عمر حمروش: عدم التنسيق بين الأزهر والأوقاف والإفتاء وراء تعطل جهود تجديد الخطاب الديني
- أمين سر اللجنة الدينية بالبرلمان انتقد بطء المؤسسات المسئولة عن الملف
- مشروعا قانون لـ«تنظيم الطلاق الشفوى» و«هيكلة الأزهر» أمام النواب فى الانعقاد الرابع
- الطيب حريص على نشر التعاليم الصحيحة للدين لكن ذلك لا يحدث بالسرعة المطلوبة
- الأولوية لتنظيم الفتوى والظهور الإعلامى لرجال الدين
كشف النائب عمر حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، عن اعتزام اللجنة عقد مؤتمر داخل مشيخة الأزهر فى الفترة المقبلة، لتنسيق الجهود بين الجهات المعنية بتجديد الخطاب الدينى، وذلك بحضور البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية.
ورفض مقدم مشروع قانون «تنظيم الأزهر»، خلال حواره مع «الدستور» تحميل المؤسسة الأزهرية مسئولية تعطيل جهود التجديد، معتبرا أن عدم التنسيق بين الجهات المعنية بالشئون الدينية، على رأسها الأوقاف ودار الإفتاء هو ما يقف حائلا دون سرعة الاستجابة لدعوات الإصلاح الدينى على أرض الواقع.
وقال إنه يعمل حاليا على إعداد مشروع قانون يحقق التوافق بين رؤية الدولة والأزهر فى مسألة «الطلاق الشفوى»، الذى أصبح يمثل خطورة على بنيان المجتمع، بالإضافة إلى العمل على مشروع آخر لإعادة هيكلة بعض القطاعات بالأزهر الشريف، لدفع جهوده نحو الإصلاح.
■ بداية.. ما تقييمك لأوضاع الخطاب الدينى فى مصر حاليا؟
- الخطاب الدينى المعاصر بحاجة إلى تصويب، وربما لم يكن هذا ضروريا فى العقود الماضية، لكن التجديد الآن يمثل ضرورة ملحة بعد ظهور الجماعات الإرهابية التى تمارس التخريب فى كثير من دول العالم، ومن بينها مصر، وبعدما استخدمه البعض لتكفير الناس واتهامهم بالباطل. لذا فعلى الأزهر الشريف وجميع المؤسسات الدينية أن تتدخل لتجديد الخطاب وسد كافة الثغرات التى يستخدمها البعض بطريقة خاطئة، وأنا أدعوه لتعديل بعض الاجتهادات وجعلها تتواكب مع متطلبات العصر الحالى وعقول الشباب والمتغيرات التى طرأت على الساحة، فدوره كمؤسسة دينية ليس الدعوة فقط، لكن اتخاذ كافة التدابير التى من شأنها حماية المجتمع.
■ الرئيس عبدالفتاح السيسى دعا أكثر من مرة للتجديد.. فلماذا لم تلق الدعوات استجابة حتى الآن؟
- لا يمكننا أن ننكر كون فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر يحاول قدر الإمكان نشر تعاليم الدين الصحيحة والرد باستمرار على الأكاذيب التى يروجها البعض على هيئة الفتوى، أو الفكر المتطرف، لكن المشكلة أن ذلك لا يحدث بالسرعة المطلوبة، ولا يواكب جهود الرئيس.
والشىء الأكيد أن عليهم فى الأزهر مضاعفة جهودهم فى أسرع وقت، وإقامة عدة مؤتمرات تتيح ظهور توصيات يمكن تطبيقها على أرض الواقع من أجل تجديد الخطاب والفكر الدينى.
■ هناك من يتهم بعض الجهات فى الأزهر بعرقلة الجهود المبذولة فى هذا الاتجاه.. فكيف ترى ذلك؟
- الأزهر حريص على التمسك بالشريعة الإسلامية وما أنزله الله فى كتابه، كما يحاول فى الوقت ذاته تعديل بعض الاجتهادات القديمة ودفع جهود التجديد، والدليل على ذلك استجابته لطلب البرلمان فى مسألة تعديل المناهج الأزهرية وصدور قرار سريع بتشكيل لجنة لتنقية هذه المناهج وتعديل بعضها بالفعل.
كما يمكننا ملاحظة تعليقات شيخ الأزهر وردوده على أى ظاهرة أو قول شاذ يخالف الدين الإسلامى، وهو ما يظهر كونه جاهزا للرد على أى تساؤل أو استفسار، فضلا عن استمراره فى الدعوة والإعلان عن سماحة الدين الإسلامى.
■ إذا كان الأمر كذلك.. فما أسباب شيوع هذا الاتهام؟
- المشكلة فى مصر أن استجابة الأزهر وجهوده غير ملموسة حتى الآن، حتى ظن البعض أن الأزهر نفسه هو من يعطل التجديد، لذا يجب على المؤسسة أن تغير من خطتها وتلتزم بخطة سريعة وحازمة للتجديد، تقطع الشك باليقين، دون الخروج عما أنزله الله، وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية.
■ من المسئول عن تعطيل الجهود إذن؟
- من وجهة نظرى أن جميع المؤسسات الدينية مشتركة فى التعطيل عبر التباطؤ فى تجديد الخطاب الدينى، لأن كل مؤسسة تعمل بمعزل عن الأخرى، فالأزهر يعمل فى اتجاه بعيد عن جهود وزارة الأوقاف، وكذلك دار الإفتاء، ولا توجد فى مصر مؤسسة دينية رافضة للتجديد، لكن الاختلاف على درجة استجابة كل منها وسرعة تحركها.
ورأيى أن عدم التنسيق بين هذه الجهات، ورفض الجلوس على مائدة واحدة تجمع كافة الأطراف المعنية بالقضية هو السبب الرئيسى للتعطيل، والغريب أن الأزهر الشريف بكافة قياداته ومشايخه وعلمائه لم يدع لمائدة حوار واحدة مع هذه المؤسسات لتناول المسألة، رغم تكرار دعوات الرئيس، ودفعه فى اتجاه التجديد.
■ ألا ترى فى هذا تعنتا من بعض المشايخ؟
- ليس تعنتا، فالأزهر مؤسسة عريقة، وشيخه أدرى بنصوص الشريعة والقرآن الكريم، لذا فهو يعمل فى الاتجاه الصحيح، وجهده مستمر فى عملية التجديد، لكنى أكرر ثانية أن هناك بطئا يجعل الخطوات غير ملموسة على أرض الواقع، وعلينا جميعا أن نعى أن مسألة تجديد الخطاب الدينى لن تحل بين يوم وليلة، بل ستستغرق وقتا لأنها تتعامل مع تغيير الفكر نفسه.
■ كيف يمكن إسراع الخطى فى هذا الاتجاه من وجهة نظرك؟
- يجب على جميع المؤسسات الدينية أن تجلس على مائدة واحدة لتخرج بورقة تعمل ضمنها كل مؤسسة ويمكن تطبيقها على أرض الواقع، وهنا سيكون للكنيسة نفس دور الأزهر الشريف، وسيكون دور البابا تواضروس فى عملية التجديد والتصويب لا يقل عن دور شيخ الأزهر نفسه، نظرا لأن الجميع متضرر من الإرهاب والتكفير ما يجعل مسئولية مواجهته مشتركة.
فالمسيحيون فى مصر شأنهم شأن المسلمين، والجميع يعيش تحت لواء واحد فى وطن واحد، ويتضررون جميعا من الإرهاب والفكر المتطرف، لذا سيكون على الجميع المشاركة فى عملية تجديد الخطاب الدينى، حتى نتصدى لأى محاولة لإشعال فتن طائفة تهدد سلامة المجتمع المصرى وتماسكه، فنحن الشعب الوحيد الذى تحيا طوائفه فى محبة وسلام وإخاء، لأن كلا منا يعرف تعاليم الدين ويطبقها بسماحة ويسر دون تضييق أو تعنت، وما ينقصنا فى رأيى هو تكاتف الجهود فقط.
■ ما الدور المنوط بلجنة الشئون الدينية والأوقاف فى البرلمان فى هذا الملف؟
- اللجنة قررت تبنى قضية الخطاب الدينى بعد مناداة الرئيس به فى كل كلماته تقريبا، لذا ستطرح مبادرات عديدة خلال الإجازة البرلمانية الحالية لبدء الجهد فى اتجاه تصويب الخطاب.
واللجنة، برئاسة الدكتور أسامة العبد، تُجهز خلال الأيام القليلة المقبلة لعقد مؤتمر موضوعه تجديد الخطاب الدينى، ليكون أول خطوة جادة فى هذا الملف، وسيكون بحضور شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا تواضروس، وقيادات من الإفتاء ووزير الأوقاف، وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، وكافة المعنيين بالقضية من الحكومة والمجتمع.
ومن المتوقع أن يعقد أول مؤتمر داخل مشيخة الأزهر، على أن يتم تكراره بعد ذلك فى عدة أماكن بحضور الأطراف المعنية، ونحن فى اللجنة نعتقد أن للبرلمان دورا فى مسألة تجديد الخطاب الدينى، وسنحاول استغلاله لتجميع الأطراف وبدء العمل على أرض الواقع.
■ البعض دعا أيضا لعقد مؤتمرات تحت قيادة الأزهر تتناول سبل مكافحة الإرهاب.. كيف ترى ذلك؟
- فكرة رائعة ومفيدة، وأدعو رئيس الجمهورية للمشاركة فى هذه المؤتمرات، لأنها فرصة للدعوة إلى التكاتف ونبذ الأفكار العدوانية المتطرفة، وأدعو القائمين عليها إلى الخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ، شأن مؤتمرات الشباب.
كما أدعو الجميع للمشاركة فيها، وعلى رأسهم الكنيسة والأزهر، وكل الوزراء المعنيين، مثل وزراء التربية والتعليم، والشباب والرياضة، والتعليم العالى، والثقافة، مع حضور ممثلين عن المجلس الأعلى للإعلام والهيئات الإعلامية.
■ الرئيس تحدث أكثر من مرة عن ضرورة توثيق الطلاق الشفوى.. كيف ترى تطورات هذه الإشكالية فى ظل موقف الأزهر؟
- الأزهر الشريف ملتزم بالشريعة ونصوص القرآن الكريم، وغير متعنت فى مواقفه، لكنه يحتاج لبذل الجهود وتبنى بعض الاجتهادات التى أصبحنا فى حاجة ملحة إليها، ومسألة الطلاق الشفوى هى واحدة من هذه المسائل التى أصبحت تهدد المجتمع المصرى وتماسكه، وتحتاج إلى الاجتهاد فيها.
وأنا أعكف حاليا على إعداد مشروع قانون لتنظيم الطلاق الشفوى، وأعمل حاليا على صياغة مواده للعرض على الأزهر وتدوين الملاحظات عليه لتعديله، دون أن يخالف موقف الأزهر الشريف فى هذه المسألة، وسأطلب فيه توثيق هذا الطلاق وفقا لضوابط ومعايير محددة، تعمل على إحداث توازن، وتحول دون أن يطغى جانب على آخر.
■ ألا ترى أن تقديم نص قانونى يعارض ما أفتت به هيئة كبار العلماء من وقوع الطلاق الشفوى وقد يتسبب فى إثارة الجدل؟
- لا أعتقد، فأنا لا أهدف لمخالفة الشريعة الإسلامية، لكنى أتمسك بالحق فى إعداد قانون يحافظ على تماسك المجتمع ويمنع انهيار بنيانه نتيجة كثرة حالات الطلاق التى تحدث فى لحظات الغضب بين الزوجين.
■ ما ملامح هذا المشروع؟
- مشروع القانون يشمل عدة أبواب تتعامل مع الحالات المختلفة بين الزوج والزوجة، كما يضم بابًا ينظم عملية الطلاق الشفوى، ويتناول مسألة توثيقه، وآخر يهتم بشأن الأطفال حال حدوث الطلاق.
وهذا القانون يهدف لتنظيم عملية الطلاق بكل صورها، بما يحقق فى النهاية مصلحة الأطفال، وعدم انهيار بنيان الأسر المصرية مثلما يحدث حاليا، نظرا لارتفاع نسب الطلاق بدرجات مقلقة ومخيفة.
كما ينص المشروع على إنشاء مجلس قومى للأسرة، سيكون من مهامه تحقيق التراضى بين الزوجين بما لا يخالف الشريعة الإسلامية.
■ ما آخر التطورات فى مسألة قانون الأزهر الذى تقدمت به للبرلمان فى وقت سابق؟
- انتهيت من صياغته، وهو الآن فى مرحلة العرض على مشيخة الأزهر وقياداتها، وسنستغل فترة الإجازة البرلمانية لأخذ الملاحظات عليه، خاصة أنه يهدف لإعادة هيكلة الأزهر بكافة قطاعاته بشكل كامل، لكونها تحتاج مراجعات حقيقية للنهوض بالمؤسسة من جديد، وهو ما سينعكس حتما على مسألة تجديد الخطاب.
■ ألا تخشى من اعتراض الأزهر على مشروع قانون ينادى بإعادة هيكلته؟
- القانون المقدم يهدف لتنظيم القطاعات فى الأزهر وإعادة النظر فى القيادات التى تتصدر المشهد، وهذا ليس تقليلا من شأن مشايخه أو مساسا بهم، كما أن البرلمان له الحق فى إصدار أى تشريع، والأزهر شأنه شأن أى مؤسسة بالدولة يخضع لتطبيق القوانين ومواد الدستور.
وما أراه هنا هو أن بعض القيادات فى الأزهر بحاجة لإعادة الهيكلة، ومراجعة أماكنها داخل المشيخة، لكن الهدف من ذلك ليس الإطاحة بشيخ الأزهر كما يروج البعض، بل دفع الأمور نحو تسهيل الجهود الرامية لتجديد الخطاب الدينى.
■ متى ستطرح هذا القانون على البرلمان؟
- سأتقدم به رسميا فى دور الانعقاد الرابع، وبمشيئة الله سيكون هناك توافق عليه، نظرا لأن هدفه الأساسى هو تحقيق المنفعة العامة، دون المساس بأى من المشايخ، وعلى رأسهم الشيخ أحمد الطيب.
■ لماذا جمد البرلمان مناقشة مشروعات تنظيم الفتوى والأزهر وغيرها وأجلها لدور الانعقاد الرابع؟
- اللجنة والبرلمان لم يجمدا أى مشروع من القوانين الثلاثة الموجودة على أجندتهما، وهى: تنظيم الفتوى، ودار الإفتاء، والظهور الإعلامى لرجال الدين، لكن صياغتها انتهت مع نهاية دور الانعقاد الثالث، ولم يكن هناك وقت يكفى لعرضها على الجلسة العامة.
لكن بكل تأكيد سيكون لها الأولوية على أجندة المجلس فى أوائل دور الانعقاد الرابع، وأتوقع إقرارها جميعا فى القريب العاجل، نظرا لكونها حزمة متكاملة من التشريعات الهادفة لمكافحة الفتاوى الشاذة والمتطرفة وتنظيم عملية الإفتاء وظهور رجال الدين على القنوات الفضائية.
وهذه الحزمة تهدف للتأكد من أن الأشخاص الذين سيخاطبون المواطنين عبر الشاشات هم من أهل العلم، وهذا يأتى فى ظل جهود التصدى للشائعات والخرافات والمعتقدات الدينية والاجتماعية والثقافية التى يمكن أن تؤثر على مسيرة الدولة نحو التنمية والتطوير.
■ ما دور الإعلام فى هذه المرحلة؟
- دور الإعلام المصرى مهم جدا فى الفترة الحالية، خاصة فى مجال التوعية ونشر تعاليم الإسلام السمحة وتفسير النصوص القرآنية بطريقة صحيحة، وعلى الإعلام أن يبين للشباب أن هذه الجماعات التى تتحدث باسم الدين كيانات متطرفة تدعو لنشر دين متشدد، يخالف تعاليم الإسلام التى تدعو لنبذ العنف والتآخى بين الناس وحب الآخر، وليس التفرقة والعنصرية والانتقام.
كما أن وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وصحافة وتليفزيون يجب أن تتبنى قضية تجديد الخطاب الدينى، وتضع برنامجا واستراتيجيات لمكافحة التطرف وحماية عقول الشباب من الانجراف خلف الأكاذيب التى تستهدف الصغار والمراهقين.
متى ستكون المؤسسات الدينية مؤهلة لتجديد الخطاب الدينى؟
- عندما يكون العاملون فى الحقل الدعوى مؤهلين للاجتهاد فى الخطاب الدينى، وتصويب بعض الأمور فى الدين، وعندما تعمل تلك المؤسسات على نشر تعاليم الدين السمحة التى تدعو للخير لا لتكفير المواطنين ووصفهم بألفاظ وألقاب لا تصح ولم يشر إليها الدين من قريب أو بعيد.
كل العمليات الإرهابية التى حدثت السنوات الماضية كان مفجرها أو القائم بها يؤمن بفكر خاطئ وفتوى ضالة من إرهابيين، تجعله يعتقد أنه على حق ويفعل الخير، وهذه العقلية تحتاج من يتصدى لها ويكافح انتشارها. ومع عمل القوات المسلحة قدر المستطاع على مواجهة هؤلاء بكل حزم وشدة، يتبقى الدور الأساسى، للأزهر الشريف والمؤسسات الدينية الأخرى بما فيها الكنيسة.
لذا، أرى أن الأزهر عليه فورا تنظيم برامج تدريبية للأئمة على كيفية نشر الفكر الصحيح وجوهر الإسلام، لأن الاجتهاد وتصويب ما يحتاج لتصويب فى الخطاب الدينى، يساهم فى مكافحة الإرهاب، وحماية أرواح القوات المسلحة والمواطنين. ويبرز كذلك دور الجهات الثقافية والفكرية المعنية بالقضية، لأن الاجتهاد لن يأتى إلا بتكاتف المؤسسات الدينية والثقافية والفكرية المطلعة على الموروثات القديمة.