال، هو ليس مخطئًا، ولا فاسقًا، ولا متحرشًا، ولا قليل الأدب، ولا مذنبًا، ولا شهوانيًا، ولا انفلاتيًا فى غرائزه الحيوانية، ولا خطرًا على عفة المجتمع، ولا محرضًا على الرذيلة، ولا مثيرًا للشهوات. بالعكس، هو رجل «طبيعى جدًا»، «كامل الدسم والرجولة».. يمثل الرجولة الحقيقية التى خلقها الله متعددة النزوات، لا تعرف كيف تتحكم فى شهواتها، وغرائزها الفطرية، ورغباتها المشروعة، التى يجب إشباعها فورًا، بأى طريقة، للحفاظ على صحة الرجال العضوية والنفسية. ويا ريت، يصبح هذا الرجل قدوة للرجال، والأزواج، والشباب. أما المرأة أو الفتاة، لو فقط اعترفت بأنها «معجبة» فقط بأحد الرجال، أو الشباب، فهى مشروع لفتاة منحلة أخلاقيًا، وبداية لامرأة سيئة السمعة، معوجة السلوك، منحرفة الفطرة. أهذه فضائل؟. أهذه أخلاق تستحق الإشادة والفخر والحفاظ عليها؟. أهذا هو الطريق المستقيم للعفة؟. أم فساد أخلاقى من الدرجة الأولى؟. إن كلمة «العفة»، أو وصف «العفاف»، لا وجود له بالنسبة للرجال. هل سمعنا أحدًا يقول مثلًا، «هذا رجل عفيف»؟. هل تطالب الفتاة، أو المرأة، الرجل بأن يكون عفيفًا؟. أبدًا، بل أغلب الفتيات والنساء يفخرن بأن الأخ، أو الأب، والعم، والخال، له تاريخ «دونجوانى» خطير.
أما بالنسبة للزوج، إذا علمت الزوجة بنزوات زوجها، فإنها تغضب لفترة، وتعود كأن شيئًا لم يكن. وربما هى تبرر له نزواته قائلة: «ربنا خلقه كده شهوانى متكفيهوش ست واحدة.. لازم أستحمله.. أمال هعمل إيه.. أخرب بيتى؟». ونجد أهل الزوجة يمدحون موقفها الحكيم، وتعقلها. من ناحية تقول لها الأم: «يا بنتى هو فيه راجل عينه مش زايغة؟ متخلقش لسه، ولو فيه يبقى لا مؤاخذة مش راجل».
ويعقب الأب قائلًا: «ربنا يكملك بعقلك يا بنتى.. ميعيبش الراجل إلا جيبه.. مدام مكفى بيته وبيصرف على عياله وكريم مش حارمك من حاجة، يبقى عمل اللى عليه وعداه العيب.. وبعدين لما يكون له نزوات وتروح لحالها، مش أحسن ميتجوز عليكى وست تانية وتالتة ورابعة تشاركك فى فلوسه؟».
للرجل «العربدة وقلة الأدب والشهوات المتضخمة الجاهزة طوال الوقت والانحلال الأخلاقى»... وللمرأة «العفة» و«العفاف»، و«الختان»، و«التغطية»، من أجل رجال فى حالة هياج جنسى مستمر، ومقنن. أخلاق غير أخلاقية.. معيبة.. مخجلة.. ضد الفضيلة، والاستقامة. إلى متى تستمر؟!.